يستمرّ النزال الدموي في لبنان، بين أطراف معلنة وأخرى مستترة. يوم السبت في الأوّل من شباط/فبراير الجاري، كانت محطتها الأخيرة. انفجار انتحاري في مدينة الهرمل في البقاع اللبناني. المدينة ذات الثقل السكاني الشيعي والرابضة على الزاوية الشماليّة الشرقيّة للجغرافيا اللبنانيّة، على الحدود مع سوريا المتفجّرة منذ ثلاث سنوات في حرب داخليّة وخارجيّة، غالباً ما وصلت شظاياها إلى لبنان.
معركة التفجيرات الإرهابيّة والانتحاريّة باتت تأخذ بشكل علني طابع الحرب بين التنظيمات الأصوليّة السنيّة التابعة لتنظيم "القاعدة" مثل "جبهة النصرة" و"الدولة الإسلاميّة في العراق والشام" (داعش) من جهة، وبين حزب الله الشيعي من جهة أخرى. غير أن الانعكاس العملي لتلك المعركة الدمويّة يتّخذ طابع جرائم حرب فاضحة. ذلك أنها تضرب مدنيّين أبرياء، عبر تفجيرات متتالية. يبقى أنه بين حرب "القاعدة" ضدّ حزب الله والمعركة السنيّة – الشيعيّة المفتوحة في معظم أنحاء العالم الإسلامي، لا يغفل المراقبون عن طابع آخر للمواجهة: المعركة السياسيّة بين السعوديّة وإيران دولتَي الصراع الأكثر شراسة الآن، من اليمن والبحرَين إلى العراق وسوريا ولبنان.
في الأرقام والإحصاءات، يمكن القول إن التفجير الذي نفّذه انتحاري ضدّ مدينة الهرمل يوم السبت الماضي، هو فعلياً الانفجار الثامن -والانتحاري فهو الخامس- الذي يستهدف المناطق الشيعيّة في لبنان، منذ انتقال الحرب السوريّة إلى الداخل اللبناني عبر التنظيمات السنيّة الأصوليّة التابعة لتنظيم "القاعدة". وبشكل سريع ومقتضب يمكن عرض تلك التفجيرات كالآتي:
- الثلاثاء 9 تموز/يوليو 2013، انفجار سيارة مفخّخة في منطقة بئر العبد في الضاحية الجنوبيّة لبيروت، أدّى إلى إصابة عدد من المواطنين بجراح.
- الخميس 15 آب/أغسطس 2013، انفجار سيارة مفخّخة في الرويس في الضاحية نفسها، أوقع 21 ضحيّة و336 جريحاً.
- الثلاثاء 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2013، انفجار انتحاري مزدوج يستهدف السفارة الإيرانيّة في بيروت، الكائنة في الضاحية الجنوبيّة أيضاً. وقد أوقع 20 ضحيّة و96 جريحاً. وهو كان الانفجار الانتحاري الأول في سلسلة التفجيرات، نفّذه الانتحاريان اللبناني معين أبو ضهر والفلسطيني عدنان موسى المحمد.
- الثلثاء 17 كانون الأول/ديسمبر 2013، انفجار سيارة مفخّخة تستهدف مركزاً لحزب الله في بلدة اللبوة في البقاع الشمالي، من دون الإعلان عن وقوع إصابات.
- الخميس 2 كانون الثاني/يناير 2014، انفجار انتحاري ثان نفّذه اللبناني قتيبة الصاطم بسيارة مفخّخة في منطقة حارة حريك في الضاحية الجنوبيّة لبيروت. وقد أوقع خمس ضحايا وعدداً من الجرحى.
- الخميس 16 كانون الثاني/يناير 2014، انفجار انتحاري ثالث في الهرمل، أوقع ثلاث ضحايا وأكثر من عشرين جريحاً.
- الثلثاء 21 كانون الثاني/يناير 2014، انفجار انتحاري رابع على بعد أمتار قليلة من مكان الانفجار السابق في حارة حريك أيضاً، أوقع أربع ضحايا و27 جريحاً.
- وصولاً إلى الانفجار الثامن والانتحاري الخامس في الهرمل يوم السبت 1 شباط/فبراير 2014، والذي أوقع أربع ضحايا وعدداً آخر من الجرحى لم يعرف بدقّة.
لكن في مقابل حرب الانفجارات، ثمّة معركة أخرى لا تقلّ شراسة تدور بين الأجهزة الأمنيّة اللبنانيّة الرسميّة من جهة وبين مسؤولي الشبكات الإرهابيّة ومنفّذي عملياتها. وهي معركة حقّقت في شكل متزامن مع سلسلة التفجيرات، سلسلة أخرى من الإنجازات ومن الضربات القاسية للإرهابيّين. وهو ما سنعرضه في مقال لاحق مفصّل.