أُعلن، في الخامس والعشرين من شهر مايو المنصرم، عن مقتل شاب فلسطيني من قطاع غزة، خلال معركة في سوريا قاتل فيها لصالح "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، ليعيد الجدل مجدداً إلى وجود الجماعات السلفية في غزة، ومدى اتساع نشاطها، وأولوياتها في ممارسة القتال في إطار أيدلوجيتها العسكرية المتبعة.
ونشر منتدى "المنبر الإعلامي الجهادي" التابع لتنظيم داعش، بيان نعي الشاب وديع نافذ وشح من مدينة جباليا شمال قطاع غزة، وقال فيه: "من أرض الشام المباركة، وبكامل التسليم لقضاء الله، تزف إليكم سرية (الشيخ أبو النور المقدسي) الأخ المهاجر وديع نافذ وشح، أحد جنود الدولة الإسلامية في العراق والشام الذي استشهد في معركة الكرامة التي تدور رحاها على أرض الشام".
مراسلة "المونيتور" تحدثت إلى نافذ وشح والد الشاب وديع الذي يبلغ من العمر (21 عاماً) حول ظروف مقتل نجله، حيث أوضح أنه قُتل خلال معركة دارت بين "داعش" وقوات النظام السوري في بلدة دير الزور في سوريا.
وقال: "لقد غادر نجلي غزة قبل نحو 9 أشهر إلى مصر عبر أحد الانفاق الأرضية، وأخبرني برسالة خلوية أرسلها لي خلال وجوده في مصر أنه متوجه برفقه زملاء له للقتال في سوريا لصالح تنظيم داعش الذي ينتمي إليه منذ 3 سنوات".
وأوضح الوالد وشح، أنه كان يعلم بانتماء نجله إلى تنظيم داعش في غزة بناء على قناعاته الشخصية والفكرية بضرورة ممارسة الجهاد، ولكنه لم يكن يعلم أنه سيذهب إلى سوريا للقتال هناك كونه ذهب خفيةً ودون إخبار أحد.
ولفت النظر إلى أن دوافع نجله للسفر إلى سوريا، نشأت نتيجة ملاحقته من قبل عناصر الأمن في حكومة غزة بسبب إطلاقه القذائف الصاروخية على إسرائيل، مضيفاً: "لقد اعتقل جهاز الأمن الداخلي التابع لحماس نجلي أكثر من 6 مرات، وفي آخر مرة مورس بحقه تعذيباً قاسياً في سجونها، ما أخضعه لعلاج بدني استمر لشهرين".
ونوه الوالد وشح إلى أن نجله حاول سابقاً دخول مصر عبر الأنفاق الأرضية، ولكنه أُلقي القبض عليه داخل مدينة العريش، ليتم محاكمته وسجنه لمدة شهرين في السجون المصرية، ما أجبر والده على دفع 2000 دولاراً كفالة لإطلاق سراحه.
ولفت النظر إلى أن نجله كان يتواصل معه عبر "سكايب"، حيث كان يعرب عن ارتياحه من اقامته في مدينة حلب ضمن صفوف "داعش"، في ظل تطبيق الشريعة الإسلامية هناك.
وأكمل الوالد وشح: "لقد كان وديع يخبرني ببعض الأمور التي يفعلونها في سوريا، حيث قال لي في إحدى المرات إنه قتل عشرات المقاتلين الإيرانيين الذين يقاتلون إلى جانب النظام السوري"، مشيراً إلى أنه كان دائم الطلب من نجله بالعودة إلى البيت، ولكن الأخير كان مصراً على البقاء خشية من الاعتقال مجدداً في سجون غزة".
وبيّن أن الاتصالات بنجله انقطعت تماماً قبل نحو شهرين، حتى أخبره أحد المقربين هناك بأن نجله قُتل بنيران قناص يتبع النظام السوري.
من ناحيته، رفض المتحدث الرسمي باسم الحكومة في غزة، إيهاب الغصين، توجه بعض الشبان للسفر إلى سوريا بهدف "الجهاد"، وقال: "ليس من المنطق أن يسافر شبان من أرض الرباط (فلسطين) للقتال في أماكن أخرى، فوطننا بحاجة لشبابه لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، ومن يريد الجهاد والمقاومة، فهنا تكمن أرض الجهاد والمقاومة".
وبيّن الغصين خلال حديثه مع "المونيتور" أن حكومته لا تستطيع منع أي مواطن فلسطيني من السفر، أو التحقيق معه حول دوافع وأسباب سفره، ولكنها تحاول ضبط نشاط هؤلاء الأفراد.
ونفى الحديث عن تعرض بعض أولئك للتعذيب في سجونها، وقال: "يتم التعامل مع أولئك الشبان عبر هيئة التوجيه السياسي والمعنوي التابعة لوزارة الداخلية، التي تتبع أسلوب الاقناع خلال الحديث معهم حول أفكارهم".
أما القيادي في حركة حماس يحيى موسى، فقال إن سفر بعض الشبان من غزة إلى سوريا، "تعد أحداث فردية واستثنائية تتم بالخفاء"، مشدداً على أن ذلك "لا يعني أن غزة تشارك في هذه الحرب".
واستهجن موسى خلال حديثه مع "المونيتور" تفضيل بعض الشبان القتال خارج غزة عن القتال داخلها ضد إسرائيل، وقال: "إن معركة الشعب الفلسطيني في فلسطين، وضد العدو الإسرائيلي، لذلك نحن نعتبر أنه من الخطأ أن لا يرى أي شاب فلسطيني عدوه القريب ويذهب إلى معارك لا معنى لها وغير مفيدة للأمة العربية، ولا يمكن لأي حال من الأحوال أن تحقق أي إيجابية للقضية الفلسطينية"، مشدداً على موقف حركته بعدم التدخل في شئون الدول العربية.
المسئولان السابقان أكدا لـ"المونيتور" أن حماس (حكومةً وحزباً) لم تعترف بالمطلق بوجود تنظيمات سلفية في قطاع غزة بل تعتبرهم ثلة من الأفراد الذين يتلقون فكراً عبر "الانترنت"، ونفوا بذات الوقت أن تكون المصالحة قد احتوت على أي بنود تتعلق في أسلوب التعامل معهم من قبل الحكومة المقبلة.
وقال القيادي موسى: "ليس لدينا في غزة أي جماعات تحت هذا المسمى أو ما شابه، ونحن نتعامل مع كل فصائل الشعب الفلسطيني، وندعو دائماً إلى أن تنصب جهودها نحو دفع الاحتلال عن أرضنا".
ونفى عقد أي نقاشات من أجل وضع سياسات للتعامل مع هذه الجماعات في المرحلة المقبلة في إطار المصالحةى الفلسطينية، وقال: "إذا كنا لا نعترف بوجود أي من هذه الجماعات، فكيف سنناقش أسلوب التعامل معها؟! هذا أمر غير منطقي".
بالنسبة للغصين فإن حكومته لا تعترف بوجود مسمى "جماعات سلفية" في غزة، وقال: "ما هو موجود هم بعض الشبان الصغيرة في السن الذين تلقوا فكراً بطريقة غير مباشرة عبر الانترنت"، أما فيما يتعلق بالحديث الدائر حول وجود جماعات سلفية منظمة، "فهذا أمر غير موجود بالمطلق".
وأضاف: "الفصائل الفلسطينية التي تقاوم الاحتلال معروفة للعامة، وهي تنظيمات عسكرية تدير المعركة بمسئولية وطنية"، مشيراً إلى أن الأفراد الذين يعملون تحت مسمى "جماعات سلفية" كانوا منتمين إلى فصائل فلسطينية، وانشقوا عنها، واستغلوا بعض اسلحتها للعمل تحت هذا المسمى".
وأكد الناطق باسم حكومة غزة أنه خلال الحقبة الماضية كان هناك معضلات ومشاكل تحدث مع هؤلاء الأفراد الذين كانوا يحاولون تشكيل تنظيماً، كما حدث في حادثة مدينة رفح عام 2009، ولكنه شدد على أن الحكومة استطاعت تذويب هذه الأفكار ودحرها.
وشهدت مدينة رفح جنوب قطاع غزة في الرابع عشر من اغسطس 2009، اشتباكات دامية بين حركة حماس، وجماعة جند أنصار الله السلفية، عقب إعلان الأخيرة المدينة "إمارة إسلامية"، ما أدى إلى مقتل قائد الجماعة عبد اللطيف موسى وستة من اتباعه.
ومنذ ذلك الوقت، والعلاقة بين الطرفين تشهد توتراً وخلافاً مستمراً قائماً لم يحل.
بالنسبة إلى والد الشاب وشح، فإنه يؤكد من خلال مراقبته لحياة نجله خلال وجوده بغزة، أن السلفية الجهادية موجودة ميدانياً في قطاع غزة، وتحظى بقاعدة شعبية متزايدة، مؤكداً أن كافة المزاعم حول عدم وجود هذه الجماعات في غزة "هو حديث غير صحيح".
وبيّن أن تنظيم "داعش" في غزة، هو المتكفل في دفع التكاليف المالية لإقامة بيت عزاء نجله، مشيراً إلى أنهم قاموا بتعليق لوحة كبيرة على مدخل بيت العزاء كتب فيها (السلفية الجهادية في بيت المقدس).