مدينة غزة، قطاع غزة - سلّمت حركة حماس بعد حكم دام لسبع سنوات حكومتها في غزة إلى حكومة التوافق الوطني برئاسة رامي الحمد الله وفقاً لاتفاق المصالحة الموقع مع خصمها السياسي حركة فتح، دون تنازل فعلي عن السيطرة الميدانية والأمنية على قطاع غزة.
وأظهرت أزمة إغلاق البنوك في قطاع غزة لعدة أيام من قبل الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة حماس السابقة ومنع الموظفين وعامة الفلسطينيين من إجراء أي معاملات مالية، مدى قوة الأجهزة الأمنية وقدرتها على فرض سيطرتها على الوضع الميداني في القطاع الساحلي.
وتستمر الأجهزة الامنية فرض سيطرتها على المعابر الحدودية مثل معبر رفح البري شبه المغلق الذي يصل القطاع بمصر، وكذلك معبر إيرز الذي يفصل القطاع عن إسرائيل والضفة الغربية، مما يضطر المسافرين والزائرين التسجيل مرتين عند وصولهم للجانب الفلسطيني في مكتب الإرتباط الفلسطيني التابع للسلطة الفلسطينية وحاجز الامن التابع لحكومة حماس السابقة، بالإضافة إلى سيطرتها على معبر كرم أبو سالم التجاري.
واعتقل جهاز الامن الداخلي في غزة القيادي في حركة فتح عرفات أبو شباب أثناء عودته من مصر عبر معبر رفح البري (3حزيران/يونيو) عقب حلف حكومة الحمد الله اليمين الدستوري أمام الرئيس عباس في رام الله.
وأوضح مصدر قيادي في حركة حماس أن الحركة لن تتخلى عن سيطرتها على القطاع بهذه السهولة والسرعة وأن قوتها ستبقى قائمة برغم تشكيل حكومة التوافق الوطني وتسليم الوزارات الرسمية.
وقال المصدر لـ"المونيتور" بشرط عدم الافصاح عن هويته "حماس غير مستعدة لتعريض مشروعها السياسي للخطر وتسليم قوتها التي بنتها على مدار سبع سنوات بمجرد التوافق على حكومة لا نعلم مدى قدرتها على الصمود".
وينص اتفاق القاهرة للمصالحة الفلسطينية وما تلاه من اتفاقات بين الحركتين على إبقاء الاجهزة الأمنية في قطاع غزة على حالها دون تغيير إلا بعد اجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، والسماح فقط لـ 3000 عنصر من شرطة المرور والدفاع المدني بالعودة، وهو ما يسمح لحماس بإبقاء قدراتها الأمنية في فرض ما تريد أمنياً على الأرض وعدم السماح للاجهزة الأمنية التابعة للسلطة بتقويضها.
وأشار نهاد الشيخ خليل المحاضر في الجامعة الإسلامية إلى أن هناك تردد حكومة الوحدة الفلسطينية برئاسة الحمد لله في استلام زمام الأمور في قطاع غزة مما أدى إلى استمرار السيطرة للاجهزة الامنية على مجريات الامور في قطاع غزة.
وقال في حديثه لـ"المونيتور" "حماس ستستمر في وجودها في غزة وخروجها من الحكم لا يعني انتهاء وجودها في قطاع غزة، فهي تملك الأجهزة الامنية وفقاً لاتفاق القاهرة وكذلك ما زالت تملك الاغلبية في المجلس التشريعي ما يمكنها تعطيل أي شيئ في الحكومة".
وكان رئيس الحكومة رامي الحمد الله قال في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أنه لا يملك السيطرة على الأرض في قطاع غزة، وأن إعادة الوحدة بين الضفة الغربية وقطاع غزة قد تحتاج إلى سنوات.
ولدى حماس جناح عسكري قوي يعتقد انه أكثر تسليحاً وتدريباً من القوى الأمنية الفلسطينية التي كانت تابعة للسلطة الفلسطينية في قطاع غزة، واستطاع في عام 2007 هزيمتها واجبارها على الهروب من قطاع غزة.
وقال المصدر ذاته في حماس "كتائب القسام هو الرصيد الأساسي الذي تعتمد عليه حماس في بسط سيطرتها وهو الحاكم الفعلي للامن في قطاع غزة ولن يستطيع أي اتفاق سياسي القضاء على هذه القوة التي تعتبر السبب الرئيس لشعبية حماس اليوم".
وأضاف "اضطرت حماس لتسليم الحكومة في قطاع غزة بعد الحصار المطبق الذي فرض عليها، ولم تصبح مسئولة أمام المواطن الفلسطيني لتوفير لقمة العيش ولا في فتح المعابر أو ادخال المواد الاساسية، ولكن نحن سيطرتنا ما زالت قائمة دون حكم".
وأفاد شهود عيان لـ"المونيتور" أن قوات من الشرطة منعت مؤخراً أصحاب المقاهي المنتشرة على طول شاطئ البحر في قطاع غزة من تقديم الأرجيلة إلى النساء وفرضت رقابة ميدانية عليها دون وجود اي قانون يمنع ذلك.
وكان اسماعيل هنية نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ورئيس حكومة غزة السابقة قال قبيل تسليم الحكومة (27أيار/مايو) " إننا وإن خرجنا من الحكومة فنحن لم نخرج من الحكم، ولم نغادر مسؤولياتنا الوطنية، ولم نغادر مشاركتنا الحقيقية في صنع المستقبل، فهذا وطن الجميع والجميع يشارك في بنائه".
مصدر قيادي آخر في حماس أوضح أنه في حال سارت حكومة الوحدة بشكل طبيعي وأعادت الوحدة إلى المؤسسات الوزارية بشكل سلس واستطاعت أن توفر الدعم المالي من اجل تغطية فاتورة رواتب الموظفين فإن سيطرة حماس على القطاع ستتراجع تلقائياً.
وقال لـ"المونيتور" دون ذكر اسمه "حماس لا تريد أن تبقى الحاكم الفعلي للقطاع، ولكن لا نريد أن يعود التنسيق الامني وتعود أجهزة أمن السلطة الفلسطينية إلى التغول في المجتمع وتمارس الاعتقالات ضد عناصرنا كما هو الحال في الضفة الغربية".
وأضاف "أعباء قطاع غزة الإدارية والمالية تقع اليوم على الرئيس ابو مازن وهو لا يزال متردد في تحمل مسئولياته تجاه القطاع، لذلك هو الآن وحكومته دون سيطرة فعلية على الأرض".
حماس وهي تسلم الحكومة في غزة إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس لا زالت تريد أن تبقي سيطرتها على قطاع غزة وتجربة حزب الله في لبنان ماثلة أمامها، فهي لا ترغب في أن تكون المسيطر الفعلي والذي يملك سلطة اصدار القرارات ولكن من يملك القدرة على تعطيل اي قرار قد لا يكون في صالحها أو يتعارض مع سياستها وفلسفتها.