مدينة غزة، قطاع غزة- في فيديو بثته إحدى الجماعات السلفية في قطاع غزة (مجلس شورى المسلمين) على موقع "يوتيوب"، ظهر فهد الهبّاش جالساً أمام جهاز كمبيوتر محمول وخلفه راية "جبهة النصرة" السوداءوهو يقرأ وصيته. وكان الهبّاش قد لقي مصرعه في القتال الدائر في سوريا بين قوات نظام الأسد وجماعات معارضة أخرى من بينها الجماعة السلفية الجهادية التي تنتمي إلى فكر القاعدة العالمي.
"...الجهاد في سبيل الله ونصرة دينه ليس حكراً على فئة معينة من المسلمين بل هو واجب شرعي يعم كل مسلم ليس من أهل الأعذار أن يهب لنصرة دينه ونصرة المستضعفين من المسلمين في كل مكان...ودنيّة الدين وذل المسلمين التي بلينا بها منذ سنين هي بسبب ترك الجهاد وغياب الحكم والتحاكم في الشريعة بما أدى بنا إلى تصلب هؤلاء الطواغيت على رقاب المسلمين في أنحاء المعمورة" بهذا القول بدأ الهبّاش وصيته المسجلة.
وأضاف في وصيته التي جاءت ضمن الفيديو الذي تضمن صوراً أثناء مشاركته في القتال وأخرى بعد مقتله: "رسالتي إلى الأهل، إذا سمعتوا خبر مقتلي ورحيلي من هذه الدنيا الفانية، فافرحوا واستبشروا واعلموا حين ذاك أني قد نلت ما كنت أتمناه...".
تعدّ هذه الوصية المنشورة للهباش على موقع "يوتيوب" واحدة من ضمن عدد من الفيديوهات يظهر فيها فلسطنييون من قطاع غزة لاقوا مصرعهم في القتال في سوريا، وتم نشرها من قبل جماعة سلفية على خصام فكري مع حركة حماس حيث كان واضحاً نقد بعضها لأداء حكومة غزة في منع عناصرها من "الجهاد ضدّ الاحتلال".
زار "المونيتور" منزل الهباش في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة والتقى والده نزار الذي بدا عليه الحزن الشديد على فراق ابنه البكر .تمنى الوالد لو أنه لم يقتل في سوريا، خاصّة أنه لم يكن راضياً عن سفر ابنه، إذ كان يعتقد أنه بداعي الهجرة وليس للقتال في سوريا.
وقال: "لم نكن نعلم قط أنه سافر إلى سوريا، ولم يخبر زوجته حتى بذلك، ما قاله لنا أنه سيذهب إلى النروج عبر تركيا بقصد العيش هناك نظراً إلى ضيق العيش في قطاع غزة. وكان يتواصل معنا دائماً عبر الهاتف ويخبرنا أنه موجود في تركيا حتى قبل عشرة أيام على استشهاده".
فهد الهباش كان متزوجاً وله ابنتان إحداهن ولدت وهو في سوريا وتبلغ من العمر 4 أشهر، وعمل في جهاز الشرطة الفلسطينية التابعة لحركة حماس في غزة، وقبلها في "كتائب القسام"، الجناح العسكري في حركة حماس، ولكنّه لم يظهر ميوله إلى الجماعات السلفية قبيل سفره، بحسب والده.
أوضح مصدر مطلع في إحدى الجماعات السلفية في غزة رفض الكشف عن هويته لـ "المونيتور" أنه تم التواصل مع الشباب الفلسطينيين في قطاع غزة للسفر ودعوتهم إلى "الجهاد" في سوريا و الانضمام إلى "قوافل المجاهدين هناك من كل بقاع الأرض". لقيت هذه الدعوة صدىً واسعاً في صفوف عدد من الشبان الفلسطينيين.
وعلى الرغم من رفض المصدر الإفصاح عن عدد الفلسطينيين الذين سافروا إلى سوريا من قطاع غزة إلا أنه قدّرهم بالعشرات. وقد سافر الشباب عملياً من قطاع غزة عبر معبر رفح باتجاه تركيا ليدخلوا بعدها للمشاركة في المعركة بعد تلّقي تدريبات على الحدود التركية السورية على أيدي "المجاهدين".
وقال: "عدد من الشبان الذين قاتلوا في سوريا استشهدوا في سبيل الله هناك، ومنهم من أصيب وما زال يتلقى العلاج في تركيا وبعضهم ما زال يقاتل هناك ومنهم من عاد إلى قطاع غزة"، منوهاً بأن إغلاق معبر رفح منع الكثيرين من التوجه والسفر إلى سوريا على الرغم من استعداد عدد كبيرٍ منهم .
وأضاف: "تم تجنيد العشرات من المقاتلين الفلسطينيين سواء في قطاع غزة أو في الخارج، وتحديداً اللاجئين المقيمين في لبنان وسوريا، للمشاركة في الجهاد الدائر بين الحق والباطل، وما زلنا نعمل على إعداد مجموعات أخرى أيضاً".
تتبنى حركة "حماس" الحاكمة لقطاع غزة موقفاً داعماً للمعارضة السورية، إلا أنها تحاول جاهدة النأي بنفسها عن المشاركة في القتال. وكانت قد أعلنت ذلك مراراً على لسان أكثر من قيادي فيها.
وأوضح باسم نعيم القيادي في حركة حماس لـ "المونيتور" أن ساحة القتال والمواجهة الوحيدة لحركة حماس هي ضد الاحتلال الإسرائيلي ولا يمكن أن "تنحرف البوصلة" من أجل إضعاف المقاومة الفلسطينية.
وكشف مصدر مطلع في حركة حماس لـ "المونيتور" عن مشاركة عدد من الفلسطينيين في القتال في سوريا بعضهم مع جبهة النصرة، في حين شارك جزء آخر في دعم النظام السوري بجانب قوات حزب الله اللبناني.
وقال المصدر: "حاولنا جاهدين منع عدد من الشبان من خلال بعض المشايخ المقربين منهم من تبنّي فكر القاعدة والسفر إلى سوريا من أجل القتال كونه يؤثر على القضية الفلسطينية وعلى تأييدها في العالم العربي والإسلامي "، وذلك من دون تحديد طبيعة نجاح تلك المحاولات.
وحاول "المونيتور" الحديث مع شبان عادوا من القتال في سوريا عبر وسطاء مقربين منهم إلا أنهم رفضوا ذلك قطعاً قائلين "غير مسموح لنا التحدث مع وسائل الإعلام عن ذلك".
وتحاول "حماس" إعادة علاقاتها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد فتورها وتوقف دعم الأخيرة لها عقب موقفها من الأزمة السورية وهو ما برز في تصريحات نائب رئيس المكتب السياسي موسى أبو مرزوق لقناة "الميادين" الفضائية برغبة حركته في إعادة فتح الخطوط مع دمشق.