القاهرة - بعد سنوات من الجدل حوله، حسمت الحكومة المصريّة أمرها من مقترح مشروع ربط نهر النيل بنهر الكونغو لإمدادها بحصص مياه إضافيّة، بعدما قرّرت وقف أيّ دراسات خاصّة به مع إحدى شركات القطاع الخاصّ التي تتبنّى تنفيذ المشروع، وإعلانها رسميّاً عدم إدراج المشروع ضمن خطّتها المائيّة.
وقد أثار الأمر ضجّة على صعيد الرأي العام المصريّ، خصوصاً بعد إعلان نقباء للفلّاحين مساندتهم لاستكمال المشروع، أملاً في رفع معاناتهم مع الأزمات المائيّة المتكرّرة، والتي تطال مياه الشرب أيضاً، في ظلّ ثبات الحصّة المائيّة من النيل عند 55و5 مليار متر مكعّب من المياه، ومع وجود أزمة تهدّد بالانتقاص منها لإصرار دول منابع النيل على رغبتهم في إعادة تقسيم حصص مياه النيل، إضافة إلى ما ستمثّله السدود الإثيوبيّة الجديدة، خصوصاً سدّ النهضة، من أضرار من المنتظر أن تحرم مصر من جزء كبير من حصّتها، بإتمام مرحلته الأولى فقط عام 2015.
وقد جاء قرار الحكومة المصريّة بإلغاء المشروع بناء على تقرير أعدّته وزارة المياه والريّ، ورفعته إلى مؤسّسة الرئاسة انتهى إلى وجود 22 عقبة تجعل تنفيذ المشروع أمراً صعباً للغاية، بل أقرب إلى المستحيل، وهو التقرير الذي تضمّن العقبات ذاتها التي كان "المونيتور" قد تحدّث عنها من خلال تقرير نشره في تشرين الأوّل/أكتوبر عام 2013 تحت عنوان ربط نهري النيل والكونغو حلم المصريّين الضائع.
ووفقاً للتقرير الحكوميّ المعلن في كانون الثاني/يناير 2015، و حصل "المونيتور" على نسخة من، فإنّ المقترح المقدّم من فريق مشروع تنمية إفريقيا وربط نهر الكونغو (الذي يمثّل إحدى شركات القطاع الخاصّ "ساركو" التي تتبنّى تنفيذ المشروع)، يقوم على نقل 110 مليارات متر مكعّب من المياه سنويّاً من حوض نهر الكونغو إلى حوض النيل من خلال ربط النهرين، أي ضعف حصّة مصر الحاليّة من مياه النيل. ومع ذلك، لم يمرّ في دورة المشاريع المتعارف عليها عالميّاً، والأعمال المقدّمة من الشركة تعدّ في مرحلة الفكرة، ولم تبلغ مرحلة الدراسة الاستكشافيّة، وتخلو من التفاصيل الفنيّة الأساسيّة، وسيحتاج تنفيذه إلى رفع مياه نهر الكونغو 800 متراً إلى الأعلى لإمكان إيصالها إلى حوض نهر النيل، وهو أمر صعب جدّاً وفقاً لطبيعة التضاريس الفاصلة بين حوضي نهر الكونغو والنيل.
ونبّه التقرير الحكوميّ إلى أنّه، بخلاف العقبات الفنيّة التي تجعل من تنفيذ ربط النهرين أمراً خياليّاً، هناك عقبات أخرى تتمثّل في التكلفة الباهظة للمشروع والتي تفقده الجدوى الاقتصاديّة، إضافة إلى تجاهل فريق العمل البعد القانونيّ للمقترح، لأنّ نهر الكونغو يشمل دولاً عدّة، ومبدأ المطالبة بنقل المياه خارج حوض النهر مخالف للأعراف الدوليّة.
وفي حديث خاصّ لـ"المونيتور"، قال مستشار وزير الريّ للسدود وحوض النيل الدكتور علاء يس: "تنفيذ هذا المشروع ضرب من الخيال، وله عواقب وخيمة على مصر". وأضاف: "يمكن أن تطلب دول أخرى من دول النيل نقل كميّة من مياهه إليها أسوة بالمقترح المقدّم لنقل مياه نهر الكونغو إلينا".
وفيما اشتدّ السجال في الرأي بين خبراء المياه حول الجدوى الاقتصاديّة منه، بين مؤيّد للتنفيذ ومعارض له، شنّت الشركة التي تتبنّى المشروع حملة ضدّ المسؤولين في وزارة الريّ، واتّهمتهم بعرقلة المشروع، والتقصير في المراجعة لدراساته الأوليّة.
وأعلن رئيس مشروع تنمية إفريقيا وربط نهر الكونغو بنهر النيل والذي يمثّل القطاع الخاصّ المهندس ابراهيم الفيومي تحدّيه مسؤولي وزارة الريّ، مؤكّداً لـ"المونيتور" أنّه وفريقه المعنيّ بالدراسات لن يهزمهما هذا الرفض الحكوميّ، ولن يتوقّفا عن المضي قدماً نحو تنفيذه. وقال الفيومي: "سنلتقي مرّة أخرى مع مسؤولي وزارة المياه بعدما ننجح في إيصال المياه إلى الحدود المصريّة عند أسوان من الكونغو عبر جنوب السودان".
وأكّد أنّه حظي بمباركة كلّ من الرئيس الكونغوليّ جوزيف كابيلا ورئيس جنوب السودان سلفاكير للتنفيذ، بينما لم ينكر أنّ هذا الرفض الحكوميّ في مصر ربما يسبّب حالة من الذعر للدول الإفريقيّة المشاركة في المشروع.
وردّاً على هذه الاتّهامات لوزارة الريّ بالوقوف أمام المشروع وعرقلته، اعتبر رئيس الإدارة المركزيّة للتعاون الثنائيّ مع حوض النيل في وزارة الريّ الدكتور وائل خيري أنّ هذه الادّعاءات كذب وافتراء، وقال لـ"المونيتور ": "الخبرات الحكوميّة التي قامت بمراجعة الدراسات المقدّمة من فريق عمل الشركة التي تتبنّى المشروع، أجمعت على عدم إمكان التنفيذ، خصوصاً مع مرور المشروع في مناطق نزاع أهليّة ومناطق قبليّة". واستطرد قائلاً: "علينا أن نفكّر أنّ المشكلة ذاتها تواجه استكمال مشروع قناة جونجلي المتوقّف منذ أربعة عقود، وهو بطول 360 كيلومتراً لتمرير 4 مليارات متر مكعّب فقط من جنوب السودان إلى مصر في مرحلته الأولى، وذلك قبل أن نفكّر في مقترح لنقل 110 مليارات متر مكعّب لمسافة أكثر من 3000 كيلومتر".
وأضاف المسؤول الحكوميّ: "يحظّر قانون الموارد المائيّة الكونغوليّ نقل مياه نهر الكونغو إلى خارج أراضيها، ولذلك فشلت أكثر من جهّة أجنبيّة سبق أن تقدّمت بمقترحات لنقل مياه نهر الكونغو إلى خارج الكونغو".
ورفض المستشار القانونيّ لفريق عمل المشروع عادل أبو بكر ما وصفه بانتحال وزارة الريّ دور الخارجيّة المصريّة في تقريرها في شأن المشروع، بحديثها عن الدواعي القانونيّة جرّاء ربط النهرين، مؤكّداً أنّه كان عليها مراجعة الأمور الفنيّة فقط، وترك الأمور القانونيّة والسياسيّة إلى القيادة السياسيّة.
من الواضح جدّاً أنّ الصعوبات الفنيّة لتنفيذ هذا المشروع ما زالت محلّ جدل في القاهرة، فيما كانت المخاوف من مخالفة أحد مبادئ القانون الدوليّ التي تمنع نقل مياه أيّ نهر تشترك فيه أكثر من دولة إلى نهر آخر، العقبة الأساسيّة التي دفعت الحكومة المصريّة إلى التخلّي في المرحلة الراهنة عن المشاركة في شكل رسميّ في حلم توفير مياه تروي عطش المصريّين من نهر الكونغو، وحتّى لا يمثّل ذلك ذريعة أمام أيّ دولة من دول منابع النيل لبيع مياهها، خصوصاً في ظلّ مطالبات إسرائيليّة متكرّرة لمدّ مياه النيل إلى تلّ أبيب.