يتفاجئ الكثيرون حين يسمعون بوجود أقليّة ذات بشرة سوداء من أصول إفريقيّة في العراق، وتحديداً في البصرة. وتكون المفاجأة الأكبر، حين يسمعون بالعنصريّة والتمييز ضدّهم. وعادة ما يصدر ردّ فعل أوّلي من قبل هؤلاء، من خلال رؤية نمطيّة تتكرّر وتقول بأن "عصر العنصريّة ضدّ ذوي البشرة السوداء انتهى منذ عقود أو بمجيء الإسلام". ولكن تلك الرؤية النمطيّة تصطدم بأرض الواقع المجتمعي في العراق. فعلى الرغم من عدم وجود عنصريّة قانونيّة في النظام التشريعي العراقي منذ تأسيس الدولة العراقيّة (1921)، إلا أن هؤلاء القوم محاصَرون بأنواع من التمييز والعنصريّة في داخل المجتمع، ما يفرض على النظامَين التشريعي والتعليمي وكذلك على الإعلام الرسمي العراقي بذل اهتمام خاص، من خلال تشريع قوانين تجرّم أيّ شكل من أشكال العنصريّة أو التمييز ضدّ هؤلاء ومن خلال تثقيف المجتمع في هذا الخصوص.
وكان العراق قد شهد كما البلاد الأخرى في العالم القديم، تجارة الرقّ على نطاق واسع. فبغداد كانت عاصمة الخلافة العباسيّة على مدى خمسة قرون. وكانت تجارة الرقيق آنذاك، في إحدى أبرز فترات ازدهارها. وكان العبيد والإماء من مختلف الأعراق، يُساقون إلى العراق ليتمّ بيعهم في أسواق النخاسة. وتشكّل ثورة صاحب الزنج (869−883) مثالاً تاريخيّاً لانتشار ظاهرة الرقّ آنذاك وشدّة العنصريّة والظلم بحقهم. فهي انطلقت من البصرة لتضمّ نصف مليون عبد وتكتسح بلاداً شاسعة. وقد امتدّت لتبلغ مكّة حيث سرق العبيد الحجر الأسود من الكعبة، كرمز لقيم أسيادهم التي أباحت تجارة الرقيق. لكن، تمّ القضاء عليهم أخيراً، فقُتِل الآلاف وشرّد العديد منهم ورجعوا عبيداً مجدداً كما كانوا.