كان واضحاً أن تأزّم الأوضاع في غزّة، بعد الحرب الإسرائيليّة الأخيرة، يعود في جزء كبير منه، إلى عدم البدء بالإعمار وبقاء المعابر مغلقة، وعدم تسوية قضيّة الموظّفين، ممّا دفع بكتلة "حماس" البرلمانيّة إلى الإعلان في 16/11 عن عقد جلسة للمجلس التشريعيّ في 19-20/11، للبحث في مستقبل حكومة التّوافق.
حجب الثقة
وبصورة مفاجئة، أعلن نائب رئيس المجلس التشريعيّ أحمد بحر في 18/11، في بيان صحافيّ، تأجيل الجلسة المذكورة إلى موعد لاحق لم يحدّد، استجابة لتدخّلات حميدة ومراعاة لأحداث القدس.
وكشف قياديّ كبير في "حماس" لـ"المونيتور"، طالباً عدم الإعلان عن اسمه، أنّ "كتلة حماس البرلمانيّة كانت جادّة حتّى اللّحظة الأخيرة في عقد الجلسة التشريعيّة، وفي إمكانيّة أن تعلن عدم شرعيّة الحكومة. وبالتّالي، دخولنا في مأزق جديد، يضاف إلى المآزق الأخرى، مما جعلنا نتلقّى اتّصالات فلسطينيّة وعربيّة لرأب الصدع".
وقال: "نتفهّم اعتبارات نوّاب التشريعيّ بعدم تعطيله، ومن حقّهم الضغط على السلطة التنفيذيّة لتفعيله، لكن خلافنا مع "فتح" سياسيّ بامتياز، حتّى لو اتّخذ شكلاً قانونيّاً، فأنا أدرك الأزمة المستعصية بسبب تلكؤ الحكومة، لكن لا يكون حلّ الأزمة باصطناع أكبر منها. لذلك، جاء تأجيل الجلسة لعدم وصولنا إلى خطّ اللاّعودة مع فتح والرّئيس".
من جهته، قال رئيس كتلة "التّغيير والإصلاح" التّابعة لـ"حماس" محمّد الغول لـ"المونيتور": "إنّ الحكومة لم تقم بواجباتها وتنفّذ مهامها، بل عملت على تكريس الانقسام بين غزّة والضفّة، وفرّقت بين الموظّفين، وتعاملت بحزبيّة في معالجة الأوضاع الرّاهنة، ولم يعد لها دور على الأرض. كما أنّها غير قانونيّة، لعدم عرضها على المجلس التشريعيّ لأخذ الثقة منذ تشكيلها قبل 5 أشهر".
واتّهم عضو المكتب السياسي في "حماس" والرّئيس السّابق لكتلتها البرلمانيّة خليل الحية، في حديث صحافيّ في 13/11، الرّئيس عبّاس و"فتح" بالتّعطيل المتعمّد للحكومة لمنعها من ممارسة أعمالها في غزّة، بحيث باتت حكومة ضعيفة مهدداً بسحب الثقة من الحكومة، عبر المجلس التشريعي، أو تفاهمات فصائلية، إذا لم تخضع للمحاسبة.
وإنّ رئيس المكتب السياسيّ في "حماس" خالد مشعل كان أقلّ حدّة في انتقاد الحكومة، حين أعلن في حوار صحافيّ في 9/11 أنّ أداءها يشوبه البطء في تحمّل بعض الواجبات، وطالبها بتحمّل المسؤوليّة بصورة متكاملة ومتكافئة في الضفّة والقطاع.
ومن جهتها، أكّدت النّائبة في التشريعيّ عن "فتح" نجاة أبو بكر في حديث لـ"المونيتور" أنّها "غير راضية عن أداء الحكومة لعدم البدء بإعمار غزّة، لكن انعقاد المجلس في غزّة يعتبر تكريساً للانقسام، فلا يمكن أن يتم عقد جلسة للتشريعيّ من دون موافقة الرّئيس عبّاس".
ورفض المتحدّث باسم "فتح" أحمد عسّاف في حديث إذاعيّ في 18/11، دعوات "حماس" إلى حلّ الحكومة بدعوى عدم القيام بمهامها، لأنّها تقوم بواجبها على أكمل وجه، متّهماً "حماس" بوضع العراقيل أمامها من خلال إبقاء سيطرتها الأمنيّة على غزّة عبر مجموعاتها المسلّحة.
وتوقّع وزير العمل الفلسطينيّ مأمون أبو شهلا في بيان أصدره في 20/11 أن تشهد الأيّام المقبلة تعديلاً وزاريّاً، لأنّ كلّ الأطراف تتحدّث حاليّاً عن تمديد فترة عمل الحكومة نتيجة الحرب الأخيرة، والتغيّرات التي طرأت على الموقف الفلسطينيّ والعربيّ والدوليّ تشير إلى إطالة عمر الحكومة القائمة.
وقال مسؤول كبير في مكتب الرّئيس عبّاس لـ"المونيتور"، طالباً عدم الكشف عن هويّته: إنّ "خطوة "حماس" المتوقّعة بسحب الثقة من الحكومة غير قانونيّة، على اعتبار أنّها حكومة موقّتة، ولم تنل أصلاً ثقة المجلس حتى يتمّ سحبها منها. وإنّ "حماس" حين وقّعت اتّفاق المصالحة وتشكيل الحكومة علمت جيّداً أنه لم يتمّ الاتفاق على عرضها أمام المجلس التشريعيّ".
وسأل: "هل تحاول "حماس" إعادة صياغة اتّفاق المصالحة من طرف واحد؟".
فتيل المواجهة
وإنّ جلسة المجلس التشريعيّ التي دعت إليها "حماس" وتمّ تأجيلها لاحقاً، لم تكن ستقتصر على مستقبل الحكومة، وسحب الثقة منها، بل كانت ستتسبّب بتفجير قنبلة من العيار الثقيل في المشهد الفلسطينيّ، لأنّها كانت ستناقش مدى شرعيّة الرّئيس عباس، كما علم "المونيتور" من بعض نواب "حماس".
ولقد أعلن القياديّ في "حماس" ورئيس لجنة الرقابة وحقوق الإنسان في المجلس التشريعيّ يحيى موسى في حديث لـ"المونيتور" أنّ "عبّاس يعطّل المصالحة ويجب عليه الرّحيل، لأنّه المشكلة الأساسيّة للمشروع الوطنيّ الفلسطينيّ، فالتشريعيّ معطّل بقرار منه. لذلك، لن يدعوه إلى الانعقاد، بعد أن خطف الحكومة، وأعطى أنموذجاً غير مسبوق للاستفراد في السلطة، وبات من الضرورات الوطنيّة أن يغيب عبّاس عن الساحة السياسيّة الفلسطينيّة بطريقة توافقيّة، بعد انتهاء ولايته".
وطالب وزير شؤون اللاّجئين السّابق والنّائب في المجلس التشريعيّ عن "حماس" عاطف عدوان في تصريح مكتوب في 7/11، بأن يقدّم رامي الحمد الله رئيس الحكومة استقالته فورًا، لأنّه عاجز عن تحقيق أهداف الفلسطينيّين، ويبقي عمله في خدمة عبّاس، الذي يفرّق بين أبناء شعبه، بين ضفاوي له كلّ الحقوق، وغزواي يحرم من كلّ شيء.
ودفعت هذه التطوّرات بكتلة "فتح" البرلمانيّة في 17/11 إلى إصدار بيان تعقيبيّ قالت فيه إنّ أعضاء "حماس" في المجلس التشريعيّ جزء من حال الانقسام، ويعملون على إطالة أمده، ضاربين بعرض الحائط مسؤوليّاتهم وواجباتهم كنوّاب، متّهمة "حماس" بالاستمرار في ممارساتها الانقساميّة ووضع العراقيل أمام الحكومة، لأنّها لا تريد إنهاء الانقسام، بل إدارته حتى إشعار آخر.
وأخيراً، من الواضح أنّ قيادة "حماس" السياسيّة تدخّلت في الّلحظات الأخيرة لنزع فتيل مواجهة سياسيّة كادت تعصف في الواقع الفلسطينيّ، وكانت كفيلة بجعل المصالحة الهشّة خلف ظهورنا، من دون توافر ضمانات بأن ينجح تدخلها في مرّات مقبلة، لو بقي التأزّم سيّد الموقف في غزّة.