يعاني الآلاف من العائلات الإيزيدية وضعاً إنسانيّاً صعباً، بعدما تفرّقت في مراكز اللجوء، فيما المئات من الفتيات الإيزيديّات يواجهن مصيراً مجهولاً في ظلّ خطفهنّ على يدّ تنظيم "الدولة الإسلاميّة"، الذي خطف المئات من النساء والفتيات الإيزيديّات وقتل وشرّد إيزيديّين آخرين وسلب ممتلكاتهم وفجّر منازلهم، بعد أن سيطر على قضاء سنجار وسهل نينوى، إثر انسحاب قوّات البيشمركة منها.
وفي رسالة وجّهها رئيس الإقليم مسعود بارزاني إلى الرأي العام في كردستان، أكّد عزل المسؤولين الأمنيّين والعسكريّين والحزبيّين الذين كانت تقع على عاتقهم مهمّة حماية شنكال، وتمّ تشكيل لجنة تحقيق لتقصّي الحقائق. وهذه اللجنة هي من تقرّر بمعاقبة المسؤولين المقصّرين في حماية المواطنين والبيشمركة.
وأدّى سيطرة تنظيم "الدولة الإسلاميّة" (المعروف سابقاً باسم الدولة الإسلاميّة في العراق والشام أو داعش) على سنجار إلى هروب الآلاف من الإيزيديّين في اتّجاه سلسلة جبال سنجار، المنفذ الوحيد لنجاة الإيزيديّين من أيدي تنظيم "الدولة الإسلاميّة"، وكانت عائلة يوسف قرمو إحدى العائلات الإيزيديّة التي صعدت الجبل لتنفذ بجلدها من بطش التّنظيم المتشدّد.
وقال يوسف قرمو (50 عاماً) في حديث لـ"المونيتور": "هربنا في 3 أغسطس/آب صباحاً إلى الجبل، بعد أن حاصر مسلّحو تنظيم الدولة الإسلاميّة مجمّعنا، وهو مجمّع سيبا، وانسحبت قوّات البيشمركة منه. لذا، تركنا كلّ ما نملك من أموال ووثائق، وتوجّهنا نحو الجبل، قبل أن يدخل هذا التّنظيم".
تتألّف عائلة قرمو من خمسة أفراد. ولقد بقيت على مدى 9 أيّام في جبل سنجار، في ظلّ الجوع والعطش وحرارة الشمس الملتهبة ومشاهد موت المئات من الأطفال وكبار السنّ، فالكلّ ينتظر سماع صوت المروحيّة التي ترمي ما تحمل من موادّ وماء، وتعيد بعض من كتب لهم النّجاة، وينتظر الجميع قدومها مرّة أخرى.
أضاف قرموا: "إنّ الأيّام في الجبل كانت صعبة جدّاً. لقد نفذ ما كنّا نحمله من خبز وماء بعد أيّام قليلة. وتوفي الكثير من الأطفال من جرّاء العطش والجوع، وجفّ حليب الأمهات. كنّا نشرب من مياه العيون الملوّثة، واضطررنا في الأيام الأخيرة إلى تناول العشب. ولدى وصول المروحيّة كنّا نركض ونتشبّث بها، لكن من دون جدوى، إذ أنّها لا تقلّ إلاّ عدداً محدّداً. في المقابل، كنّا نرى من فوق الجبل بيوتنا ينهبها تنظيم الدولة الإسلاميّة ويهدّمها".
وطلب قرمو الذي تمّ إيواؤه حاليّاً في مخيّم شاريا التّابع لمحافظة دهوك، من حكومة الإقليم العمل على طرد تنظيم الدولة الإسلاميّة من مناطقهم ليعودوا إليها، وقال: "نرجو من حكومة الإقليم تحرير مناطقنا من تنظيم الدولة الإسلاميّة، نريد العودة، فظروف النزوح صعبة جدّاً. صحيح أنّهم هنا يقدّمون إلينا الطعام والماء، لكن هذه المساعدات قليلة، وهي لا تكفي العائلات الكبيرة".
من جهتها، اعتبرت منظّمة الأمم المتّحدة للطفولة "اليونسيف" ما حلّ بالإيزيديّين في العراق كارثة إنسانيّة كبيرة، وقال رئيس مكتب منظّمة "اليونسيف" في العراق مارزيو بابيلي للإعلام: إنّ الانتهاكات التي تتمّ بحقّ الأطفال والنساء والأقليّات في العراق, هي من أسوأ المشاهد في هذا القرن.
من جانبه، قال قائمقام قضاء سنجار (غرب الموصل) ميسر حجي صالح للمونيتور: "تعرّضنا لأبشع جريمة عبر تاريخ الإنسانيّة. إنّ تنظيم الدولة الإسلاميّة سبى نساءنا وقتل رجالنا. ولدينا معلومات أنّ المئات من الفتيات يتمّ بيعهنّ بأسعار زهيدة، فهناك أسواق في الموصل لبيعهنّ، والمشكلة أنّ عدداً من أبناء القرى في سنجار تعاونوا مع تنظيم الدولة الإسلاميّة على قتلنا ونهب بيوتنا، ونحن نعرفهم جميعاً من خلال ظهورهم في التّسجيلات التي ينشرها التّنظيم على الإنترنت، ونعرف من لهجاتهم إلى أيّ قبيلة ينتمون".
بدوره، استنكر النّاشط الإيزيديّ خضر دوملي صمت رجال الدّين المسلمين والحكومة العراقيّة على الإبادة الجماعيّة التي تعرّض لها الإيزيديّون على يدّ تنظيم "الدولة الإسلاميّة"، وقال دوملي لـ"المونيتور": "مصادر القرار والمؤسّسات المعنيّة لم تصدر منها غير بيانات مخجلة، وهذا ما يثير استياء وتساؤل الإزيدييّن عن عدم تحرّك المؤسّسات المعنيّة في العراق بالشكل المطلوب، وكذلك المراجع الدينيّة والأطراف السياسيّة، حتّى أنّهم لم يكلّفوا أنفسهم بإدانة بشاعة ما نعيشه".
وبيّن دوملي أنّ "هناك فرصة حتّى الآن لإنقاذ أعداد كبيرة من الإيزيديّين الذين هم في خطر، ونحن قريبون من سيطرة الحكومة العراقيّة في الموصل والقيارة وسنجار، وبإمكان الحكومة العراقيّة أن تنفّذ عمليّة عسكريّة لإنقاذهم".