على رفوف المتجر الكبير في حي الرمال الشهير في مدينة غزّة، أنواع كثيرة من الشوكولاتة والبسكويت والألبان الإسرائيليّة وأخرى أوروبيّة الصنع لكنها مستوردة عبر شركات إسرائيليّة. وليس بعيداً عن المتجر الكبير، تجد محل بقالة أصغر حجماً لكنه أيضاً مليء بالبضائع ذاتها، وسط غياب المنتجات المصريّة التي كانت تسيطر على رفوف بضائع المحال التجاريّة قبل فترة قصيرة.
فيتحدّث التاجر ناصر الحلو لـ"المونيتور" عن اعتماد كبير اليوم على الاستيراد من إسرائيل والضفّة الغربيّة. ويقول إن "معظم البضائع تدخل الآن بالطرق الشرعيّة أي عبر معبر كرم أبو سالم الذي يعتبر المنفذ الوحيد بعد هدم الأنفاق. وقد ازدادت كميات تلك البضائع منذ شهر حزيران/يونيو الماضي تقريباً، بخاصة السلع التي كان من الصعب علينا أن نستوردها نظراً لوجود بديل مصري لها أقلّ ثمناً".
يضيف "أكثر السلع المطلوبة هي الألبان والمياه المعدنيّة والأجبان. لكن القدرة الشرائيّة عند المستهلك في هذه الفترة ضعيفة، بسبب الأوضاع السياسيّة. لذلك، لا يبدو الإقبال على هذه السلع كبيراً". لكنه يتوقّع أن تملأ البضائع الإسرائيليّة المنازل بشكل أكبر بعد منتصف شهر أيلول/سبتمبر المقبل.
يُعتبر معبر كرم أبو سالم الوحيد الذي وافقت إسرائيل على استمرار العمل فيه كمعبر تجاري، بعد إغلاق ثلاثة معابر رئيسيّة هي صوفا وناحل عوز والمنطار.
في الإطار ذاته، يقول مدير عام المعابر نظمي مهنا في اتصال هاتفي مع "المونيتور" من الضفّة الغربيّة، إن السلطات الإسرائيليّة تسمح يومياً بإدخال ما يقارب 500 شاحنة بضائع بشكل يومي. لكنه يشير إلى أن التنسيق حالياً يشمل فقط نصف الحمولات لأن التُجار لا يطلبون الكميات المسموح إدخالها.
يضيف "لهذا المعبر القدرة على سدّ احتياجات أهالي القطاع لو عمل بقدرته التشغيليّة الكاملة"، موضحاً أنهم تقدّموا من الجانب الإسرائيلي بطلب لتزويد القطاع بكافة احتياجاته وللعمل على إلغاء ما يُعرف بقائمة السلع الممنوع إدخالها.
وحول عمل الأنفاق يقول رئيس لجنة تنسيق إدخال البضائع إلى القطاع رائد فتوح في خلال لقاء مع "المونيتور"، إن "الأنفاق تعمل الآن بـنسبة 30% من قدرتها التشغيليّة، الأمر الذي جعل التجار يشترون من إسرائيل والضفّة بضائع بكميات كبيرة. وقد بلغت أوجّها في شهر يونيو/حزيران الماضي، بخاصة بعد إعلان حكومة حماس نيّتها فرض ضريبة جديدة. لذلك، ثمّة كميات كبيرة مخزّنة تؤثّر على حجم عدد الشاحنات التي يتمّ التنسيق بخصوصها حالياً. لكن من المتوقّع أن تزداد هذه الكميات لتبلغ أضعاف ما هي عليه في خلال الشهرَين القادمَين".
إسرائيل "الإنسانيّة"
ويوضح فتوح أنه بعد حادثة سفينة "مافي مرمرة" التركيّة في أيار/مايو من العام 2010، أصبحت 70% من السلع المطلوبة تدخل قطاع غزّة عبر معبر كرم أبو سالم، بعدما لم تكن نسبتها تتجاوز 10% قبل الحادثة.
وحول استمرار فتح إسرائيل للمعبر التجاري على الرغم من فرضها حصاراً على غزّة منذ العام 2007، يردّ فتوح "على إسرائيل ضغط دولي وعربي كبيرَين بسبب حصار عزّة. ويزداد هذا الضغط في حال صار الحصار شاملاً. وإسرائيل حريصة من الناحية الإنسانيّة حتى لا تُفضَح سياستها عالمياً".
يضيف "طالبنا الإسرائيليّين بأن يستمرّ العمل بمعبر كرم أبو سالم حتى العاشرة ليلاً بدلاً من السابعة مساءً، وذلك بهدف تخفيف المعاناة. وقد تلقّينا وعوداً بأن تغييرات ستحدث في خلال العشرين يوماً المقبلة".
ويوافق المتحدّث باسم الحكومة إيهاب الغصين على كلام فتّوح، فيقول في حديث إلى "المونيتور" إن "إغلاق المعبر سيدفع المجتمع الدولي إلى الهجوم على إسرائيل. وهي كذلك لا ترغب بفرض حصار مطبق على غزّة، خوفاً من انفجاره في وجهها".
يضيف الغصين "إنها سياسة القتل البطيء، فمعظم البضائع التي تدخل القطاع من المعبر التجاري مع إسرائيل لا تسدّ سوى 20% من احتياجاته لأنها سلع كماليّة".
وكان رئيس السلطة الفلسطينيّة محمود عباس "أبو مازن" قد دعا في نهاية شهر تموز/يوليو الماضي بعد تزايد أعداد المسافرين في غزّة، إلى إعادة العمل باتفاقيّة المعابر لعام 2005 والتي حدّدت معبر رفح لعبور الأفرد وكرم أبو سالم للبضائع، شرط وجود مراقبين أوروبيّين وبإشراف إسرائيلي عن طريق المراقبة عبر الكاميرات. وقد ردّت حركة حماس على لسان متحدّثها فوزي برهوم على صفحته الخاصة على موقع "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي، فنقرأ "أبو مازن للأسف يصرّ على عودة استخبارات الاحتلال والأوروبيّين للعمل على معبر رفح وتحكّمهم في حركة المرور بموجب اتفاقيّة 2005 التي كانت سبباً في معاناة مليونَي فلسطيني في غزّة، ويطلب رسمياً الاستمرار في تدمير الأنفاق، ويرفض إقامة منطقة حرّة.. هل هذا هو دور رئيس الشعب الفلسطيني؟".
ربّ ضارة نافعة!
من جهة أخرى، يشير صاحب مطاحن أبو هولي صبري أبو غالي لـ"المونيتور" إلى أن إغلاق الأنفاق ووقف استيراد الدقيق من مصر "أعادا الحياة" إلى مطاحن غزّة. ويوضح أن تلك "المطاحن عادت إلى العمل في 30 حزيران/يونيو الماضي للمرّة الأولى منذ ثورة 2011 (المصريّة)، حين تمّ السماح باستيراد جميع البضائع عبر الأنفاق من دون ضرائب".
ويقول إن "طنّ القمح الواحد المستورد من إسرائيل أغلى ثمناً من الطنّ المصري بحوالى 80 دولاراً أميركياً، وذلك على الرغم من أنه من النوع الروسي الفاخر نفسه. فثمن المصري لا يتضمّن تكاليف النقل والغاز والكهرباء ولا يشمل ضرائب". وعلى الرغم من ذلك، يصرّ أبو غالي على أن ثمن الخبز لن يرتفع ويستدرك مبتسماً "أو بالأحرى حتى الآن".
ثم يفصّل قائلاً أنه أعيد تشغيل سبع مطاحن في حين استعاد 250 مستخدَماً عملهم فيها، لافتاً إلى أنه وللمرّة الأولى منذ ثلاثة أعوام ثمّة مخزون للدقيق يكفي القطاع لمدّة 45 يوماً.
من جهته يقول المحلل الاقتصادي حامد جاد إن "السلع المصريّة أقلّ ثمناً لكنها في الوقت نفسه أقلّ جودة، لأن وزارتَي الزراعة والصحّة الإسرائيليّتَين تشرفان على السلع المخصّصة لقطاع غزّة على عكس بضائع الأنفاق التي تصل بحالة سيّئة". وينبّه إلى أن ارتفاع أسعار البضائع المستوردة من إسرائيل والضفّة، تظهر آثاره على المستهلك في غزّة.
ويشير إلى تعطّل شريحة كبيرة من تُجار بضائع الأنفاق بشكل كامل وكذلك عمّال الأنفاق وعمّال نقل البضائع، ناهيك عن العاملين في مصانع المواد الإنشائيّة كالإسمنت والحديد بعد توقّف دخولها عبر مصر. فإسرائيل تدرج تلك المواد على قائمة الممنوعات التي يحظّر دخولها من خلال معبر كرم أبو سالم.