القاهرة - في الوقت الّذي اشتدّت فيه أزمة منع النّاشطين والحقوقيّين الأجانب من دخول مصر، وبعد وضع القاهرة لقوائم ترقّب وصول أمنيّة غير معلنة تضمّ شخصيّات تعادي النّظام المصريّ بعد 30 يونيو، وكان آخرها أزمة السبت 13 ديسمبر 2014 حين منعت سلطات مطار القاهرة مرور ميشيل دان، وهي باحثة في معهد "كارينجي للسلام"، لحضور أحد المؤتمرات،و قبلها منع النّاشطة اليمنيّة توكل كرمان من دخول مصر يوم الأحد 4أغسطس 2013، فهناك أزمة أخرى بدأت تتفاقم بعد شكاوى عدّة من المسافرين المصريّين بمنعهم من السفر إلى تركيّا، إلاّ بتصريح مسبق من السلطات الأمنيّة المصريّة، وفي إطار إجراءات جديدة وضعتها القاهرة تمنع سفر مواطنيها إلى بعض الدول، وفي مقدّمها تركيّا من دون تصريح مسبق من السلطات الأمنيّة. إنّ ضوابط الحظر الجديدة على سفر المصريّين إلى الخارج تشمل أربع دول أخرى، إلى جانب تركيّا، وهي: قطر والعراق وليبيا وسوريا.
ورغم أنّ وزارة الداخليّة المصريّة أكّدت أنّ هذا التّقييد على سفر المصريّين لا يشمل إلاّ الدول الملتهبة مثل سوريا والعراق، برّرت ضمّ اسطنبول للقرار بأنّه جاء لتقييد تجنيد المصريّين في الجماعات المتشدّدة من خلال عبورهم إلى تركيّا، فضلاً عن منع قدوم الإرهابيّين المنضمّين إلى تنظيم داعش أو جبهة النّصرة إلى مصر. ولهذا، يتمّ فحص أوراق القادمين من هذه البلاد بعناية فائقة في مطار القاهرة.
وتجاهل المسؤولون المصريّون توضيح ما يخصّ أمر قطر، ولماذا تمّت إضافتها إلى قرار قائمة الدول المحظور على المصريّين السفر إليها، إلاّ بإذن مسبق من السلطات الأمنيّة، علماً أنّها ليست من الدول التي تشهد اضطراباً.
والمعروف أنّ قطر وتركيا هما من الدول الّتي تعادي النّظام المصريّ الحاليّ وتصفه بالانقلابيّ، بل تدعم قيادات جماعة الإخوان المسلمين الّتي أعلنتها القاهرة جماعة إرهابيّة وحمّلتها مسؤوليّة أحداث العنف الّتي شهدتها مصر، بعد عزل الرّئيس المصريّ السّابق محمّد مرسي.
ووفقاً لما أكّده مصدر في شركة مصر للطيران لـ"المونيتور"، والّذي فضّل عدم الافصاح عن اسمه، فإنّ هناك 4 رحلات يوميّة من القاهرة إلى اسطنبول، اثنتان منهما لشركة "مصر للطيران"، والاثنتان الأخريين لـ"الخطوط التركيّة"، وقال: "بالفعل، يتمّ توقيف ركّاب مصريّين مسافرين في هذه الرّحلات على متن طائرات تابعة لهذه الشركات، تتراوح أعمارهم بين 20 و40 عاماً من قبل سلطات الأمن في المطار، ويتمّ منعهم من السفر ما لم يكن لديهم الإذن المسبق من السلطات الأمنيّة في القاهرة الممثّلة بوزارة الداخليّة".
وأشار المصدر ذاته إلى أنّ الأمر جديد على رحلات اسطنبول، بينما كان معمولاً به بالفعل على رحلات الطيران المتّجهة إلى الدول الملتهبة مثل العراق وليبيا، ولا تشديد مماثلاً على الرّحلات المتّجهة إلى قطر، بل يقتصر الأمر على مراجعة قوائم الحظر الموجودة بالفعل.
ويأتي القرار المصريّ بتقييد سفر المواطنين إلى تركيّا ليشكّل أزمة كبيرة لدى شركات السياحة المصريّة، إذ أنّ عدد المصريّين المسافرين إلى تركيّا سنويّاً يبلغ نحو 375 ألف سائح مصريّ. كما تعدّ تركيّا من أشهر المقاصد السياحيّة بالنّسبة إلى المصريّين وأرخصها وأقربها، وهذا ما آثار تذمّر إتّحاد غرف السياحة المصريّة الّذي اعتبر أنّ القرار فيه خلط بين السياسة والسياحة، وذلك وفقاً لتصريحات صحافيّة لعلي المانسترلي، وهو عضو في إتّحاد الغرف السياحيّة المصريّة، والّذي أكّد أنّ الشريحة العمريّة الخاضعة إلى القرارات الجديدة تمثّل نحو 70 في المئة، من إجماليّ المصريّين المسافرين إلى تركيّا، ومعظمهم من الأسر والتجّار، وهو ما يتسبّب بضرر لـ150 شركة سياحة مصريّة تشغّل رحلات إلى تركيّا، محذّراً من قيام السلطات التركيّة بالتّعامل بالمثّل، وقال: "إنّ الشركات السياحيّة التركيّة تتحكّم في النّصيب الأكبر من السياحة الوافدة من أوروبّا على كلّ من شرم الشيخ والغردقة في مصر".
وعن مدى إتّفاق هذه الإجراءات المصريّة بتقييد سفر المواطنين إلى دول بعينها مع مبادىء العلاقات الدوليّة وقواعدها، تحدّث خبير الشؤون الدوليّة في مركز الأهرام للدارسات السياسيّة الدّكتور سعيد اللاّوندي لـ"المونيتور" فقال: "إنّ النّظام المصريّ بقيادة الرّئيس عبد الفتّاح السيسي لا يعمل وفق عشوائيّات، وإنّما ينصّ الدّستور المصريّ على أنّ الدولة والممثّلة في الحكومة مسؤوليّتها حماية الأمن والأمان ومنع كلّ ما يمسّ بهذا الأمن سواء أكان من الداخل أم من الخارج".
وأوضح أنّ القرار المصريّ بتقييد سفر المصريين إلى بعض الدول، جاء انطلاقاً من أنّ هذه الدول تعاني من أوضاع ملتهبة، مثلا ليبيا والعراق وسوريا.
وفي ما يتعلّق بأمر قطر وتركيا، قال: "إنّ الأمور تتّخذ مساراً آخر حاليّاً بين مصر وقطر، إذ ستكون هناك اتفاقيّة جديدة مرتقبة تسمح للقطريّين بأن يأتوا إلى مصر لتنشيط السياحة والقيام بمشاريع، وسفر المصريّين سيعود مسموحاً به بعد إتمام المصالحة بين البلدين، الّتي يرعاها العاهل السعوديّ".
أضاف: "أمّا تركيّا فتظلّ من الدول التي تشكلّ قلاقل على الأمن القوميّ المصريّ، وتتدخّل في الشأن الداخليّ المصريّ، وتميل إلى مساندة جماعة الإخوان الإرهابيّة الّتي أرادت أن تخطف حكم مصر. وإنّ المصريّين لا يتذمّرون من قرار كهذا، طالما يأتي لحماية الأمن القوميّ".
واعتبر اللاّوندي أنّ منع شخصيّات أجنبيّة من دخول مصر مثل كرمان ودان لم يأت من فراغ، وإنّما لأنّ الأمن المصريّ دائماً تكون لديه معلومات غير معلنة ويتخّذ بناء عليها قرارات كهذه.
إنّ تخوّفات القاهرة من امتداد تهديد تنظيم "داعش" إلى داخل البلاد مع ارتفاع أعداد المصريّين المنتمين إليه جعلها تعمل على تغيير سياساتها القديمة في تحذير رعاياها من السفر إلى الدول الملتهبة، وتتّجه إلى تقييد تنقّلهم اليها بقرارات رسميّة، بينما تظلّ أزمة منع شخصيّات حقوقيّة من دخول مصر فيها الكثير من الإلتباس.