في الوقت الذي بدأت حماس تعيد تسخين العلاقات الباردة مع إيران، وفي ظلّ تزايد الحديث عن زيارة خالد مشعل إلى طهران، جاءت المصالحة القطريّة-المصريّة بعد أكثر من عام ونصف من التوتّر الكبير، لتضع علامة استفهام حول ما قد تكسبه حماس أو تخسره من هذا التطوّر الإقليميّ الهامّ.
فقد انتظرت حماس أيّاماً عدّة حتّى تعلن موقفها النهائيّ من تأكّد مسيرة عودة العلاقات الإيجابيّة بين الدوحة والقاهرة في 20 كانون الأوّل/ديسمبر، حين التقى الرئيس عبد الفتّاح السيسي المبعوث الشخصيّ للأمير تميم في القاهرة.
تأثيرات متوقّعة
ورحّب القياديّ في حماس محمّود الزهّار في 28 كانون الأوّل/ديسمبر بالتقارب المصريّ-القطريّ، نافياً وجود ضغوط قطريّة على قيادة حماس لمغادرة قطر، أو وقف الدعم عنها بسبب المصالحة مع مصر، لأنّ حماس تؤيّد تقارب الدول العربيّة كي تتوجّه إلى خدمة القضيّة الفلسطينيّة.
واعتبر يوسف رزقة وزير الإعلام السابق والمستشار السياسيّ لزعيم حماس اسماعيل هنيّة في غزّة، في حديث إلى "المونيتور" أنّ "مصالحة قطر ومصر تصبّ في مصلحة المشروع الوطنيّ الفلسطينيّ، وحماس لا تخشى تضرّر علاقاتها مع الدوحة بعد مصالحتها مع القاهرة، لأنّ الحركة ليست طرفاً في الصراع العربيّ الداخليّ، بل هي مقبولة في العواصم العربيّة".
لكنّ مسؤولاً مصريّاً رفض كشف هويّته، أعلن في 26 كانون الأوّل/ديسمبر أنّ الدوحة أبلغت قادة حماس بوقف دعمها للحركة في شكل موقّت، في إطار الضغط عليها لتغيير سياسات حماس ضدّ القاهرة.
وأكّد الناطق باسم حماس والمقيم في الدوحة حسام بدران لـ"المونيتور" أنّ "علاقة حماس بقطر مستمرّة، نافياً توقّف الدعم الماليّ القطريّ عن الحركة".
مع العلم أنّ وزير العمل الفلسطينيّ مأمون أبو شهلا أعلن في 28 كانون الأوّل/ديسمبر أنّ قطر أجّلت دفع المنحة الماليّة التي كان سيتمّ صرفها إلى موظّفي غزّة.
ولم ينف رزقة أو يؤكّد النبأ، لكنّه نفى لـ"المونيتور" أن "تكون قطر قطعت دعمها وعلاقتها مع حماس بسبب مصالحتها مع مصر، لأنّ علاقة حماس بالدوحة مستقرّة، ودعم قطر للحركة متواصل ولم ينقطع، وموقف قطر من حماس استراتيجيّ".
ولم تعلن السلطة الفلسطينيّة موقفها من المصالحة القطريّة-المصريّة، لكنّ عضو المجلس الثوريّ لفتح السفير حازم أبو شنب استبعد في 25 كانون الأوّل/ديسمبر أن يسهم التقارب المصريّ-القطريّ في تحسّن العلاقات بين حماس والقاهرة، لأنّ ذلك يتوقّف على قرار الأخيرة بكيفيّة تعاملها مع جماعة الإخوان المسلمين وامتداداتها، قاصداً حماس.
وهو ما دفع المسؤول المصريّ الذي رفض كشف هويّته إلى القول في 26 كانون الأوّل/ديسمبر إنّ حماس طالبت الدوحة بالتوسّط لدى القاهرة، لتهدئة الأجواء مع حماس، مع إبداء الحركة حسن نيّتها، لتجاوز التوتّر مع القاهرة.
مصير الدعم
وقال عزّت الرشق، عضو المكتب السياسيّ لحماس، والشخصيّة الأكثر قرباً من زعيم حماس خالد مشعل لـ"المونيتور": "إنّ علاقات حماس مع كلّ الدول العربيّة والإسلاميّة طيّبة وجيّدة، ونحن نحرص على ذلك، لأنّ فلسطين توحّدنا، مهما بلغت التباينات والتناقضات حول المواضيع والعناوين المختلفة، بعيداًعن أيّ تجاذبات سياسيّة أو استقطابات إقليميّة".
وكشف عضو سابق في مجلس الشورى القطري، رفض الإعلان عن اسمهلـ"المونيتور" أنّ "تواصلاً حصل بين قيادة حماس ممثّلة بزعيم الحركة خالد مشعل والأمير تميم، ومسؤولين قطريّين آخرين، وتباحث الطرفان حول حيثيّات المصالحة مع مصر، وقد سمع الأمير مباركة جادّة من مشعل لأيّ جهد قطريّ تجاه توحيد المواقف العربيّة".
وأشار المسؤول القطريّ في حديثه الهاتفيّ إلى"المونيتور" من الدوحة إلى أنّ "مشعل حصل على تعهدّات رسميّة قطريّة بعدم التعرّض إلى قيادة حماس، أو التضييق عليها في الدوحة مقابل المصالحة مع القاهرة، لأنّ السياسة القطريّة لا تقيم علاقاتها على المساومة بين هذا الطرف وذاك، وعلاقتهم مع حماس قائمة اليوم وغداً".
الملفت أنّه في هذا التوقيت الحسّاس، هدّدت مصر في 26 كانون الأوّل/ديسمبر بقطع العلاقات مع حماس في حال عدم تسليم 13 متّهماً مطلوباً من أعضاء الحركة إلى القاهرة، متورّطين في عمليّات مسلّحة، واشترطت القاهرة تسليم المطلوبين قبل التفكير في أيّ طلبات للحركة خاصّة بالتعاون، أو بأيّ شكل من العلاقات.
وقال القياديّ في حماس محمود الزهّار في 28 كانون الأوّل/ديسمبر إنّ حركته لم تتدخّل في الشأن الداخليّ المصريّ، معتبراً أنّ لا قيمة لما ينشر عبر وسائل الإعلام المصريّ.
وأعرب وكيل وزارة الخارجيّة السابق في حكومة حماس والقيادي في الحركة أحمد يوسف لـ"المونيتور"عن أمله بأن "يكون لانفراج علاقات الدوحة والقاهرة أثر طيّب على علاقات حماس بمصر، وأن تقوم قطر ببذل جهدها للتخفيف من حالة الاحتقان بين غزّة والقاهرة"، مرجّحاً "فتح ملفّ القاهرة وحماس عقب لقاء الأمير تميم والرئيس السيسيّ"، نافياً "وجود اتّصالات بين الحركة ومصر بعد مصالحة الدوحة والقاهرة".
أخيراً… ربّما جاء توقيت المصالحة القطريّة-المصريّة مفاجئاً لحماس، ممّا دفعهاإلى الانتظار قرابة الأسبوع حتّى تعلن ترحيبها بها، حتّى تأكّدت أنّها لن تكون على حسابها، أو تتحوّل ضحيّة لهذا التقارب. ولذلك، فإنّ الأجواء السائدة داخل حماس حتّى كتابة هذه السطور ما زالت ضبابيّة تجاه تأثّر الموقف القطريّ تجاهها، على الرغم من وعود الدوحة بعدم تغيّره، فحماس تعلم أنّ الضغوط التي تمارس على قطر قد تفوق قدرتهاعلى مقاومتها.
لكنّ التساؤل الذي يشغل بال حماس هذه الأيّام، خصوصاً في غزّة، يتركّز على مدى قدرة الدوحة على التأثير على القاهرة لإجراء المصالحة مع الحركة. ومع أنّ حماس نفت أن تكون قطر قد أوقفت دعمها الماليّ لها تلبية لطلب القاهرة، لكنّ انفتاح أبواب طهران أمام الحركة، وزبارة مشعل الأخيرة إلى أنقرة، قد يعوّضانهاعن بعض ما قد تفقده من الدوحة في إطار الصفقة "الخفيّة" مع القاهرة.