"قصّة موت معلن" للروائي غابريال غارسيا ماركيز قد تصلح لتكون عنواناً مناسباً لآخر جريمة قتل ارتكبت في الضفّة الغربيّة بدعوى الحفاظ على "شرف العائلة". فقرية دير الغصون في قضاء طولكرم، كانت بأكملها على علمبقصّة الموت المعلن تلك قبل أن تحدث بالفعل.
وكان 51 فرداً من عائلة زيدان قد وقّعوا عريضة يوم الجمعة في العشرين من شهر أيلول/سبتمبر المنصرم، تدين سلوك ابنة العائلة "س. ز." البالغة من العمر 33 عاماً. وظهيرة اليوم التالي، أي يوم السبت 21 أيلول/سبتمبر قام والد المرأة بخنقها مستخدماً سلكاً وهي نائمة.
اثنان من أهل قرية دير الغصون اللذَين التقى بهما "المونيتور"، أعادا جريمة القتل إلى التحريض الكبير الذي قامت به العائلة الكبرى ضدّ أسرة المرأة.
وسأل أحدهما وقد فضّل التعريف عن نفسه لـ"المونيتور" بلقب "أبو خالد" تلافياً لأيّ توتّر مع عائلة زيدان، "ماذا يعني توقيع عشرات من أفراد العائلة على بيان يتبرّأ من ربّ العائلة لأنه لم يعمد إلى بتقويم سلوك أسرته؟ ألا يعتبر هذا تحريضاً صريحاً على القتل؟!".
وبحسب ما أفاد أكثر من شاهد عيان واحد "المونيتور"، فإن "بيان البراءة" الذي أصدرته العائلة قد علّق على جدران منازل القرية وكذلك باب الجامع. ومن المعروف أن الجامع هو أعلى سلطة دينيّة ومعنويّة في المجتمع الفلسطيني.
وجاء في بيان البراءة أنه "بسبب أفعال مشينة وسلوك متكرّر يخالف شرع الله والعادات والأخلاق الحميدة، ولأن المذكور لم يلتزم باشتراطات العائلة عليه من قبل وخلّ بتعهّده أمام العائلة إصلاح أسرته وتقويم سلوكها"، فإن العائلة تتبرأ منه ومن "أي التزامات عشائريّة أو قانونيّة وحتى عرقيّة تجاه المذكور أو تصرّفاته."
وتابع أبو خالد قائلاً لـ"المونيتور" إنه "من المعروف أن هذه الفتاة تمّ تزويجها مبكراً وهي لم تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها وقد طلّقها زوجها قبل نحو أربع سنوات، ولديها طفلان بنت تبلغ من العمر (15 عاماً) وولد (12) عاماً".
وحول الملابسات التي سبقت قتل المرأة، أكّد أكثر من مصدر في القرية لـ"المونيتور" أن الأهالي تناقلوا شائعات حول المرأة بعد اقتحام منزل عائلتها من قبل رجل مخمور من قرية مجاورة. وقد قام الجيران بضربه وإخراجه من المنزل. وقد تلى هذا الحادث إعلان البراءة الذي وقّع عليه نائب في المجلس التشريعي عن حركة حماس عبد الرحمن زيدان".
وقد سلّط الإعلام الفلسطيني الضوء على توقيع النائب زيدان، ليطغى هذا الخبر على جريمة القتل بحدّ ذاتها. وربما يعود ذلك إلى أنه وبحكم مكانته كنائب في المجلس التشريعي كان يتوجّب عليه أن يترفّع عن حلّ مشاكل عائلته وقريته من خلال إعلان البراءة ذاك والتحريض المعنوي. ومن المؤكّد أنه بسبب انتماء النائب إلى حركة حماس، أخذ الموضوع أبعاداً أكبر ليتمّ استخدام الأمر في الحرب السياسيّة والكلاميّة من قبل معارضي الحركة.
لكن زيدان نفى في تصريحات لوكالة "معاً" الإخباريّة قيامه بالتحريض على القتل، وقد أكّد أن التداول في داخل عائلة زيدان أفضى إلى طرد الأسرة (المعنيّة) من القرية. لكن في نهاية الأمر تمّ التوافق على توقيع عريضة البراءة منها فقط.
ولعلّ ترديد اسم نائب حمساوي واتهام الإعلام له بالتحريض بما من شأنه أن يخدم التناحر السياسي القائم على الأرض ما بين حركتَي حماس وفتح، جعل جريمة دير الغصون تأخذ أصداء وردود فعل أكبر من جريمة لا تقلّ بشاعة عنها وقعت في 14 أيلول/سبتمبر المنصرم، راحت ضحيّتها فتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة في بلدة يطا في محافظة الخليل.
وقد كتبت هيثم عرار العضو في الأمانة العامة للاتحاد العام للمرأة الفلسطينيّة على صفحتها الشخصيّة على موقع "فيسبوك"، أن الأمّ هي من قامت بقتل ابنتها بعد تعرّض الأخيرة لاعتداء جنسي.
وكان بيان للشرطة الفلسطينيّة قد أكّد دخول فتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة تبلغ من العمر 21 عاماً وهو متوفاة قسم الطوارئ في مستشفى الخليل، وقد تمّ تحويلها إلى الطب الشرعي لمعرفة سبب الوفاة.
وأثارت الجريمتان اللتان وقعتا بفارق أسبوع واحد سخط وغضب المؤسّسات النسويّة والحقوقيّة التي سارعت إلى عقد ورش عمل ولقاءات تشاوريّة تحديداً في رام الله التي تتّخذ هذه المؤسّسات غير الحكوميّة منها مقراً لها.
وقد طالبت هذه المؤسّسات في بياناتها وورشها الرئيس محمود عبّاس الإسراع في إقرار مسوّدة قانون العقوبات الفلسطيني عبر قرار بقانون، بسبب تعطّل المجلس التشريعي الفلسطيني منذ العام 2006 وهو الجهة المخوّلة إصدار القوانين بحسب الدستور. ولا تتضمّن هذه المسوّدة أحكاماً تخفّف من العقوبات المفروضة على مرتكبي "القتل على خلفيّة الشرف" بحسب ما هو الحال مع قانون العقوبات الأردني لعام 1967 المطبّق في الأراضي الفلسطينيّة.
وقالت أمل خريشة مديرة جمعيّة المرأة العاملة الفلسطينيّة للتنمية في رام الله لـ"المونيتور" إن هذه الجريمة تحمل الرقم 25 من بين الجرائم التي ارتكبت بحقّ نساء منذ بداية العام الجاري، وهي الثالثة في خلال شهر أيلول/سبتمبر المنصرم". ولفتت إلى أن "امرأة ما زالت في وضع صحّي حرج في أحد مستشفيات القدس بعد تعرّضها لإطلاق النار". وشدّدت على "ضرورة مساءلة النائب العام ورئيس مجلس القضاء الأعلى، لأننا أمام مؤشّرات خطيرة تقول بأن جرائم قتل النساء باتت منتشرة في حين يحظى الجاني بعقوبات مخفّفة".
واستندت خريشة في أرقامها إلى مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي. وتجدر الإشارة إلى أنه وعلى الرغم من أن الاختصاصيّة القانونيّة في المركز لطيفة سحويل أكّدت لـ"المونيتور" أن مجموع النساء اللواتي قتلن منذ مطلع العام الجاري 2013 بلغ 25 امرأة، إلا أنه وحتى الآن لم يستكمل المركز أبحاثه الميدانيّة والقانونيّة حول عدد اللواتي قتلن على خلفيّة الشرف تحديداً".
وكانت البيانات الأخيرة التي صدرت عن المركز تفيد بمقتل 29 امرأة على خلفيّة الشرف ما بين العام 2007 والعام 2010.
وأوضحت سحويل أن "ثمّة حالات انتحار وحالات قتل من الصعب إثبات أنها جرائم شرف".
وسواء تم إثبات القتل على خلفيّة الشرف من قبل المراكز النسويّة أم لا، يبقى أن المجتمع يعرف تماماً أن ثمّة نساء يقتلن بهذه الذريعة، وعادة ما تكون قصص قتلهنّ معلنة لأن العائلة والمجتمع قدّما مادة وافية من "الشائعات" أو "عريضة براءة" تسوّغ الجريمة.