رام الله – الضفّة الغربيّة، في الثالث والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، استشهد الشابّ أحمد الشيخ (44 عاماً) من قرية بردلة في الأغوار الفلسطينيّة القريبة من نهر الأردن، في انفجار قنبلة تركها جيش الاحتلال الإسرائيليّ في المنطقة، عقب تدريب عسكريّ فيها ، مخلّفاً وراءه أسرة مكوّنة من زوجة وخمسة أبناء، أصغرهم لم يتجاوز الستّ سنوات.
وقال رئيس مجلس قرويّي بردلة الواقعة في منطقة "C" محمود صالح صوافطه لـ"المونيتور"، إنّ الشيخ كان راعياً للأغنام، واستشهد متأثّراً بجروح أصيب بها في رأسه وصدره جرّاء انفجار قنبلة من مخلّفات الجيش، كان يسعى إلى دفنها بسبب تواجد الأطفال ورعاة الأغنام في المنطقة.
ويجري جيش الاحتلال في شكل دوريّ تدريبات عسكريّة في الأغوار، تشارك فيها طائرات حربيّة، ويتمّ خلالها استخدام الذخيرة الحيّة.
ويضيف أبو سائد أنّ جيش الاحتلال كثّف تدريباته العسكريّة في الأغوار، منذ حرب لبنان الأخيرة، الأمر الذي أثّر سلباً على نمط حياة المواطنين، خصوصاً أنّه يتعمّد ترك مخلّفاته الحربيّة.
وارتفع عدد الشهداء الذين قضوا بفعل مخلّفات الاحتلال في الأغوار، مع استشهاد الشيخ إلى ثلاثة أشخاص منذ بداية العام الجاري، هما الفتى محمّد بشارات (16 عاماً) الذي استشهد في انفجار لغم على مدخل بلدة طمون أثناء رعيه الأغنام في 11 آب/أغسطس ، والفتى صقر دراغمة (17 عاماً) الذي استشهد في 21 حزيران/يونيو في انفجار لغم أثناء رعيه الأغنام في منطقة المالح .
ويقول مسؤول ملفّ الأغوار في محافظة طوباس معتزّ بشارات لـ"المونيتور"، إنّ ثلاثة مواطنين استشهدوا خلال العام الجاري، واثنين العام الماضي، بسبب مخلّفات الاحتلال.
ويبيّن بشارات أنّ هناك حقلي ألغام في الأغوار، الأوّل في منطقة عين الحلوة وتبلغ مساحته 300 متراً مربّعاً، والثاني في منطقة أمّ الرياح، ولا تتجاوز مساحته الـ400 متراً مربّعاً.
ووفقاً لبشارات، يصنّف جيش الاحتلال 75% من مساحة الأغوار البالغة 280 كيلومتراً مربّعاً، والتي تتألّف من 19 تجمّعاً سكّانيّاً أغلبيّتها تقع ضمن منطقة "C"، بين "أراضي عسكريّة مغلقة، أو أراضي مناطق إطلاق نار ممنوع دخولها أثناء التدريبات العسكريّة، أو مناطق محميّات طبيعيّة".
ويوضح بشارات أنّ "المشكلة الكبرى في الأغوار هي مخلّفات الجيش الذي يتعمّد تركها بين المنازل والحقول الزراعية والرعوية وهو ما يتسبب بخسائر نتيجة تدمير المحاصيل الزراعية، أثناء تدريباته العسكريّة، والتي تكون في الأغلب قذائف دبّابات، قذائف إنيرجا، ألغام أرضيّة تزرع أثناء التدريبات، قذائف دبّابات لا تنفجر، وأحياناً صواريخ طائرات يتمّ إطلاقها خلال التدريب من الطائرات ولا تنفجر".
وحسب بشارات، فقد قام جيش الاحتلال حتّى منتصف تشرين الثاني/نوفمبر الجاري بتسليم نحو 160 إخطاراً بالإخلاء للسكّان، بحجّة التدريبات العسكريّة في مناطق متفرّقة في الأغوار.
ويواجه الفلسطينيّون صعوبات في التخلّص من مخلّفات الاحتلال، بسبب عرقلة الاحتلال عمل الطواقم المتخصّصة، ومنعها من الوصول إلى تلك المناطق، وتجدّد التدريبات العسكريّة باستمرار.
ويقول مدير العمليّات في المركز الفلسطينيّ لمكافحة الألغام التابع لوزارة الداخليّة المقدّم عيسى غنيمات لـ"المونيتور"، إنّ الاحتلال يعيق عمل الطواقم الفلسطينيّة في التخلّص من مخلّفاته، خصوصاً أنّها تقع في مناطق "C" التي بدورها تقع تحت صلاحيّة اسرائيل.
وأشار إلى أنّ المركز الفلسطينيّ تعاقد مع مؤسّسة "هولي ترست" الدوليّة لإزالة الألغام، لإجراء تنسيق مع جيش الاحتلال لإزالة مخلّفاته الحربيّة والألغام من المناطق السكنيّة في طوباس والأغوار، إضافة إلى العمل على إزالة الألغام في 16 حقلاً ينتشر في الضفّة الغربيّة.
وبدأ المركز العمل على إزالة الألغام من أوّل الحقول في منطقة النبي الياس في محافظة قلقيلية والبالغة مساحته 65 دونماً، مشيراً إلى أنّ مشكلة المخلّفات الحربيّة تعدّ أكثر تعقيداً من الألغام، على الرغم من قلّة كلفتها الماديّة.
وقال غنيمات إنّ جيش الاحتلال يتعمّد ترك مخلّفاته الحربيّة، وإنّ الطواقم الفلسطينيّة تستطيع التخلّص من المخلّفات في شهر واحد حتّى في مناطق التدريبات العسكريّة، لكنّ الجيش لا يسمح لهم بالعمل.
أوضح غنيمات أنّ الجهّات الفلسطينيّة بعثت رسائل إلى الجانب الإسرائيليّ، تطالبه فيها بتسييج مناطق التدريبات، أو وضع إشارة لتجنّب دخولها من قبل رعاة الأغنام والأطفال، والقيام بتمشيط المنطقة بعد إنهاء التدريبات، وهو أمر لا يتمّ فعله.
وأشار غنيمات إلى أنّ المركز يقوم في صورة مستمرّة بإطلاع جهّات دوليّة، كالأمم المتّحدة، والمؤسّسات الحقوقيّة والقانونيّة والدول المانحة، على آخر تطوّرات إزالة الألغام عبر تقارير مفصّلة بالأحداث.
وعلى المستوى الرسميّ والسياسيّ، قال محافظ محافظة طوباس، ربحي الخندقجي لـ"المونيتور"، إنّ هناك رصداً وتوثيقاً لكلّ مخلّفات الاحتلال التي يعثرون عليها في مناطق الأغوار.
وأضاف الخندقجي: "إنّنا نعمل على وضع إشارات تحذيريّة على مخلّفات الاحتلال، أو مناطق التدريبات التي لا يمكن معالجتها في شكل مباشر من هندسة المتفجّرات في الشرطة الفلسطينيّة.
وحول العوائق التي تمنع الجهّات الفلسطينيّة من التعامل مع هذا الملفّ، قال الخندقجي: "الإشكاليّة التي تواجهنا هي أنّ المنطقة ليست تحت سيطرتنا، وإسرائيل تمنع دخولنا إليها لأنّها منطقة تدريبات عسكريّة، ويتواجد فيها الجيش في صورة مستمرّة".
وحول أهداف الاحتلال من هذا الأمر، قال الخندقجي: "سياسة الاحتلال قائمة على تهويد الأرض، وتهجير الناس من المنطقة، وتضييق سبل الحياة عليهم، وتهديد حياتهم بالخطر. لذلك، نقول إنّ الجيش يتعمّد ترك المخلّفات، في وقت يجب عليه أن يقوم بتمشيط المنطقة وتنظيفها، كما كلّ الجيوش في العالم بعد إجراء تدريبات عسكريّة".
وأشار الخندقجي إلى أنّه تمّ رفع بضع قضايا إلى المحاكم الإسرائيليّة ضدّ الجيش جرّاء تلك الاعتداءات، وإلى أنّهم يسعون إلى تكريس سياسة الملاحقة القانونيّة في المحاكم الدوليّة.
وعلى المستوى القانونيّ، قال أستاذ القانون الدوليّ والعلاقات الدوليّة في جامعة بيت لحم عبد الله أبو عيد لـ"المونيتور"، إنّ اسرائيل باعتبارها سلطة احتلال هي المسؤولة عن أيّ نتائج تسفر عن هذه المخلّفات والألغام، لكن لا يمكن لمحكمة الجنايات الدوليّة النظر في مثل هذه القضايا.
وأضاف أبو عيد أنّ المحكمة الدوليّة لا تنظر في هكذا قضايا، لأنّ المادّة الأولى في ميثاقها الأساسيّ ومقدّمته ينصّان على أنّ "صلاحيّاتها استثنائيّة ومكمّلة، ولا تنظر إلّا في أخطر الجرائم، كجرائم إبادة الجنس البشريّ، والجرائم ضدّ الإنسانيّة، وجرائم الحرب".
وأوضح أنّ هذه القضيّة يمكن حلّها عبر الشكاوى السياسيّة كمخاطبة الأمم المتّحدة، وجمعيّات حقوق الإنسان، والصليب الأحمر، وإقامة المتضرّرين دعاوى في المحاكم الإسرائيليّة.
.في غياب أي إشارة إلى أنّ الإسرائيليين سيوقفون أعمالهم العسكرية في الأغوار، يبدو أنّ الفلسطينيّين سيحصدون الموت الذي ينثره جيش الاحتلال في حقولهم وسهوله