تسارعت الأحداث أخيراً على الساحة الشيعية اللبنانية. بدءاً بخروج مشاركة حزب الله المسلحة في معارك مدينة القصير السورية إلى العلن. مروراً بخطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، يوم السبت في 25 ايار، لمناسبة ذكرى انسحاب الجيش الاسرائيلي من لبنان سنة 2000. هذا الخطاب الذي شكل إعلاناً صريحاً عن انخراط حزب الله في الحرب السورية، إلى جانب بشار الأسد، وضد من سماهم نصرالله "التكفيريين". وصولاً إلى إطلاق صاروخين من قبل جهة مجهولة، على أحد أحياء الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل الوجود الشيعي في العاصمة اللبنانية، ومعقل حزب الله بالذات.
على ضوء هذه التطورات بدأت الأوساط القريبة من حزب الله تتحدث بصراحة أكبر وشفافية أكثر، عن أخبار المعارك العسكرية الدائرة على مقربة من الحدود الشمالية الشرقية للبنان. وهو ما كان حتى الأيام القليلة الماضية من المحرمات. وفي هذا السياق أكدت هذه الأوساط لموقعنا أن خسائر حزب الله في القصير قد بلغت فعلاً نحو 40 ضحية. إضافة إلى عدد أكبر من الجرحى. وشرحت هذه الأوساط أن غالبية الإصابات لم تتناول "مقاتلي النخبة" في التنظيم الشيعي الأول في لبنان، كما روجت وسائل الإعلام المناوئة لحزب الله طيلة الأيام الماضية. ذلك أن الوحدات القتالية النظامية التابعة لحزب الله، كانت قد بلغت مساء الأحد في 19 ايار وسط مدينة القصير. وتمكنت من الوصول إلى مبنى بلديتها. وكما يفترض في كل عملية عسكرية، وبعد تحقيق هدف التوغل الأول في قلب المنطقة العدوة، تخلي القوة المتوغلة المكان لوحدات إسناد، يتم استدعاؤها بعد التأكد من التقدم المحقق، لتقوم بمهام السيطرة على المكان. وذلك بما يسمح لوحدات رأس الحربة بالانتقال إلى مهمتها التالية. وتابعت الأوساط القريبة من حزب الله تقول: ما لم يتم التنبه إليه، هو أن القوى الإسنادية التي استدعيت ذلك المساء، لم تكن في معظمها من الوحدات المحترفة. بل كانت غالبيتها من المتطوعين أو من المتحمسين الذين التحقوا بالمقاتلين الأساسيين. علماً أن هؤلاء كانوا متمركزين في الخطوط الخلفية القريبة، في مناطق الهرمل اللبنانية القريبة من أرض المعركة. وتصفهم الأوساط نفسها بأنهم من مقاتلي جيل ما بعد حرب تموز 2006، التي خاضها حزب الله ضد الجيش الاسرائيلي. وبوصول هؤلاء إلى وسط القصير تبين أن ثلاث مفاجآت مأساوية كانت تنتظرهم. أولها سلسلة تفخيخات بواسطة عبوات متطورة، كان مسلحو المعارضة السورية قد زرعوها في كل زاوية انسحبوا منها. ثانيها خروج مقاتلي المعارضة من مخابئ كانوا قد أعدوها تحت الأرض، في أنفاق سرية محفورة منذ مدة طويلة. وثالثها تمركز قناصة من مسلحي المعارضة السورية، مجهزين ببنادق قنص حديثة جداً، سمحت لهم باصطياد عدد من مسلحي حزب الله، من مسافات بعيدة، وعبر تحصينات مموهة سهلت لهم هذه المهمة.
وتؤكد الأوساط نفسها أن مقاتلي حزب الله تمكنوا بدءاً من الاثنين الذي تلى ذلك الكمين، من استيعاب ما جرى وتخطيه، وصولاً إلى مباشرة المرحلة الثانية من معركتهم هناك. وتضيف أن المرحلة التالية قد بدأت فعلاً بعد يومين. وهي كانت موضع نقاش حول طبيعتها وهدفها. ذلك أن رأيين كانا مطروحين. الأول يقول بإحكام السيطرة على القصير بكاملها، ومن ثم الانتقال شرقاً وشمالاً لاستكمال السيطرة على آخر القرى الصغيرة الفاصلة بين القصير ومدينة حمص. أما الرأي الثاني فكان يقول بالالتفاف على الجيوب المتمردة الباقية من مدينة القصير، والسيطرة على الطريق الوحيد المتبقي لانسحاب مسلحي المعارضة من جهة الشرق والشمال، وذلك عبر قريتي الضبعة وعرجون. علماً أن الخيار الأول يعني إفساح المجال لآخر المسلحين المتحصنين في الحي الشمالي الشرقي من القصير للانسحاب باتجاه حمص. بحيث يعطوا فرصة للنجاة، مقابل اختصار المعركة للسيطرة الكاملة على المدينة من قبل القوى المهاجمة. فيما الخيار الثاني يعني محاصرة المسلحين، لكن مع الاستعداد لمقاتلتهم حتى النهاية. وتشير الأوساط نفسها إلى أن الخيار الأول على ما يبدو هو الذي اعتمد. وهذا ما بدأ يترجم على الأرض في اليومين الماضيين، مع أخبار عن مناوشات مسلحة طفيفة على الطريق شمالاً بين القصير وحمص، نتيجة محاولات هؤلاء المسلحين الانسحاب والتسلل سراً من القصير، للالتحاق بتجمعات أخرى لهم.
وتشير الأوساط نفسها إلى أن المجموعات المقاتلة التابعة لحزب الله حرصت بشكل دقيق على منع أي تسلل لمسلحي المعارضة السورية باتجاه الجنوب أو الجنوب الغربي، صوب المناطق اللبنانية. وتشرح أن حزب الله لم يبد في أي لحظة قلقاً حيال المسلحين السوريين، ولا حيال المسلحين اللبنانيين المؤيدين للمعارضة السورية. لكن اهتمامه كان منصباً طيلة الوقت على ما يصفهم بالمسلحين التكفيريين. وهؤلاء من جنسيات غريبة، من دول عربية عدة أو من جنسيات بلقانية أو حتى من آسيا الصغرى. وما يبرر حرصه هذا، معلومات قيل أن الجهات الأمنية اللبنانية الرسمية قد تبادلتها معه، تشير إلى أن بضع مئات من هؤلاء التكفيريين قد تمكنوا فعلاً من الوصول سابقاً إلى بعض مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. مع إشارة تلك الجهات إلى أن معظم هؤلاء قد تمركز في مخيم عين الحلوة الملاصق شرقاً لمدينة صيدا، عاصمة الجنوب اللبناني. فضلاً عن نسبة أقل منهم، وصلت إلى مخيمي صبرا وشاتيلا المتاخمين للعاصمة بيروت. وحساسية المكانين أن مخيم عين الحلوة يتحكم فعلياً في المدينة الواقعة على طريق التواصل الحيوي والاستراتيجي لحزب الله، بين معقليه الأساسيين في بيروت والجنوب. فيما يقع مخيما صبرا وشاتيلا في مكان ملاصق للضاحية الجنوبية كما للعاصمة اللبنانية. وهو ما يفسر دقة وجود هؤلاء الأصوليين، والاستنفار الأمني والمعلوماتي العالي الدرجة لمتابعة أي تحرك لهم. خصوصاً بعد حادثة إطلاق الصاروخين على أحد أحياء الضاحية الجنوبية صباح الأحد الماضي.
أيام الوصاية السورية على لبنان، كان اللبنانيون ينفرون من مقولة شهيرة أطلقها حافظ الأسد، الذي كان يحلو له أن يردد أن سوريا ولبنان هما شعب واحد في بلدين. بعد ثمانية أعوام على زوال تلك الوصاية وخروج الجيش السوري من لبنان، يكتشف اللبنانيون كل يوم، أن ما تشهده سوريا ولبنان، ليس غير حرب واحدة في بلدين.