القاهرة – أصدر الرّئيس المصريّ عبد الفتّاح السيسي في 27 أكتوبر 2014 قانون تأمين المنشآت العامّة وحمايتها. وينصّ هذا القانون على مشاركة القوّات المسلّحة الشرطة في حماية المنشآت العامّة، وإحالة المتّهمين بالاعتداء عليها على النيابة العسكريّة، تمهيداً لعرضهم على القضاء العسكريّ. ويسري هذا القرار لمدّة عامين من تاريخ صدور القانون.
ويذكر أنّ شهري سبتمبر وأكتوبر 2014 كانا أكثر الأشهر التي شهدت وقائع اعتداء متتالية على المنشآت العامّة، ومنها حادثا انفجاري عبوتين ناسفتين في جوار وزارة الخارجيّة وفي وسط القاهرة على بعد أمتار من إحدى محطّات المترو، وانفجار آخر في محيط جامعة القاهرة، إلاّ أن قانون حماية المنشآت العامّة صدر مباشرة بعد تفجيرات الشيخ زويد، التي سقطت فيها عشرات الضحايا من القوّات المسلّحة في 24 أكتوبر 2014.
لقد أثار قانون حماية المنشآت العامّة والحيويّة جدلاً واسعاً حول دستوريّته وجدواه وما يحمله من دلائل على عجز الشرطة والقضاء في السيطرة على الإرهاب، بعد حوالى عام ونصف عام من ثورة 30 يونيو 2013.
ضعف إمكانات القضاء والشرطة
وفي هذا السياق، قال الخبير الأمنيّ اللّواء خالد عكاشة لـ"المونيتور": إنّ صدور قانون تأمين المنشآت العامّة جاء بسبب تطوّر الأوضاع في مصر، من مجرّد عمليّات إرهابيّة يمكن للشرطة وحدها أن تتولّى حماية المنشآت فيها والقبض على مدبّري الانفجارات إلى حرب حقيقيّة بين الدولة والإرهاب.
وأشار إلى أنّ الدخول في الحروب والدفاع عن الأمن القوميّ من مسؤوليّة القوّات المسلّحة أوّلاً، ولا يمكن للشرطة أن تتحمّلهما وحدها.
وأيّده في الرّأي الخبير القانونيّ الدّكتور محمود كبيش الذي أشار لـ"المونيتور" إلى أنّ القانون أيضاً يأتي بسبب ضعف إمكانات القضاء المدنيّ، وقال: "كلّ دائرة قضائيّة حاليّاً تنظر في المئات من قضايا الإرهاب التي تحتاج إلى سرعة البتّ فيها، والتي قد لا يبتّ في بعضها لسنوات بسبب قلّة عدد القضاة بالنّسبة إلى القضايا".
من جهته، قال النّاشط الحقوقيّ ورئيس المنظّمة العربيّة للإصلاح الجنائيّ محمد زارع لـ"المونيتور": إنّ القضاء المصريّ المدنيّ كافٍ لردع الإرهابيّين وتأديبهم من دون اللجوء إلى القضاء العسكريّ، والبديل هو زيادة عدد القضاة، لا إحالة بعض القضايا على القضاء العسكريّ.
ووصف تلك الخطوة بالانتقاص من اختصاصات القضاء والتعدّي عليها.
جدل دستوريّ
تنصّ المادة 204 من دستور مصر الحاليّ على أنّ القضاء العسكريّ يختصّ بالفصل فى كلّ الجرائم المتعلّقة بالقوّات المسلّحة، ولا يجوز محاكمة مدنيّ أمام القضاء العسكريّ، إلاّ في الجرائم التى تمثّل اعتداء مباشراً على المنشآت العسكريّة أو "ما فى حكمها".
وإنّ عبارة "ما في حكمها" تثير جدلاً دستوريّاً حول قانون تأمين المنشآت العامّة ومحاكمة المعتدين عليها عسكريّاً، إذ قال محمود كبيش أنّ تولّي القوّات المسلّحة مسؤوليّة تأمين المنشآت العامّة يجعلها في حكم المنشآت العسكريّة وتعتبر محاكمة المعتدين عليها عسكريّاً دستوريّة.
ورأى محمّد زارع أنّ القانون غير دستوريّ لأنّ عبارة "ما في حكمها" لا يمكن أن يتمّ تفسيرها على أنّها المرافق العامّة أو المواصلات أو المصالح الحكوميّة التي يتعامل معها ملايين المواطنين يوميّاً لأنّها بطبيعتها تختلف عن المنشآت العسكريّة التي لا يتعامل مع أغلبها أحد غير رجال القوّات المسلّحة.
التوسّع في تطبيق القانون
وأشار زارع إلى أنّ "هناك مخاوف من التوسّع في تطبيق القانون، إذا تمّ اعتبار المنشآت العامّة أنّها في حكم المنشآت العسكريّة، إذ أنّ أيّ مشاجرة بين طالبين في الجامعة أو إثنين من ركّاب المواصلات العامّة تتسبّب في أيّ تلف للمكان، يمكن اعتبارها جريمة يحال مرتكبوها على القضاء العسكريّ".
من جهته، قال كبيش: "لا أساس للمخاوف لأنّ تطبيق أيّ قانون ينطلق من أسباب صدوره، وتتمثّل أسباب صدور هذا القانون في محاربة الإرهاب وتحقيق محاكمات ناجزة. ولذلك، لن يتمّ التوسّع في تطبيق القانون على النحو الذي يخشاه البعض. إنّ المخاوف من القضاء العسكريّ في حدّ ذاته لا أساس لها لأنّه ملتزم وفقاً للدستور حاليّاً بقانوني الإجراءات الجنائيّة والعقوبات اللذين يطبّقهما القضاء المدنيّ. وينصّ الدّستور أيضاً على استقلال القضاة العسكريّين حتّى عن وزير الدفاع، شأنهم شأن القضاة المدنيّين وتوجد محكمة عليا للطعون العسكريّة، ويسمح فيها بنقض الأحكام العسكريّة وإعادة المحاكمات. كما يحدث في محكمة النقض المدنيّة".
ماذا حقّقت المحاكمات العسكريّة؟
رغم إقرار قانون محاكمة المعتدين على المنشآت العامّة عسكريّاً إلاّ أنّ تأثيره لم يظهر بعد، إذ أنّه لم تقدّم إلى المحاكمة إلاّ أعداد محدودة حتّى الآن، ويشرح خالد عكاشة ذلك قائلاً: "إنّ أغلب جرائم الاعتداء على المنشآت العامّة تتمّ عن طريق زراعة العبوات النّاسفة، ثمّ الهرب. ولم يتمّ الكشف عن مرتكبي معظم تلك الحوادث حتّى الآن".
أضاف: "لا يمكن قياس مدى جدوى الاعتماد على القضاء العسكريّ في ردع المعتدين على المنشآت العامّة، إذ أنّه لم يتمّ الانتهاء من محاكمة أيّ شخص حتّى الآن".
فيما دانت 15 منظّمة حقوقيّة القانون الذي أصدره السيسي وطالبته بالتّراجع عنه، وذلك يمكن أن يفسّر في ضوء الانطباع السلبيّ السّائد بين الحقوقيّين عن المحاكمات العسكريّة منذ عهد رئاسة المجلس الأعلى للقوّات المسلّحة لشؤون مصر في عامي 2011 و2012.
ويمكن القول إنّه لا توجد حقائق مؤكّدة حول جدوى قانون حماية المنشآت العامّة أو آثاره السلبيّة حتّى الآن، إلاّ أنّ ما يمكن قوله هو إنّه يخصم من اختصاصات القضاء المدنيّ، الذي أصبح محاصراً بآلاف من قضايا الإرهاب. كما يمكن القول إنّه يخصم من اختصاصات الشرطة أيضاً.
وما سبق يعني أنّ القوّات المسلّحة أمام تحدّي تأمين المنشآت العامّة من الهجمات الإرهابيّة ومحاكمة المعتدين عليها محاكمات عادلة وناجزة في الوقت ذاته، وتحقيق إنجازات على هذه المستويات أكثر ممّا حقّقته الشرطة وأجهزة القضاء خلال ما يقرب من عام ونصف عام من 30 يونيو 2013، وإلاّ يصبح القانون الجديد بلا قيمة، إلاّ إثارة بعض المعارضين المتخوّفين من التوسّع في تطبيقه.