أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي، قانوناً يتيح لرئيس الجمهوريّة تسليم المتّهمين والمحكوم عليهم من غير المصريّين إلى دولهم، بناء على مذكّرة من النائب العام، وبعد موافقة مجلس الوزراء، حيث تتمّ هذه الإجراءات "متى اقتضت مصلحة الدولة العليا ذلك"، وفقا لنصّ القانون.
دستوريّة القانون
اختلف القانونيّون حول دستوريّة القانون، حيث قال الخبير القانونيّ محمّد نور فرحات في تدوينة له على حسابه على موقع "فايس بوك"، إنّ قانون العقوبات إقليميّ يطبّق على كلّ ما يقع على إقليم الدولة من جرائم أيّاً كان مرتكبوها (مصريّون أو أجانب)، وهو أمر يتعلّق بسيادة الدولة.
وتابع: "لا تبدأ سلطة رئيس الجمهوريّة بالنسبة إلى المجرمين دستوريّاً، إلّا بعد صدور حكم نهائيّ، وتتمثّل في حقّ العفو، أمّا قبل ذلك، فكلّ تدخّل منه يعدّ تدخّلاً في عمل القضاء ومجرّم دستوريّاً (م ١٨٤ من دستور ٢٠١٤).
وأضاف فرحات: "ففي الغالب، ستطلق الدول الأجنبيّة سراح مواطنيها الذين يسلّمون إليها في غياب اتّفاقية دوليّة تلزم الدول الأجنبيّة بمحاكمة مواطنيها المفرج عنهم أو بتنفيذ العقوبة الصادرة من المحاكم المصريّة".
وقال الخبير القانونيّ الدكتور محمود كبيش لـ"المونيتور" إنّ القانون لا يخالف الدستور، حيث أنّ القانون لا يتحدّث عن العفو عن الأجانب المتّهمين، أو الذين صدرت ضدّهم أحكام لارتكابهم جرائم في مصر، وإنّما يتحدّث عن المتّهمين أو من صدرت ضدّهم أحكام لارتكابهم جرائم في بلادهم، ثمّ هربوا ويتواجدون حاليّاً في مصر، واصفاً القانون بأنّه آليّة طبيعيّة لتنفيذ اتّفاقيّات تسليم المجرمين وتسلّهم.
ويؤكّد تضارب مفاهيم الخبراء عن القانون، غموضه، فهو يحتاج إلى إيضاح من رئاسة الجمهوريّة لماهيّة من سيطبق عليهم القانون: هل هم الأجانب الذين ارتكبوا جرائم في مصر، أم الأجانب الذين ارتكبوا جرائم في بلادهم ثمّ هربوا إلى مصر؟
القضاء المصريّ
وصف محمّد نور فرحات القانون الجديد بأنّه تدخّل من رئيس الجمهوريّة في أعمال القضاء. ويتّفق معه في الرأي الخبير السياسيّ رفعت السيّد أحمد الذي قال لـ"المونيتور" إنّ القانون يخصم من اختصاصات القضاء، لأنّ السماح لمتّهم أو محكوم عليه بالمغادرة هو شأن قضائيّ، وأنّه لا يفضّل صدور هذا النوع من القوانين التي توسّع صلاحيّات الرئيس. إلّا أنّه تابع قائلاً: "على الرغم من عدم تفضيلي صدور هذا القانون، إلّا أنّني أتفهّم ما أدّى بالرئيس إلى إصداره، وهو الأزمات التي شهدتها مصر بعد 30 حزيران/يونيو، بمحاكمة بعض حاملي الجنسيّات الأجنبيّة مثل صحافيّي الجزيرة، وسبّبت الأزمات إحراجاً للسلطات المصريّة مع عدد من الدول".
أمنيّاً ودبلوماسيّاً
قال الخبير الأمنيّ اللواء خالد عكاشة لـ"المونيتور" إنّ القانون لا يؤثّر سلباً على الأمن القوميّ، ولن يسمح لأيّ شخص أجنبيّ بارتكاب جريمة على الأراضي المصريّة والإفلات من العقاب، ويفسّر ذلك قائلاً: "يسمح القانون للرئيس بترحيل المتّهمين الأجانب لكنّ لا يجبره على ذلك، أي أنّ الأمر تقديريّ له وفقاً للمصلحة العليا للبلاد".
وتابع: "يحقّق القانون الجديد ميزات على المستوى الدبلوماسيّ، لأنّه يجنّب مصر الدخول في أزمات مع دول أجنبيّة، بسبب رعاياها المحكوم عليهم في مصر، ويتيح لمصر فرصة عقد الصفقات على استرداد بعض المصريّين المحكوم عليهم في الخارج، أو استرداد مجرمين مصريّين فرّوا من المعاقبة إلى دول أجنبيّة مقابل استرداد تلك الدول رعاياها المتّهمين أو المحكوم عليهم لارتكابهم جرائم في مصر".
المستفيدون من القانون
وقال كلّ من رفعت السيّد أحمد وخالد عكاشة إنّ أبرز المستفيدين من القانون الجديد هم بيتر جريستي (كنديّ) ومحمّد فهمي (مصريّ-كنديّ)، مراسلي قناة الجزيرة الإنجليزيّة، ويقضيان عقوبة الحبس في القضيّة المعروفة إعلاميّاً بـ"خليّة ماريوت"، ومحمّد سلطان (مصريّ-أميركيّ)، نجل القيادي في جماعة الإخوان المسلمين صلاح سلطان، والمحبوس على ذمّة القضيّة المعروفة إعلاميّاً بـ"غرفة عمليّات رابعة". ويذكر أنّ القانون لا يشمل كلّ من فهمي وسلطان إلّا في حال تنازلهما عن الجنسيّة المصريّة.
إلّا أنّه مع البحث، تبيّن أنّ هناك قضايا أخرى أثارت جدلاً، ويمكن أن يستفيد المتّهمون أو المدانون فيها من القانون الجديد، فمن بين من يمكن أن يشملهم القانون أيضاً كلّ من الأميركيّ روبرت فريدريك والألمانيّة كريستين مارجريت، ويقضيان فترة العقوبة بعد إدانتهما بتلقّي تمويل أجنبيّ غير قانوني في القضيّة التي عرفت إعلاميّاً بقضيّة "التمويل الأجنبيّ للمنظّمات الأهليّة" عام 2012.
كما قد يشمل القانون مهندس الاتّصالات الأردنيّ بشّار أبو زيد المتّهم بالتجسّس، والبرازيليّ السون ريكاردو والإيطاليّ ساندرو دي سيلفا المتّهمين بممارسة الشذوذ في أحد الفنادق.
القانون خطوة احترازيّة
وقال رفعت السيّد أحمد إنّ القانون قد يكون خطوة احترازيّة لإجراءات قانونيّة متوقّعة ضدّ الأجانب المسؤولين عن المنظّمات الأهليّة الأجنبيّة التي لم توفّق أوضاعها وفقا للقانون رقم 84 لعام 2002 خلال المدّة التي أتاحتها السلطات المصريّة لها، والتي انتهت في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2014.
وتابع المحلّل السياسيّ: "قد يؤدّي القبض على هؤلاء وتوجيه بعض الاتّهامات إليهم إلى أزمة دبلوماسيّة بين مصر وبعض الدول، قد تستدعي ترحيلهم إلى بلادهم".
وأضاف: "سيوفّر القانون الجديد الغطاء القانونيّ لترحيلهم، خصوصاً وأنّ الأزمة التي حدثت مع منظّمات المجتمع المدنيّ عام 2012 (قضيّة التمويل الأجنبيّ للمنظّمات الأهليّة)، انتهت بتهريب عدد كبير من المتّهمين الأجانب، في شكل أثار العديد من الانتقادات ضدّ المجلس العسكريّ وحكومة الجنزوري آنذاك والقضاء المصريّ".
رموز نظامي مبارك ومرسي في الخارج
قال عكاشة إنّ القانون قد يسمح بعقد صفقات على تسليم رعايا بعض الدول المتّهمين في قضايا مصريّة إلى بلادهم، نظير استرداد بعض المتّهمين المصريّين من نظامي مبارك ومرسي أو بعض الذين ارتكبوا جرائم أضرّت بالأمن القوميّ المصريّ، وهربوا إلى بلاد أخرى.
والجدير بالذكر أنّ أغلب رموز نظامي مبارك ومرسي من المطلوبين قضائيّاً هربوا إلى بريطانيا، قطر، تركيا، الولايات المتّحدة الأميركيّة، والسودان، ولا تتوافر أيّ إحصاءات عن عدد رعايا تلك الدول المقبوض عليهم في مصر، على خلفيّة اتّهامات وتحقيقات أو أحكام قضائيّة صدرت بالفعل.