تردّدت الفصائل الفلسطينيّة في قبول دعوة وجّهتها إليها حكومة غزّة التي تقودها حركة حماس للمشاركة في إدارة القطاع، على لسان رئيسها إسماعيل هنيّة في خلال كلمة ألقاها في افتتاح «البرنامج الوطني لمؤشّرات الأداء للجمعيات الخيريّة والهيئات الأهليّة» في مدينة غزّة يوم الأربعاء 21 آب/أغسطس الجاري.
رحّبت الجبهة الشعبيّة بهذه الدعوة، إلا أنها سرعان ما ألحقت ترحيبها بعبارة "دعوة بحاجة إلى ناظم سياسي"، وهو ما أطلق عليه المتحدث باسم الحكومة إيهاب الغصين "تراجعاً في الموقف" بحسب ما قال لـ"المونيتور".
من جهتها أعلنت حركة الجهاد الإسلامي أنها تتدارس الأمر، لكن القيادي فيها خالد البطش أشار لـ"المونيتور" إلى أن الدعوة حتى الآن مجرّد تصريحات في وسائل الإعلام وهم لم يتلقوا أي شيء رسمي بشأن المشاركة في إدارة غزّة. أضاف "نرفض أي مشاركة في حكومة جديدة من دون مصالحة وطنيّة وإعادة بناء منظّمة التحرير بحسب ما ينصّ اتفاق القاهرة الموقّع في أيار/مايو 2011".
وكان هنيّة قد دعا إلى توسيع رقعة المشاركة في إدارة قطاع غزّة إلى حين تحقيق المصالحة وتشكيل حكومة وحدة وطنيّة، وصرّح أمام وسائل الإعلام: «نفتح أذرعنا لتوسيع المشاركة في الإدارة وتحمّل المسؤوليات بنظرة الأمل للمستقبل، وليس على قاعدة التحسّب من أي أمر مقبل»، في إشارة منه إلى سقوط حكم الإخوان في مصر.
وأكّد إيهاب الغصين أن الدعوة جديّة، موضحاً في خلال حديث إلى ـ"المونيتور" أنها "جاءت بعد قرار داخلي في الحكومة لتأكيد منهج الوحدة والشراكة". ولفت إلى أن سقف هذه الشراكة مفتوح بحسب ما ترتأي الفصائل.
وشرح أن "هذه الشراكة ستكون على جميع الأصعدة، منها الإدارة الخدماتيّة والعمل النضالي والحكم. وهي ستضمّ الشخصيات الوطنيّة وليس الفصائل فقط"، مشدّداً على أن الدعوة ليست بديلاً عن اتفاق المصالحة، لكنها تأتي من منطلق المصلحة الوطنيّة.
أضاف "ما من تفاصيل الآن، لكن في خلال الأيام المقبلة سوف تعقد اجتماعات مع كلّ حزب على حدة ثمّ بشكل جماعي"، مؤكداً على أن هذه الدعوة ليست جديدة بل تكرّرت في السابق في الأعوام 2006 و2007 و2009 وبعد الحرب الأخيرة في العام 2012.
وانتقد الغصين ما اعتبره تراجعاً في موقف كلّ من الجبهتَين الشعبيّة والديمقراطيّة، قائلاً "رحّبتا في البداية ولكنهما تراجعتا الآن. وأتمنّى أن يكون قرار هذه الفصائل مستقلاً وليس مرتهناًبأي ضغوط".
وعلم "المونيتور" من مصدر فضّل عدم الكشف عن هويّته، أنه وقبل حوالى أربعة أيام وفي أثناء اجتماع لكلّ من الجبهتَين الشعبيّة والديمقراطيّة مع حركتَي الجهاد وحماس للبحث في آليات رفض مفاوضات السلام بين السلطة الفلسطينيّة وإسرائيل، تمّت منقاشة دعوة هنيّة للفصائل. أضاف المصدر أن حماس على ما يبدو اعتبرت موقف الفصائل المرحّبة بالخطوة، قبولاً بها.
بالنسبة إلى عضو المكتب السياسي في الجبهة الشعبيّة رباح مهنا صاحب تصريح "الترحيب" الأول، فإن "حماس شوّهت هذا الترحيب، في حين التقطته فتح وبالغت في تضخيمه، على الرغم من أنه كان في البداية ترحيباً بالخطوة باعتبارها مدخلاً لتنفيذ اتفاق المصالحة وإجراء انتخابات البلديات والاتحادات الطالبيّة والنقابيّة وإطلاق الحريات لتنشيط خلايا المجتمع الفلسطيني".
أضاف في حديث إلى "المونيتور" "لكن إلى حدّ الآن لم نتلقّ أي دعوة رسميّة لمناقشة أي آليات بخصوص هذه الشراكة، ما يجعلنا نعتقد أن الدعوة كانت بمثابة ديكور، والمقصود منها المشاركة تحت عباءة حماس كما تفعل حكومة (رئيس السلطة الفلسطينيّة محمود عباس) أبو مازن في الضفّة".
أما النائب في المجلس التشريعي عن الجبهة الشعبيّة جميل مجدلاوي، فقال لـ"المونيتور"، "لا أعتقد أن أي من القوى السياسيّة سيكون شريكاً في حكومة حماس لأن خطوته ستُعتبَر تكريساً للانقسام، على الرغم من أنه من الواجب مساعدة حماس في ظلّ الصعوبات التي يعتقد البعض أنها تواجهها الآن". أضاف "فالمعارضة تقصد البحث عما هو إيجابي وليس عن التشفّي أو الإقصاء. فلا أحد ينكر أن حماس كقوّة انتخابيّة تمثّل ما لا يقلّ عن 25 في المئة".
وليس بعيداً عن موقف المجدلاوي قال الدكتور فيصل أبو شهلا عضو المجلس التشريعي عن حركة فتح في خلال لقاء مع "المونيتور"، "نرفض هذه الدعوة جملةً وتفصيلاً لأنها تمثّل مهرّباً من المصالحة وترسّخ الانقسام. ونحن نعتبر أن حلّ أزمة غزّة هو في العرض الذي ما زالت فتح تطرحه، والمتعلّق بإجراء الانتخابات على كافة المستويات التشريعيّة والرئاسيّة والبلديات. وأبو مازن على استعداد لإصدار مرسومَين، الأوّل لتشكيل الحكومة والثاني للانتخابات".
وكان كلّ من جبهتَي التحرير والنضال الشعبي وحزب الشعب والمبادرة الوطنيّة الفلسطينيّة قد أعلنت من الضفّة الغربيّة رفضها دعوة هنيّة، باعتبارها تكرّس الانقسام الفلسطيني بين شقَّي الوطن بالإضافة إلى كونها التفافاً على الأزمة الإقليميّة التي تعيشها حركة الإخوان المسلمين.
وفي الإطار ذاته، قال خالد البطش في خلال حديثه إلى "المونيتور"، "نحن لسنا بصدد الردّ على دعوات في وسائل الإعلام، بل ننتظر اقتراحات وأوراق مكتوبة."
من جهته رأى المحلّل السياسي مخمير أبو سعدة أن الأسباب التي دفعت بحماس إلى إعلان هذه الدعوة، هي أنها تعيش عزلة سياسيّة بسبب وصول علاقاتها مع إيران وسوريا وحزب الله إلى طريق مسدود، بالإضافة إلى سقوط حكم الإخوان في مصر. كذلك هي تعاني من أزمة ماليّة خانقة، وثمّة شعور لديها بأن المصالحة والانتخابات غير قابلة للتطبيق بخاصة بعد بدء المفاوضات في الضفّة.
أضاف أبو سعدة لـ"المونيتور" في خلال اتصال هاتفي أنهم "في حماس لن ينجحوا في توسيع إدارة غزّة. وعلى الرغم من ترحيب الجهاد والجبهة الشعبيّة، لكن انضمامهما إلى الحكومة لن يحلّ مشكلتَي معبر رفح والحصول على المال، لأن فكّ العزلة بيد الرئيس أبو مازن وهذا يحتاج إلى شراكة ما بين حماس وحركة فتح".