مدينة غزة، قطاع غزة - شهدت الخلافات داخل حركة فتح الداخلية تصاعداً شديداً نتيجة الصراع الدائر بين تيارين رئيسيين يقودهما رئيس الحركة محمود عباس وخصمه القيادي المفصول محمد دحلان للسيطرة على ساحة العمل في قطاع غزة التي تسيطر عليها حركة حماس التي سمحت لوفود يتبعان للتياران بزيارة غزة خلال الآونة الأخيرة للتعامل مع ازماتهما الداخلية.
وشهدت وسائل الاعلام المحلية سيلاً من التصريحات الصحفية والمقالات للكل من التيارين داخل الحركة حول الخلافات الدائرة بينهما وصلت حد التهديدات والتخوين واتباع اجندات خارجية أو التعامل مع حماس.
وفد اللجنة المركزية لحركة فتح المكون من اربعة اشخاص يقيمون في الضفة الغربية زار القطاع برئاسة نبيل شعث في (7 شباط/فبراير) اعقبت زيارة قام بها وفد اخر محسوب على تيار دحلان برئاسة ماجد ابو شمالة في (21 كانون الثاني/يناير) اعتبرت على أنها محاولات محمومة من الجانبين للحصول على اكبر قدر ممكن من الدعم من اعضاء الحركة في القطاع.
وكرر رئيس الوفد شعث في اكثر من مقابلة صحفية كان اخرها لقائه عبر تلفزيون فلسطين الذي يبث من رام الله اتهامه دحلان بتدبير انقلاب داخل حركة فتح وزاد على ذلك قائلاً هذا "سلاح نتوقع استخدامه من إسرائيل كما استخدمته في السابق مع الرئيس الراحل ياسر عرفات".
وأوضحت مصادر في حركة فتح أن لقاء القيادي محمد دحلان مع وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة وهو ما سربته مواقع اخبارية محلية تابعة لحركة فتح اثار حفيظة قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله مما اشعل نار الخلافات بين الطرفين وبدأت تظهر على السطح.
وقال شعث في مقابلته التلفزيونية ذاتها "طلبت تفسيرا لزيارة دحلان للقاهرة مؤخرا ومقابلته وزير الدفاع المصري المشير عبد الفتاح السيسي، حيث رد السفير المصري لدى السلطة بقوله إن السيسي لم يستقبل دحلان بصفته فلسطيني ولكن بصفته ضمن وفد إماراتي".
إلا ان ذات المصادر التي رفضت الكشف عن هويتها قالت لـ "المونيتور" أن "زيارة دحلان كانت ضمن وفد اماراتي ولكن كان هناك لقاء منفصل مع القيادات المصرية وعلى رأسها المشير السيسي، ناقشا خلاله عدة ملفات متعلقة بقطاع غزة وعرضت القيادة المصرية مبادرة لتحقيق مصالحة داخلية في حركة فتح وهو ما وافق عليه دحلان إلا أن الرئيس عباس قابل الأمر بالرفض".
وكان جمال محيسن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح اكد في مقابلة مع صحيفة القدس العربي نشرت يوم الاثنين (17 شباط) بان حركته ترفض اية جهود عربية لاعادة القيادي المفصول منها محمد دحلان لصفوف الحركة، متمنيا على الدول العربية التي تحاول التدخل بالشأن الداخلي للحركة بالتوقف عن ذلك التدخل.
وقال "اي شخص سيعمل لصالح دحلان سيتم طرده من الحركة بعد التحقيق معه بشكل مفصل... هناك بعض الافراد من حركة فتح يعملون في قطاع غزة لصالح دحلان بينهم اعضاء في المجلس الثوري للحركة واعضاء بالمجلس التشريعي".
وتعمل اللجنة المركزية لحركة فتح على استخدام التهديدات بفصل أعضاء من الحركة ووقف رواتب الموظفين العموميين التي يتلقونها من السلطة الفلسطينية من اجل تحجيم شعبية دحلان في قطاع غزة وهو ما بدأ بالفعل وفقاً للمصادر التي تحدثت إلى "المونيتور".
واتهم اشرف جمعة القيادي الفتحاوي في غزة والمقرب من دحلان اللجنة المركزية باقصاء بعض القيادات من التشكيلات القيادية المختلفة.
وقال في حوار مع "المونيتور" "لا يوجد استراتيجية واضحة للجنة المركزية لحركة فتح، بالاضافة إلى حالة من التوهان والحيرة وعدم وضوح الرؤية لديهم، مما يجعلهم يخلقوا خلافات داخل حركة فتح".
وأعاد أبو مازن تشكيل ما يطلق عليه الهيئة القيادية العليا لقطاع غزة اكثر من مرة وتم استثناء منها كل من يعتقد أنه موالياً او داعماً لدحلان.
ورفضت نهى البحيصي عضو الهيئة في حديثها مع "المونيتور" الاتهامات التي يرددها أعضاء الحركة بأن الهيئة القيادية تعمل على مبدأ الإقصاء لكل من هو قريب من دحلان وأعوانه قائلة "نحن نعمل بشكل وحدوي ولا نحاول أن نقصي احداً ولكن تحت الاعتراف بشرعية رئيس الحركة ابو مازن، وضمن اللوائح والانظمة الداخلية للحركة".
وأضافت "كل من يروجون إلى الخلافات بهذه الطريقة في الاعلام هم من يسعون إلى شق صفوف الحركة، نحن نعمل من اجل استنهاض الحركة ككل في مواجهة كل الصعوبات التي تواجهنا بعد انقطاع عن العمل منذ سيطرة حماس على القطاع".
وترى بعض القيادات الموالية لدحلان أن سعي أعضاء اللجنة المركزية إلى انتقاد علني لمحمد دحلان في الآونة الأخيرة هو محاولة للتقرب من الرئيس عباس بعد تصاعد الأخبار عن مشاورات يجريها لتعيين نائباً له في رئاسة السلطة.
وقال سمير المشهراوي المقيم في مصر وهو أحد أبرز الشخصيات الموالية لدحلان في مقال نشره على صفحته على الفيس بوك بعنوان (عظمة الرئيس وكلاب لاهثون) " نبيل شعت، أضاع بوصلته السياسية فهاجم في مجالسه في غزة الدولة المصرية، فأعطى بيمينه لعباس ولاءً ومحبة غير معهودتين، بمنطق الهجوم على دحلان، لكنه باليسار ودون أن يدري أو يحسب، نجّر له خازوقاً في موضوع مصر وزاد بما يحرج عباس مع السعودية والإمارات وغيرهما. فالرجل، من أجل العظمة فقد صوابه ولم يعد يميّز. فقد أفقده اشتهاؤه للعظمة جادة الصواب".
ويبلغ عدد موظفي السلطة الفلسطينية الذين كانوا يعملوا في قطاع غزة قبل سيطرة حماس عليها ما يزيد عن 70 ألفاً معظمهم ينتمون إلى حركة فتح وهو ما يشكل نقطة قوة لدى تيار ابو مازن في مواجهة تيار دحلان في قدرته على التحكم في ضمان عدم عملهم علناً ضده خشية قطع رواتبهم.
وأشارت المصادر ذاتها لـ "المونيتور" أن وفد اللجنة المركزية الذي زار قطاع غزة وافق على حل بعض الاشكالات التي تواجه أعضاء التنظيم في غزة ومنها الموافقة على الاعتماد المالي للعلاوات للموظفين العسكرين والمدنيين بعد ان تم توقيفها أبان حكومة سلام فياض وتثبت توظيف عدد من الموظفين العسكرين ضمن ما اصطلح على تسميتهم تفريغات عام 2005.
حماس من جانبها تحاول جاهدة أن تنأى بنفسها عن ابداء أي تصريح حول الصراعات داخل حركة فتح فيما ترى قيادات فتحاوية أن حماس تعيش "شهر عسل" وهي ترى فتح تغرق في مشكلاتها الداخلية، كي لا تشكل ثقلاً اضافياً عليها في الصعوبات التي تواجهها نتيجة حصارها السياسي والمالي.