على الرغم من تأكيد موعدها وتحديد جدول أعمالها، ما زالت مصادر مطّلعة تتوقّع – أو تتمنّى – الإعلان في اللحظة الأخيرة عن تأجيل زيارة وزير الخارجيّة الإيرانيّة محمد جواد ظريف، إلى بيروت. الزيارة مقرّرة يوم الإثنين في 13 كانون الثاني/يناير الجاري. ومواعيدها الرسميّة مع المسؤولين اللبنانيّين باتت مؤكّدة. لكن مصادر مقرّبة من السفارة الإيرانيّة في بيروت، كشفت لموقعنا أن أكثر من إعادة نظر فيها وأكثر من علامة استفهام حول جدواها وتوقيتها، كانت قد طرحت من قبل الجهة الزائرة نفسها، كذلك من قبل القوى السياسيّة الصديقة لإيران على الساحة اللبنانيّة. وتشرح المصادر نفسها أن زيارة ظريف إلى لبنان كانت قد تحدّدت قبل أسابيع. لا بل تمّ الاتفاق عليها مبدئياً في النصف الثاني من شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، في ظلّ معطيات عدّة، من الضروري التذكير بها لفهم التبدّل الحاصل في أجواء الزيارة.
أولاً، كانت خطوة الزيارة يومها جزءاً من إعلان ظريف عن جولة يقوم بها على كلّ دول المنطقة. وكان التأكيد على زيارة بيروت طبيعياً في هذا الإطار، بحيث أن أي استبعاد للعاصمة اللبنانيّة قد يثير تساؤلات واستغراباً. كذلك فإن تخصيص بيروت بزيارة لوحدها، قد يثير انتقادات أكثر. ثانياً، كان المناخ الإقليمي يومها يعيش تردّدات الانفتاح الإيراني - الغربي. وهو الانفتاح الذي لم يلبث أن وصلت أصداؤه إلى العلاقات الإيرانيّة - الخليجيّة. ثالثاً، كانت طهران يومها تعتقد فعلاً أو أقلّه تأمل بأن أجواء الانفتاحَين الغربي والخليجي عليها لا بدّ أن تؤدّي إلى حلحلة في العلاقات بينها وبين الرياض. وهو ما كان ظريف نفسه قد ألمح إليه في حينه، بإشارته أكثر من مرّة إلى أنه يستعدّ لزيارة العاصمة السعوديّة.
في ظلّ هذا السياق، كانت القيادة الإيرانيّة الجديدة تتوقّع - أو تتمنّى - أن تأتي زيارة وزير خارجيّتها إلى بيروت في توقيت يمثّل تتويجاً لمسارات التسوية في العلاقات الإقليميّة التي تتصارع فوق المسرح اللبناني، أو حتى تتويجاً لمساعي الحلول التي كانت مطروحة لتلك العلاقات وكذلك لأزمات المسرح اللبناني نفسه. غير أن الأسابيع الفاصلة بين تحديد موعد الزيارة وبين أوانها، مرّت ثقيلة حافلة بالتطورات السلبيّة على أكثر من صعيد، خصوصاً على مستويَين اثنَين: أولاً تفاقم التدهور في العلاقة بين إيران والسعوديّة وثانياً دخول الأزمة اللبنانيّة في استحقاقات حكوميّة وقضائيّة وأمنيّة دقيقة وخطيرة. هكذا أزف موعد الزيارة في توقيت محرج جداً لأصحابها وكذلك لأصدقائهم من القوى السياسيّة اللبنانيّة، أقلّه في ملفات ثلاثة راهنة بحسب ما تشرح المصادر نفسها:
أولاً، لجهة مصادفة الزيارة مع مساعي تشكيل الحكومة اللبنانيّة الجديدة، وسط كلام عن تقدّم في تلك المساعي كذلك عن بقاء عقبات أخيرة ما زالت تحول دون الإعلان عن الاتفاق النهائي عليها. وفي هذا السياق، تشرح المصادر القريبة من الجهة الإيرانيّة أن الزائر سيكون بلا شكّ محرجاً لجهة توقيت زيارته لهذه الناحية. فإذا أُعلن تشكيل الحكومة بعد زيارته أو في شكل متزامن معها، سيسارع خصوم طهران وخصوم أصدقائها في لبنان، إلى القول إن ظريف مارس ضغوطاً على حزب الله وحلفائه للقبول بتشكيل الحكومة. وسيعتبرون أنه قام بذلك لمجرّد تسجيل نقاط لصالح سياسة بلاده ودبلوماسيّتها ومصالحها الدوليّة. وسيزعمون في كلّ حال أن ما حصل ليس غير دليل على ما يسمّونه تدخلاً إيرانياً في الشأن اللبناني. أما في المقابل، فإذا حصلت الزيارة ولم تتشكّل الحكومة الجديدة في بيروت، ستكون الجهات نفسها جاهزة لإطلاق الأحكام نفسها، لكن بصيغة أن ظريف مارس الضغوط نفسها لكن من أجل منع قيام حكومة جديدة!
ثانياً، لجهة مصادفة الزيارة مع انطلاق المحكمة الدوليّة الخاصة بلبنان، في جلستها العلنيّة الأولى المقرّرة يوم 16 كانون الثاني/يناير الجاري. علماً أن الحدث القضائي المذكور سيشهد سجالاً سياسياً حاداً في لبنان، خصوصاً في ظلّ معلومات عن مشاركة عدد من السياسيّين اللبنانيّين البارزين في جلسة الافتتاح تلك، وكذلك على خلفيّة اتهام خمسة أشخاص يُقال أنهم من حزب الله بالتورّط في الجرائم التي تنظر فيها تلك المحكمة الخاصة. بالتالي فإن جلسة يوم 16 الجاري ستفتح المبارزة الإعلاميّة عنيفة ما بين حزب الله وخصومه. فإذا ردّ حزب الله على الحملات التي ستطاله، سيتّهم بأن تصعيده جاء بناءً على إيعاز إيراني بعد زيارة ظريف إلى بيروت. وإذا التزم الصمت، اعتُبر صمته دليلاً على تعليمات إيرانيّة بالتهدئة، لحسابات خاصة بطهران!
يبقى ثالثاً، مصادفة الزيارة نفسها مع التحضيرات لانعقاد مؤتمر جنيف–2 حول الأزمة في سوريا، خصوصاً مع المساعي المتناقضة لدعوة إيران للمشاركة في هذا المؤتمر أو استبعادها عنه. فأياً كانت الحقائق والوقائع، سيلجأ الفريق اللبناني وكذلك الإقليمي المناوئ لطهران إلى القول بأن زيارة ظريف إلى بيروت هي جزء من الحملة الإيرانيّة للفوز ببطاقة دخول إلى جنيف-2. وذلك من زاوية تذكيرها المعنيّين بالمؤتمر وبالأزمة السوريّة بأن لطهران حضوراً أساسياً على هذا المستوى، يتجسّد من دمشق إلى بيروت...
لكلّ هذه الأسباب، ستظلّ الأوساط القريبة من الجهة الزائرة تتوقّع الإعلان عن تأجيل الزيارة، ولو في اللحظة الأخيرة. لكن في حال حصولها، تؤكّد الأوساط نفسها أنها ستكون مختصرة إلى أقصى الحدود: زيارة لمدّة يوم واحد مع لقاءات رسميّة تشمل رئيس الجمهوريّة ورئيسَي الحكومة والمجلس ووزير الخارجيّة. ويبقى على جدول الزيارة لقاء متوقّع لن يُعلن عنه مسبقاً، مع الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله. لقاء متوقّع، قد يشهد الكلام السياسي الجدّي الوحيد، في زيارة تقرّرت في ظرف شبه بروتوكولي، وقُدّر لها أن تتمّ في ظروف مختلفة تماماً.