بقع من الدماء تملأ السلالم والطرقات .. ستة أدوار تمتلأ بصرخات المصابيين الذين تتقطع أجسادهم بين طلقات الرصاص الحي والخرطوش والشظايا .. مئات الجثث متراصة في القاعات الرئيسية وفي الطرقات.. استغاثات مستمرة من أطباء حاولوا بأقل الامكانيات انقاذ ما يمكن انقاذه من المصابيين قبل اطلاق الأنفاس الأخيرة لهم .. مشهد يحدث في مصر لأول مرة داخل مستشفى رابعة العدوية بعد ساعات من اقتحام قوات الأمن لمحيط ميدان رابعة العدوية لفض الاعتصام بالقوة.
"وطي راسك واجري" تحذيرات يطلقها أحد الأشخاص على بعد أمتار من مدخل المستشفى لاستهداف أحد القناصة التابع لقوات الأمن جميع المارين والمترددين على المستشفى لمنع دخول المساعدات أو الادوية بعد استنفاذها داخل المستشفى، في تلك المنطقة استشهد أكثر من ثمانية أشخاص برصاص قناص أعلى أحد الأبنية المواجهة لمدخل المستشفى، منذ بدء فض الاعتصام فجر الأربعاء حتى لحظة الإقتحام وحرق المستشفى.
رغم خطورة الدخول إلى المستشفى لم يكن أمام المعتصمين مفر من سلك هذا الطريق لنقل المصابيين والجثث المتوافيدين من محيط الميدان دون انقطاع.
منذ دخولك المستشفى في الدور الأرضي العشرات من أجساد المصابيين ملقاه على الأرض بعد أصابات أغلبها طلق ناري وخرطوش (محلي الصنع) في الرأس والصدر والكتف والرجل.
قله عدد الأطباء المتطوعين .. ونفاذ أغلب الأدوية والمستلزمات الطبية كانت العائق الرئيسي في محاولة أسعاف المئات من المصابيين، أما الجثث فلم تتوافر أكفان أو ثلاجات لحفظها.
عشرات الأهالي في الدور السفلي يتسألون عن ذويهم من المفقودين أو المتوفيين ولكن دون استجابه .. في زحام الجثث لم يكن هناك وقت للتعرف على هويتها اللهم إلا محاولة لشاب وفتاه بحصر الأعداد ومحاولة البحث في جيوبهم عن بطاقة هوية أو أي شيئ للاستدلال عليهم.
أغلب الجثث كانت لشيوخ مسنيين ملتحيين وعدد آخر من الشباب وفتاه واحدة وهي أسماء البلتاجي ابنه القيادي في جماعة الإخوان المسلمين محمد البلتاجي.
" هو جيش سوريا .. السيسي قاتل " صرخات أطلقها أحد الشباب المصابيين قبل أن ينطق بالشهادة لتصعد روحه بعد دقائق من وصوله للمستشفى.
في الساعات الأولي كان يظن المتواجدون بالمستشفى أنها الأكثر أماناً في محيط ميدان رابعة العدوية الذي ينهال عليه الرصاص الحي من كل جانب بعد أن طوقت قوات الأمن جميع منافذ الميدان واقتحامه.
في الساعة الثالثة عصراً بدأت التحذيرات تجوب أدوار المستشفى، " القناصة يستهدفون الأطباء" بعد تصويب المئات من طلقات الرصاص الحي والمتعدد إلى جدران ونوافذ المستشفى، وحاول الجميع نقل المصابين إلى الجانب الأيمن من المستشفى المطل على العمارات السكنية لاستهداف قوات الأمن جميع نوافذ المبنى المطل على ميدان رابعة وشارع الطيران.
جميع الأطباء كانوا يعملون في هذه اللحظة في وضع منحني خوفاً من استهدافهم بطلقات القناصة حيث كانت أجساد المصابيين على الأرض .
ولم يتوقف الضرب أو استهداف المستشفى للحظة منذ الساعة الثالثة حتى الرابعة والنصف عصراً، ارتفعت خلالها أعداد الجثث والواردين إلى المستشفى إلى الضعف حتى امتلأت جميع الأدوار تماماً بها، حتى سمع دوى انفجار شديد لم يتعرف على هويته، هز جدران المبنى، تحطم على إثره جميع نوافذ المبنى الزجاجية.
في الساعة الرابعة بدأت قوات الأمن بإغراق جميع أدوار المستشفى بقنابل الغاز المسيل للدموع الذي انهال على الطرقات والغرف من النوافذ المحطمة، حتى فقد المئات من المصابيين وعيهم من الغاز الخانق، فيما تعالت صرخات الأطباء " اطلبوا اكسجين بسرعة من غرف العناية المركزة" ولكن كثرة العدد و صعوبة الموقف لم يتمكن أحد من اسعافهم.
وفي هذه الأجواء بدأت قوات الأمن التابعة لجهاز الشرطة ( الداخلية) أطلاق نداءات عبر مكبرات الصوت للمطالبة الجميع بالخروج من المستشفى، وإلا سيتم اقتحام المستشفى.
لم يمر على إطلاق النداءات أقل من عشر دقائق حتى بدأت أفراد من ضباط الداخلية باقتحام المبني حاملين بنادق غاز ورشاشات وقاموا باخراج النساء وكل من استطاع الوقوف على قدميه أخرجوه رافع يده في طوابير أشبه بالأسرى المحررين.
" لن أترك أبي .. سيبونا أرجوكم كلهم مصابيين .. مافيش أسلحة هنا والله .. دي مستشفى"، كانت صرخات أحد الصبية في الخمسة عشر من عمره، وهو يمسك بزجاجة المحلول لأبيه الذي كاد أن يفقد وعيه من آثر اصابته والغاز المسيل للدموع.
لم تستمر عملية الإقتحام واخلاء المبنى لأكثر من نصف ساعة مارس فيها ضباط الداخلية الإرهاب على كل من كانوا في المستشفى ومن حاولوا الاستمرار في التواجد وعدم ترك المصابيين بالسباب والضرب.
في الساعة السادسة والنصف وقرب غروب الشمس، خرج جميع الضباط وعساكر الأمن مسرعين من المستشفى وانسحبت مدرعة الشرطة التي اقتحمت باب المستشفى، وتصاعدت ألسنة اللهب من جميع الأدوار.
وقت حرق المستشفى تغيبت أجهزة الأمن عن المشهد وحاول مجموعة من الأهالي إخراج أي من المصابيين من الادوار الأولى للمستشفى، إلا أن محاولتهم باءت بالفشل.
وبعد أكثر من 4 ساعات تفحمت خلالها جميع أدوار المستشفى، دخل العشرات من الشباب بسيارة نقل إلى المستشفى ونقلوا عشرات من الجثث التي استطاعوا الوصول لها متفحمة تماماً، على مدار الليل.
وفي السادسة من صباح الخميس كان عدد الجثث الذي تمكن الشباب اخراجها من المستشفى وصل إلى 360 جثة أغلبها متفحم تماماً ومعظمها من مصابيين تم حرقهم أحياء حسب شهادة أحد الأطباء بالمستشفى، وتم تجميع الجثث في مسجد الإيمان في ضاحية مدينة نصر بالقرب من ميدان رابعة العدوية.