يرى الباحث في شؤون الإرهاب في مركز الخليج للأبحاث مصطفى العاني، أن القاعدة وعلى الرغم من نجاحها في إعادة تنظيم صفوفها في العراق، تظلّ تفتقر إلى العمق الإستراتيجي في هذا البلد وإلى البيئة التي توفّر لها أسباب البقاء. لذلك، تسعى إلى تأسيس كيان هلامي في المناطق المنتشرة على جانبَي الحدود العراقيّة–السوريّة لكي تقاوم الضغط العسكري الذي قد يوجّه إليها من الجانب العراقي بإعادة الانتشار في الأراضي السوريّة، والعكس صحيح في حال وجود ضغط قوي من الجانب السوري. الأمر الذي يعني أن الدولة الإسلاميّة في العراق والشام (داعش) هي مشروع دولة يستفيد من فشل وهشاشة الدولة في العراق وسوريا.
تقوم إستراتيجيّة التنظيم على السيطرة التدريجيّة على مناطق الأطراف لا سيّما في محافظة الأنبار وشمال بابل وشمال ديالى وأجزاء من الموصل، والانطلاق من هناك نحو زعزعة سيطرة الحكومة المركزيّة على مراكز المدن ودفع قوات الجيش إلى تركيز جهودها على الدفاع عن تلك المراكز. بالنسبة إلى العاني، إن موجة الهجمات التي استهدفت بغداد كانت تهدف إلى إجبار القوات العراقيّة على التركيز على حماية العاصمة، من أجل تسهيل حركة التنظيم في المناطق الواقعة إلى الغرب باتجاه الحدود السوريّة. وفي الوقت نفسه، فإن استدراج الجيش العراقي إلى خوض معارك في الصحراء قد يؤدّي في المقابل إلى تعريض مراكز المدن إلى الانكشاف، ما يسهّل القيام بهجمات كبيرة فيها.
وما يمكن استنتاجه من ذلك، هو أن "داعش" نجحت حتى الآن بالموازنة ما بين نشاطات ميليشياتها القتاليّة المباشرة التي كثّفت من هجماتها على القوات المسلحة في ما يسمّى بحملة "حصاد الأجناد"، وبين الحفاظ على خلايا نائمة في بغداد ومراكز المدن تتولى تخفيف الضغط عن التنظيم عند الضرورة من خلال تفجير السيارات المفخّخة .
وفي حوار مع قناة العربيّة بتاريخ التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، قال وكيل وزير الداخليّة العراقي والرجل القوي في الوزارة عدنان الأسدي، إن الحكومة العراقيّة أحرزت مؤخراً انتصارات مهمّة في مواجهة تنظيم الدولة الإسلاميّة في العراق والشام، إذ تمّ اعتقال العديد من قيادات التنظيم وتفكيك معسكراتهم. مع ذلك، أشار الأسدي إلى أن الحرب مع داعش هي مواجهة صعبة، خصوصاً أن التنظيم ينتشر في مناطق صحراويّة شاسعة على جانبَي الحدود العراقيّة-السوريّة بحيث يصعب على أي جيش السيطرة عليها. ويبدو أن حرب الصحراء مع هذا التنظيم ستحتاج إلى الكثير من الوقت والموارد، وهي بأي حال لن تنتهي ما لم تتوقّف تأثيرات الصراع السوري الذي يعتبره الأسدي السبب الأوّل في انتعاش تنظيم القاعدة مجدداً في العراق.
واللافت أن الأسدي أقرّ في الحوار التلفزيوني أن التنظيم نجح في اختراق صفوف القوات المسلحة العراقيّة، وقد اعتبر أن معظم التفجيرات التي تحدث بواسطة سيارات مفخّخة يتمّ ترتيبها من قبل أشخاص يعملون في تلك القوات. ويوشي هذا الاعتراف بجسامة المهمّة التي تواجه القوات العراقيّة. فهي تواجه تنظيماً تتنامى قدرته القتاليّة الاحترافيّة، ويقوم على تجنيد مقاتلين مؤمنين بعقيدته ويطوّر شبكات تمويله عبر الأتاوات والسيطرة على المعابر الحدوديّة التركيّة-السوريّة وكذلك السيطرة على بعض آبار النفط في سوريا. الأهمّ من ذلك أن "داعش" تتحرّك في بيئات صعبة على الجيش النظامي وتستفيد من عدم الثقة الموجودة بين الجيش والسكان، وهو ما أشار إليه الأسدي بالقول إن الجيش انسحب من مراكز المدن في الأنبار بناءً على رغبة السكان.
لقد قيل لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في خلال زيارته لواشنطن أن مواجهة القاعدة تتطلب كسب السكان السنّة، وهو ما حاول المالكي القيام به منذ عودته إلى بغداد، إذ عقد اجتماعَين مع مسؤولي محافظة الأنبار ووافق على تنفيذ بعض مطالب المعتصمين. مع ذلك، ما زال من المبكر الحكم على هذا التوجّه وما إذا كان يمثّل تحولاً حقيقياً أم هو مجرّد تكتيك انتخابي. ومن الواضح أن المواسم التي تسبق الانتخابات ليست مؤاتية كثيراً لتحقيق تسويات جوهريّة، وقد يتطلب الأمر انتظار الانتخابات المقبلة ونتائجها قبل التوصّل إلى خلق بيئة سياسيّة مؤاتية للمصالحة الوطنيّة.
مع استمرار الصراع الراهن في سوريا، سيكون من الصعب دحر "داعش" في العراق. فهذا التنظيم أصبح يعبّر عن تمرّد عابر للحدود، وصار بالتالي يمثّل مشكلة إقليميّة لا يمكن حلها نهائياً من دون تسوية إقليميّة حقيقيّة وليس مجرّد هدنات مؤقتة. إن "داعش" هي تعبير مخيف عن كلّ مشاكل المنطقة حيث تنتشر الأنظمة الإقصائيّة والفساد السياسي والفشل الاقتصادي والتضخّم الديموغرافي والأيديولوجيات العدميّة. وسيكون نجاح التنظيم بالبقاء والازدهار تعبيراً عن المستقبل المخيف الذي ينتظر هذه المنطقة إن فشلت القوى السياسيّة -الإقليميّة والمحليّة- بإدراك طبيعة المشاكل التي سمحت له بالظهور في المقام الأول.