وقع في غضون الأيام والأسابيع الماضية العديد من حوادث الحرق والقتل العمد في قطاع غزّة، أسفرت عن حالات وفيات وإصابات عدّة أثارت غضب المواطنين الفلسطينيّين.
وآخر تلك الحوادث، مقتل أمين شراب (60 عاماً) وهو صاحب محلّ صرافة ماليّة وجد مقتولاً وملقى داخل محلّه بالقرب من المسجد الكبير وسط المدينة. وفي حادث منفصل، أصيب صيدلاني بجراح خطرة جرّاء الاعتداء عليه بآلة حادة في حيّ الشيخ رضوان شمال مدينة غزّة. وبحسب الشرطة الفلسطينيّة، فإن الدافع وراء الجريمتَين هو السرقة.
وأوضح الناطق باسم الشرطة أيوب أبو شعر في بيان صحافي أصدره الجمعة في 31 أيار/مايو المنصرم، أنّ قاتل الصيرفي اعتدى عليه بطعنة في الصدر وضربة على الرأس، مبيناً أن "التحقيقات الأوليّة للشرطة تشير إلى أن الجريمة نفّذت على خلفية جنائيّة وأن الإعلان عن نتيجة التحقيقات سيتمّ عقب انتهاء عمل المباحث الجنائيّة".
وعن مقتل شاب آخر وُجِدت جثّته على شاطئ بحر غزّة، أكّد أبو شعر أنه تعرّض للغرق وأن التشوّه الذي طال الجثّة ناتج عن بقائها في البحر لأيام عدّة.
وقال الباحث في الهيئة المستقلة لحقوق المواطن مصطفى إبراهيم لـ"المونيتور"، إن ثمانية مواطنين قُتلوا في قطاع غزة خلال شهر أيار/مايو المنصرم على خلفيّة شجارات عائليّة وجرائم سطو وانهيار أنفاق، بالإضافة إلى الانتحار.
وأشار إلى أنّ الهيئة رصدت ارتفاعاً ملحوظاً في معدّلات العنف في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة منذ مطلع العام الجاري ، ولغاية شهر نيسان/أبريل)، مقارنة مع الأعوام السابقة.
أضاف أنّ نحو 61 شخصاً قتلوا على خلفيّة شجارات عائليّة وسوء استخدام للسلاح، وكذلك في الأنفاق الحدوديّة مع مصر ونتيجة سقوط من بنايات سكنيّة وبسبب غياب إجراءات السلامة والوقاية في الورش الصناعيّة وغيرها.
وأوضح أبو شعر أنّ الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة غزّة تمكّنت من اعتقال معظم المتّهمين بارتكاب الجرائم الجنائيّة الأخيرة في غزّة، باستثناء مرتكب جريمة مقتل الصيرفي أمين شراب.
إلى ذلك، قُتل مواطن آخر يُدعى مسعود أبو هلال (35 عاماً) منتصف الشهر الماضي، بعد مشادة وقعت بينه وبين شقيقه تحوّلت إلى عراك بالأيدي وطُعن خلالها المغدور في عنقه. فهرب الجاني وبقيت الجثّة في المنزل لمدّة أربعة أيام.
من جهة أخرى، أحرق المواطن زياد موسى أبو موسى (43 عاماً) من سكّان مخيّم الشابورة وسط محافظة رفح جنوب قطاع غزّة، نفسه في مركز غزّة للصحة النفسيّة. وذلك على خلفيّة معاناته من أزمات نفسيّة عدّة. أما المواطن توفيق أبو حسنين (49 عاماً) الذي يعمل في جهاز الأمن الوطني برتبة نقيب، فقد حاول إضرام النار بنفسه، لكن بعض الأشخاص منعوه من ذلك.
وسبقت حوادث الحرق هذه، جرائم قتل عدّة من بينها مقتل نوال النجّار (25 عاماً) وهي امرأة حامل، خلال شجار عائلي شرق محافظة خان يونس جنوب قطاع غزّة، وقع في آخر شهر أيار/مايو المنصرم.
وقبل وقوع هذا الحادث بأيام، قُتل مراسل تلفزيون الشروق الجزائري معتز أبو صفيّة وعمّه المحامي أحمد أبو صفيّة، إثر شجار عائلي نشب بين أفراد العائلة، في حين أصيب أربعة أفراد آخرون من بينهم فتاة، في ذلك الشجار الذي وقع بالقرب من دوار "أبو مازن" غرب مدينة غزّة.
وفي السياق نفسه، وثّق مركز الميزان لحقوق الإنسان مقتل الطفلة بسمة صالح (13 عاماً) وإصابة شقيقتها أماني (17 عاماً)، في 17 أيار/مايو المنصرم، في شجار وقع غي مُحيط منزلهما، بينما كانتا على شرفة شقّتهما الواقعة في مخيّم البريج وسط قطاع غزّة.
وعقب جرائم القتل هذه، تعهّد النائب العام في حكومة غزّة إسماعيل جبر بتنفيذ كافة أحكام الإعدام التي تصدرها المحاكم بحقّ مرتكبي الجرائم الأخيرة في قطاع غزّة.
وقال جبر إن تنفيذ الأحكام سيتمّ "بعد استنفاد طرق الطعن"، كاشفاً عن "أفكار لدى نيابته تتعلّق بمرحلة ما قبل تنفيذ الحكم، وكذلك بضرورة أن يعلم الجميع بالإعدام من خلال وسائل معيّنة"، من دون الإشارة إلى مزيد من التفاصيل.
من جانبه، قال أبو شعر إن الجرائم الأخيرة عكّرت صفو الأمن لدى المواطنين في القطاع، وإن شرطته تنظر في خطورة هذا الأمر وتتابعه بشكل حثيث وسريع، وذلك بهدف منع الجريمة وتوفير الأمن والأمان للمواطن الفلسطيني. وأكّد أنّ معظم الجرائم فرديّة وهي تأتي على خلفيّة شجارات عائليّة أو عدوان أو انتحار.
وأعاد إبراهيم أسباب هذه الجرائم إلى الأوضاع المعيشيّة الصعبة التي يمرّ بها الفلسطينيّون، خصوصاً في قطاع غزّة، لناحية ارتفاع نسب البطالة والعاطلين عن العمل والإحباط من الحصار وإغلاق المعابر واستمرار انقطاع التيار الكهربائي.
أضاف "السلطة تمارس القمع والاستبداد ضد المواطنين، والشرطة والأجهزة الأمنيّة تمارس العنف بجميع أشكاله من اعتقالات غير قانونيّة وتقييد للحريّات لا سيّما حريّة الرأي والتعبير، بالإضافة إلى استمرار التدهور في حقوق الإنسان، وهكذا ترتفع نسب العنف في المجتمع الفلسطيني".
كذلك أكدّ أنّ الانقسام الفلسطيني الداخلي بين الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة، أحدث هزّة كبيرة في المجتمع. وما خلّفه من تفسّخ اجتماعي، أنتج بطالة وفقر وضغط ونفسي وعصبي جرّاء الهموم اليوميّة.