يزور وزير الخارجيّة الأميركي جون كيري رام الله، بين 27 و29 حزيران/يونيو الجاري. وتشير كلّ المعطيات إلى أنه يحمل في جعبته اقتراحات جديدة لاستئناف المفاوضات بين الجانبَين الفلسطيني والإسرائيلي، ما يبشّر بنهاية أسبوع حافلة في "المقاطعة" مقرّ الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
تؤكّد الرواية الرسميّة الفلسطينيّة على لسان كبير المفاوضين الفلسطينيّين الدكتور صائب عريقات أن "الشروط الفلسطينيّة لاستئناف المفاوضات باقية على حالها وهي اعتراف إسرائيل بدولة فلسطينيّة على حدود الأراضي الفلسطينيّة المحتلة في العام 1967 بالإضافة إلى تجميد الاستيطان وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيّين المعتقلين قبل اتفاقيّة أوسلو للسلام في العام 1993".
وقال عريقات في حديث إلى "المونيتور" إن "هذه ليست شروطاً، بل إلتزمات على الجانب الإسرائيلي. ويجب عدم السماح بالخلط ما بين الشروط المسبقة والالتزامات، وإلا فلن يكون هناك استئناف للمفاوضات، لأن هذا الخلط هو ما تحاول إسرائيل القيام به طوال الوقت".
وأوضح عريقات أنه "لن يكون هناك أي لقاء يجمع بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس محمود عباس وكيري خلال زيارة الأخير للأرضي الفلسطينيّة وإسرائيل في نهاية هذا الأسبوع". وأكّد "لا يوجد على أجندتنا أي اجتماع مماثل".
وكان الإعلام الإسرائيلي قد تناقل أخباراً مفادها أن الرئيس محمود عباس سيلتقي بنتنياهو في بادرة حسن نوايا أمام كيري، وكي يبرهن وجود شريك فلسطيني في عمليّة السلام. لكن عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الدكتورة حنان عشراوي نفت ذلك جملة وتفصيلاً، مؤكدة أن "هذه التصريحات من صنع المخابرات الإسرائيليّة وهدفها إرباك الشارع الفلسطيني ليس أكثر".
وتابعت في حديث إلى "المونيتور" قائلة "سننتظر كيري ونرى ماذا يحمل في جعبته من تصوّر أو اقتراحات. وبعد تدارسها من قبل القيادة الفلسطينيّة سنقرّر ما هي الخطوة التالية".
وشدّدت على أن "المتطلبات الفلسطينيّة الأساسيّة لاستئناف المفاوضات ليست قيد النقاش مثل إقامة دولة فلسطينيّة في حدود 67 وتجميد الاستيطان وإطلاق سراح أسرى ما قبل العام 1993".
لكن محلّلين فلسطينيّين يشكّكون في الرواية الرسميّة الفلسطينيّة أعلاه، ويشير الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري إلى أن "كيري لديه الخبر اليقين. وهو الذي لم تعلنه القيادة الفلسطينيّة حتى الآن".
وبحسب المصري، فإن "الأيام القليلة المقبلة ستشهد سيناريوهَين اثنين. الأوّل، أن تكون الأمور قد نضجت بالحدّ الكافي الذي يسمح بلقاء ثلاثي يجمع عباس وكيري ونتنياهو في العاصمة الأردنيّة. أما الثاني فيقول بتقديم كيري مقترحات يجب على الرئيس عباس دراستها بشكل كاف وأخذ موافقة العرب عليها، ليذهب خلال الأسابيع القليلة المقبلة إلى واشنطن ليلتقي بنتنياهو هناك".
ولفت المصري إلى أن "الشروط الفلسطينيّة الثلاثة التي تعتبر حجر العثرة في استئناف المفاوضات، قد تقزّمت لتصبح في أحسن الأحوال شرطاً ونصف!".
وتابع أن "الرئيس محمود عباس في اجتماع اللجنة المركزيّة الأخير تحدّث إما عن إقامة دولة في حدود 67 أو تجميد الاستيطان، الأمر الذي أغضب بعض أعضاء اللجنة المركزيّة معتبرين تصريحاته تنازلاً صريحاً عن الشروط الفلسطينيّة المعلنة لاستئناف المفاوضات".
وحاول المصري أن يبرهن ما سبق قائلاً "من يدقّق في تصريحات صائب عريقات خلال الأيام الماضية يدرك ذلك. فهو قال "لم نتنازل عن شرط الدولة الفلسطينيّة في المفاوضات"، أي أنها الهدف من المفاوضات وليست الشرط لاستئنافها".
وأكّد على أن كلّ المعطيات على أرض الواقع سواء من خلال تصريحات الرئيس أمام اللجنة التنفيذيّة لمنظمة التحرير الفلسطينيّة أم من خلال الحراك السياسي على الأرض، تقود لاستنتاج حقيقي وهو أن القيادة الفلسطينيّة تقوم بمفاوضات سريّة في الوقت الحالي بعيداً عن المجتمع الدولي والشارع الفلسطيني على حد سواء".
بدوره، اعتبر الأمين العام لحزب الشعب الفلسطيني بسام الصالحي أن "كيري بصدد ترجمة تصريحاته التي أطلقها في الشهرَين الماضيَين على أرض الواقع، لجهة الضغط على الفلسطينيّين بشكل رئيسي والتأكيد تلميحاً وتصريحاً أن الولايات المتّحدة قد لا تستمرّ في مساعيها في عمليّة السلام، ما يشكّل ضغطاً على الجانب الفلسطيني سيخدم بالتأكيد حكومة إسرائيل".
وقال "على عكس مما يُشاع من أن كيري يحمل مبادرة أميركيّة بشأن عمليّة السلام بين الجانبَين، لا يوجد في حقيقة الأمر أي مبادرة من هذا القبيل. بل على العكس، ستتمّ مطالبة الفلسطينيّين وضمناً الإسرائيليّين بأخذ مواقف جادّة للعودة إلى طاولة المفاوضات والانخراط في عمليّة السلام".
لكن المصري ذهب إلى القول بأن الرئيس عباس "بات بين فكّي كمّاشة. فإذا لم يقبل باستئناف المفاوضات سيكون مصيره العزل السياسي مثل الرئيس الراحل ياسر عرفات، بالإضافة إلى خسارة الدعم الأميركي الذي يقدّر بـ 500 مليون دولار سنوياً والذي يعوَّل عليه في إنقاذ ميزانيّة السلطة الفلسطينيّة العاجزة دوماً. وفي حال قبل العودة إلى المفاوضات من دون شروط، فإن موقفه سيكون صعباً أمام الرأي العام الفلسطيني، وهو يدرك أن شعبيّته في انحدار مستمرّ".
وكان استطلاع للرأي نشره المركز الفلسطيني للبحوث السياسيّة والمسحيّة، قد نشر في 17 حزيران/يونيو الجاري، قد كشف أن النسبة الكبرى من الجمهور الفلسطيني (40%) تعتقد أن السلطة الفلسطينيّة بشقّيها في الضفّة والقطاع قد أصبحت عبئاً على الشعب الفلسطيني، فيما تشير نتيجة أخرى إلى أن المجتمع الفلسطيني منقسم حول وصف القيادات الفلسطينيّة منذ بداية القضيّة الفلسطينية. فنصفه (49%) يرى أنها قيادات فاشلة فيما النصف الأخر (47%) لا يرى أنها كذلك.
وأكّد المصري أنه وبهدف أن يتخلّص الرئيس عباس من فكّي الكماشة، "فقد بات بحاجة ماسة إلى إنجاز يحقّقه أمام الشعب الفلسطيني يبرّر استئنافه للمفاوضات، حتى في ظلّ الشروط التي تمّ تقزيمها. وهذا الإنجاز سيتجسّد في تجميد الاستيطان، وإطلاق سراح الأسرى الذين اعتقلتهم إسرائيل قبل اتفاقيّة أوسلو للسلام في العام 1993".
ويدرك من يعرف الشارع الفلسطيني جيداً أن قضيّة الأسرى من القضايا المحوريّة والتي تجد صدى وتعاطفاً كبيراً من قبل الفلسطينيّين، لا سيّما وأن أسرى ما قبل العام 1993 غالبيتهم من المرضى وكبار السن.
وكانت إسرائيل قد أعلنت في مرّات سابقة أنها لن توافق على إطلاق كافة الأسرى الذين احتجزتهم قبل العام 1993 وعددهم 107 أسيراً. وحدّدت أسماء تعود لخمسين أسيراً سيتمّ إطلاق سراحهم على ثلاث دفعات، يحسب ما أكّدت مصادر في وزارة الأسرى والمحرّرين الفلسطينيّين.
أما العقبة الكأداء الأخرى فتتمثّل في تجميد الاستيطان. فليس من الواضح إن كان التجميد سيطال الكتل الاستيطانيّة الكبرى أم البؤر الاستيطانيّة التي تنبت مثل الفطر بين عشيّة وضحاها في التلال التي تصنّف مناطق "سي" بحسب اتفاقيّة أوسلو للسلام.
وتبلغ مساحة الأراضي المصنّفة "سي" نحو 63% من الأراضي الفلسطينيّة المحتلة في العام 1967، فيما يبلغ عدد المستوطنين 631 ألف مستوطن يعيشون موزّعين ما بين المستوطنات في الضفّة الغربيّة والقدس والبالغ عددها 184 مستوطنة و167 بؤرة استيطانيّة، بحسب بيانات منسّق هيئة المتابعة للمقاومة الشعبيّة الفلسطينيّة عاطف دغلس.
وحول الاستيطان، لم يخفِ عريقات غضبه بشأن قيام نتنياهو قبل أيام بتدشين مدرسة في مستوطنة مقامة على أراضي محافظة سلفيت شمال الضفّة الغربيّة. فقال لمراسلة "المونيتور" بنبرة غاضبة "نحن نريد لمهمّة كيري أن تنجح. لكن من الواضح أن ما تقوم به الحكومة الإسرائيليّة من وضع عقبات أمامه حتى قبل أن يصل، يؤكّد أن الإسرائيليّين ماضين في النشاط الاستيطاني على قدم وساق".
وختم قائلاً "نتنياهو شخصياً قام بتقويض مساعي كيري للعودة إلى المفاوضات، عندما قام شخصياً بتدشين تلك المدرسة في مستوطنة مقامة على الأراضي المحتلة للعام 1967 قبل أيام".