يلتئم البرلمان اللبناني هذا الأربعاء في 23 نيسان/أبريل الجاري، في أولى جلساته لمحاولة انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة. غير أن القوى السياسيّة وكذلك الأطراف الخارجيّة كافة، تعرف وتُجمع على أن الجلسة المذكورة لن تؤدّي إلى ذلك الانتخاب.
فمن جهة النصّ، يوضح الدستور اللبناني أن أي جلسة برلمانيّة مخصّصة لانتخاب رئيس للجمهوريّة، يجب أن يحضرها ثلثا أعضاء المجلس النيابي، أي 86 نائباً على الأقلمن أصل 128. كذلك فإن نصاب الفوز لأي مرشّح للرئاسة، هو ثلثا أعضاء المجلس في دورة الاقتراع الأولى في أي جلسة، والأكثريّة المطلقة من أعضاء البرلمان في دورات الاقتراع اللاحقة. بمعنى أنه من أجل أن يُنتخب أي شخص رئيساً، عليه أن يحوز على 86 صوتاً على الأقل في دورة الاقتراع الأولى في أي جلسة، أو أن يحوز على 65 صوتاً على الأقل في أي دورة اقتراع تالية في الجلسة نفسها. أما إذا لم يحصل ذلك وتم رفع الجلسة وتعيين موعد لاحق لجلسة أخرى، فيطبّق النصّ نفسه. فتعتبر الجلسة التالية جلسة منفصلة عن الأولى، يقتضي للفوز فيها 86 صوتاً في دورة اقتراعها الأولى، و65 صوتاً في دورات اقتراعها التالية.
أما لجهة الموازين السياسيّة، فالثابت في لبنان اليوم أن أياً من فريقَي الصراع لا يملك وحده أكثريّة نيابيّة لا لتأمين الفوز في دورة اقتراع أولى ولا حتى في دورة ثانية. فما من فريق يملك وحده 65 نائباً في البرلمان. من هنا اطمئنان الجميع إلى أن جلسة الأربعاء في 23 نيسان/أبريل الجاري لن تخرج برئيس جديد. فهي نوع من جلسة "بروفا"، أو جسّ نبض، أو شوط أول من المباراة الرئاسيّة. لكن الجلسة نفسها تحمل في الوقت ذاته وظائف مهمّة. أولها أنها ستفرز القوى المختلفة بشكل واضح وتحدّد حجم كل واحدة منها. ففريق رئيس الحكومة السابق سعد الحريري يتّجه إلى تبنّي ترشيح أحد مكوناته، وهو سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانيّة، في هذه الجلسة. وهو ترشيح لافت وله نتائجه في داخل الفريق نفسه. ذلك أنه سيظهر مدى اتحاد كل مكونات هذا التحالف حول مرشّح واحد، وسيظهر أيضاً عدد الأصوات الفعليّة التي يمكن لهذا الفريق أن يؤمّنها لمرشّحه الخاص. لكن الأهم أن ترشيح جعجع سيقطع الطريق على أي توافق لاحق بين فريق الحريري والفريق الشيعي الخصم له، أو حتى بينه وبين فريق الجنرال ميشال عون. فالفريق الشيعي يواجه ترشيح جعجع برفض قاطع، ويضع فيتو صريحاً حيال ترشّحه ولو كان متأكداً من استحالة انتخابه رئيساً. وذلك لأسباب تتعلق بماضي جعجع، الذي يتهمه الفريق الشيعي بأنه كان متعاملاً مع إسرائيل في أثناء احتلالها للبنان، فضلاً عن أنه مدان من أعلى هيئة قضائيّة لبنانيّة بأربعة أحكام قضت بإعدامه في جرائم قتل أو محاولة قتل، حوكم فيها في أثناء حقبة وجود الجيش السوري في لبنان. وهي أحكام خُفّضت إلى عقوبة السجن المؤبد، قبل أن يخرج من سجنه بفضل قانون عفو أقرّه أول مجلس نيابي انتخب بعد جلاء الجيش السوري. كذلك فإن ترشيح جعجع قطع الطريق بشكل شبه نهائي على احتمال أي توافق بين الحريري وعون. ويأتي ذلك بعد أشهر من الحديث عن تقارب بين الطرفَين، خصوصاً بعد لقاء سرّي بعيد عن الإعلام كان قد عُقد بين الرجلين الخصمَين في باريس في 11 كانون الثاني/يناير الماضي. أما بعد تبنّي الحريري لترشيح جعجع، فقد بات واضحاً أن مسار التقارب بينه وبين عون بات محكوماً إما بالعودة إلى صراعهما السابق وإما بالاتفاق على مرشّح تسوية بينهما، على قاعدة لا جعجع ولا عون. وهو ما يرفضه عون كلياً. إلى ذلك فإن جلسة "البروفا" تلك ستظهر حجم الأصوات النيابيّة المستقلة والخارجة عن اصطفاف الفريقَين الرئيسيَّين، إذ سيظهر عدد النواب الذين يكَوّنون كتلة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وكذلك إمكان وجود أي نواب آخرين مستقلين.
هكذا يمكن القول إن جلسة البرلمان اللبناني هذا الأربعاء ستتّخذ بعدَين اثنَين: أولاً على صعيد انعقادها وثانياً على صعيد مؤشراتها السياسيّة. فمن جهة أولى يتوقّع أن تعقد الجلسة وأن يتأمّن نصابها الدستوري، أي بحضور أكثر من 86 نائباً. لكن الأكيد أن أي مرشّح لن يحوز 86 صوتاً في دورة الاقتراع الأولى. وبعدها تتعطل الجلسة فعلياً. فإما أن ينسحب عدد من النواب الحاضرين قبل بدء دورة الاقتراع الثانية بحيث تفقد الجلسة نصابها الدستوري وتتأجل إلى موعد لاحق، وإما أن تجرى دورة اقتراع أخرى من دون أن يحوز أي مرشّح فيها على 65 صوتاً. لكن على المستوى السياسي، سيكون المعنى الأبرز لعقد الجلسة أن فريقَي الصراع في لبنان قرّرا الذهاب في المواجهة إلى النهاية وأن احتمال الفراغ الرئاسي بعد نهاية ولاية الرئيس الحالي منتصف ليل 24 أيار/مايو المقبل بات الأرجح، وأن لا توافق بينهما في المدى المنظور ولا تسوية داخليّة ممكنة أصلاً. وهو الأمر الذي يقتضي تدخلاً خارجياً لتأمين معادلة إقليميّة دوليّة تفرض رئيساً جديداً، أقلّه بين الرياض وإيران وبرعاية واشنطن ومبادرتها. وهو ما يبدو أنه يحتاج إلى مزيد من الوقت، هذا إذا كان ممكناً.
جلسة الأربعاء، خلاصتها إذن: تأمين النصاب، وتحديد الأحجام، وافتراق قوى، ولا رئيس، وبداية أزمة رئاسيّة طويلة نسبياً، وانتظار المساعي الخارجيّة والمبادرة الأميركيّة خصوصاً.