القاهرة – في الوقت الذي ظهرت فيه بوضوح خطوات عمليّة على صعيد الانفراج في العلاقات المصريّة – القطريّة، وأهمّها اللّقاء الوديّ الذي جمع أمير قطر بالرّئيس السيسي على مأدبة غداء الأمم المتّحدة، وما أعقبه من تصريحات للسيسي حول الانفراج في العلاقات مع قطر ومبادرات عربيّة لتحقيق التّصالح.
وإضافة إلى اتّصال هاتفيّ تبادلا فيه التّهاني بعيد الأضحى الماضي، يقف الإعلام المصريّ والقطريّ حائلاً دون نجاح هذا التّصالح. ففي الوقت الذي ما زالت فيه قناة "الجزيرة" تشنّ حرباً ضدّ النّظام المصريّ لصالح جماعة الإخوان المسلمين، فإنّ الإعلام المصريّ رغم تحذيرات الرّئيس المصريّ عبد الفتّاح السيسي للإعلاميّين المصريّين في لقاء معهم، من التّطاول على سيّدات الخليج قاصداً والدة أمير قطر، وهدوء هذه الموجة لفترة، وبعد أن كانت ظاهرة ببرامج مصريّة تتجاوز الحدود، إلاّ أّنّ عدداً من الإعلاميّين المصريّين ما زالوا يصرّون على التهجّم على الشيخة موزة، معتبرين أنّ هذا أبلغ ردّ على استمرار إساءة أمير قطر لمصر بوصفه ما حدث من ثورة شعبيّة في 30 يونيو بانقلاب عسكريّ.
ويشمل الهجوم على الشيخة موزة في بعض وسائل الاعلام المصرية التهكم والسخرية والدعاء عليها بشكل فكاهي ، كما يتم التطرق لحياتها الشخصية وسرد قصص متنوعة تسيء لها ، و فإن أحد الاعلاميين يدعو عليها بأن تصاب بالمرض ويتساقط شعرها .
وكان عدد من الإعلاميّين المصريّين الذين التقوا الرّئيس المصريّ عبد الفتّاح السيسي في اجتماع خاصّ، على هامش انعقاد الجمعيّة العامة للأمم المتّحدة، قد أكّدوا أنّ الرّئيس السيسي طالبهم بعدم الإساءة إلى الشيخة موزة، بعد أن أفصح لهم عن حديث جانبيّ مع أمير قطر على مأدبة غداء الأمم المتّحدة.
ووفقا لما قاله الإعلاميّ عماد الدّين حسين، وهو رئيس تحرير جريدة "الشروق"، وكان أحد الإعلاميّين الذين استمعوا إلى حديث الرّئيس السيسي، فإنّ الرّئيس المصريّ توجّه باعتذار إلى الشيخة موزة عمّا بدر في حقّها من إساءات في الإعلام المصريّ، وقال حسين: "ما حدث في اللقاء هو أنّ حاكم قطر أتى إلى الرّئيس السيسي، وقال له نريد أن تعود مصر قوية، فبادره السيسي بأن طلب منه ابلاغ والدته -قاصدا الشيخة موزة- بإعتذار منه على كل ما طالها من انتقادات في الاعلام المصري .... وأضاف حسين ناقلا عن حديث السيسي" انه بعد دقائق عاد "تميم" الى السيسي ليؤكد له اتصاله بوالدته وابلاغ الرسالة، وحيث قال امير قطر للرئيس المصري : "اتصلت وبلّغت الرسالة".
إنّ وصية الرّئيس المصريّ للإعلاميّين المصريّين عقب لقائه أمير قطر، كانت بدافع أخلاقيّ من الدّرجة الأولى، بعيداً من مسار إصلاح العلاقات المصريّة – القطريّة، وذلك وفقاً لما أكّده الكاتب الصحافيّ خالد صلاح، وهو رئيس تحرير صحيفة "اليوم السابع"، إذ أشار إلى أنّ الرّئيس أوصى الإعلاميّين بملف قطر، وهذه كانت وصيّة أخلاقيّة، قائلاً: لا داعٍ لأن يخوض الإعلام فى أعراض أحد، فهي مسألة مزعجة بالنّسبة إليه.
إنّ ظاهرة تدخّل الإعلام سواء أكان في مصر أم قطر أم بقيّة الدول العربيّة في تأدية أدوار إيجابيّة وسلبيّة في شأن العلاقات الدبلوماسيّة داخل الوطن العربيّ نشأت منذ الخمسينيّات، وذلك بحسب ما أكّده الدكتور فاروق أبوزيد، وهو أستاذ الإعلام وعميد كليّة الإعلام الأسبق في جامعة القاهرة، الذي قال في حديث إلى "المونيتور": إنّ الإعلام ظلّ الأداة في النزاع العربيّ – العربيّّ، وهذا في رأيي ليست بظاهرة سلبيّة، وإنّما إيجابيّة". وأوضح أنّ ذلك أغنى الدول العربيّة عن تحويل صراعاتها السياسيّة التي اشتدّت وتيرتها في فترات كثيرة، إلى صراعات مسلّحة مثل دول غرب أوروبا وشرق آسيا.
وقال: "لقد تحوّلت الصراعات السياسيّة العربيّة - العربيّة إلى تراشق بين الصحف والإذاعات منذ الستينيّات، وكانت مقرّ هذه الصحف لبنان. ومع تطوّر آليّات الإعلام بدأت الترسانة الإعلاميّة، وخصوصاً القنوات الفضائيّة بتأدية الأدوار ذاتها في الصراعات العربيّة – العربيّة، وهذا ما يظهر بوضوح في أزمة العلاقات المصريّة - القطريّة".
وفي ما يتعلّق بمخالفة الإعلاميّين المصريّين لمطالبة الرّئيس السيسي لهم بالكفّ عن الإساءة لسيّدات الخليج، "قاصداً الشيخة موزة"، عقب أبو زيد أنّه في غض النّظر عن تلك التّفاصيل، فإنّ الإعلام المصريّ حرّ لا يمكن فرض وصاية لما يتناوله. كما أنّ الطرف الآخر ممثلاُ في قناة "الجزيرة" لا يكفّ عن إساءاته المتكرّرة والانتقاميّة، فهل ينتظر أن يقف الإعلام المصريّ صامتاً؟".
وسأل أبوزيد: "هل ينتظر أن يقف الإعلام المصريّ صامتاً وعاجزاً عن الردّ أمام الإساءات المتكرّرة من الرّئيس التركيّ، والتي تصل إلى كلّ مناسبة دوليّة؟".
وعن إمكانيّة نجاح الوساطات العربيّة الحاليّة في مهمّة إصلاح العلاقات المصريّة – القطريّة، تحدّث الدكتور وحيد عبد المجيد، وهو الخبير السياسيّ ومستشار "مركز الأهرام للدراسات السياسيّة والاستراتيجيّة" لـ"المونيتور"، فأكّد أنّه لا يرى إمكانيّة لنجاح هذه الوساطات الديبلوماسيّة، وقال: إنّ نجاح وساطات ديبلوماسيّة كهذه يعتمد على عاملين: الأوّل هو الواقع الموضوعيّ، والثاني مهارات الوسطاء، بينما هناك غياب للعامل الأوّل في الأزمة المصريّة – القطريّة، بما يصعّب الأمر على الوسطاء".
وأوضح عبد المجيد أنّه لا يوجد الاستعداد الكافي للتّصالح لدى الطرفين. كما أنّ مصالح السلطة بالدولتين لا تسمح بالاستجابة إلى هذا التّصالح، خصوصاً مع وجود مصالح قطريّة مع النظام الإخواني، وكذلك فإنّ مستوى الثقة المتبادلة ضعيف ووصل إلى معدّل الصفر إلى 5 في المائة، وقال: "حتّى لقاء الرئيسين في نيويورك كان عابراً في مناسبة دوليّة، وتبادل التحيّة بينهما لا يحمل أيّ دلالات".
وفي ما يتعلّق بالدور الذي يؤدّيه الإعلام في البلدين في عدم تهيئة أجواء التّصالح، قال: "إنّ الإعلام جزء من السلطة"، بينما أعتبر أنّ مخالفة الإعلاميّين المصريّين لمطالبة الرّئيس لهم بالكفّ عن الإساءة لقطر ذلك لا يعني أن الاعلام المصري حر ذلك لا يعني أن الاعلام المصري حر .
أضاف: "إذا كان هناك تصريح يقال في لحظة ما لإظهار مدى انفتاح السياسة المصريّة ويظهر عكسه، فهذا لا يعني أنّ الإعلام المصريّ حرّ، إذ أنّ الاعلام المصريّ الخاصّ والعام موجّه، وهو يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالسلطة، الّتي تصنع المشهد الإعلاميّ بكلّ تفاصيله".