على الرغم من وصول الإخوان المسلمين إلى سدّة الحكم في مصر، إلا أنّ حركة السفر عبر معبر رفح ما زالت تتأثّر سلباً وإيجاباً باستقرار الوضع الأمني في سيناء لا سيّما مع انتشار العناصر السلفيّة.
يشكّل معبر رفح البرّي الشريان الرئيسي الذي يربط سكّان قطّاع غزّة بمصر والعالم الخارجي، لا سيّما بعد تدمير إسرائيل للمطار الوحيد في فلسطين مع انطلاقة الإنتفاضة الفلسطينيّة الثانية ووضعها قيود كبيرة على حركة الأفراد على معبر إيرز، وحصر تلك الحركة بالحالات الإنسانيّة والموظّفين الدوليّين.
وترى حماس في المعبر مفتاحاً لشرعيّتها في قطاع غزّة، لا سيّما بعد فرض الحصار الإسرائيلي عليه. فراحت تضغط بقوّة على النظام المصري السابق لإعادة فتحه وتسهيل حركة المرور. وهذا ما حدث بالفعل بعد حادثة الاعتداء على أسطول الحريّة التركي في عرض البحر.
ومذ بسطت حماس سيطرتها على قطاع غزّة بالقوة في العام 2007، أصبح معبر رفح شبه مغلق وقد رحل المراقبون الدوليّون الذين كانوا يشرفون عليه بعد انسحاب إسرائيل من قطاع غزّة في العام 2005، في إطارما يُعرف باتفاقيّة المعابر.
وبعد وصول الإخوان المسلمين إلى سدّة الحكم في مصر عقب ثورة 25 يناير، توقّع الفلسطينيّون في قطاع غزّة المحاصر انفراجاً في حركة مرور الأفراد بين قطاع غزّة ومصر، إلا أنّ أيّ تغييرات جذريّة لم تطرأ ولم تعد الحال عند هذا المعبر إلى ما كانت عليه قبل سيطرة حماس على القطاع.
ويفتح معبر رفح على مدار الأسبوع مع تسجيل 800 دخول يوميّ (كمعدّل) باتّجاه مصر، بحسب ما يفيد رئيس الإدارة العامة للمعابر والحدود التابعة لوزارة داخلية حماس ماهر أبو صبحة. وذلك مع السماح لأعداد مشابهة بالعودة باتّجاه قطاع غزّة.
وينعكس عدم استقرار الوضع الأمني في شبه جزيرة سيناء التي تعتبر ملاصقة لقطاع غزّة، تلقائياً على سهولة أو صعوبة حركة المسافرين على المعبر. وقد بدا ذلك واضحاً خلال الشهر الجاري عند اختطاف سبعة مجنّدين مصريّين من قبل السلفيّين في سيناء. فقد أغلِق معبر رفح لمدّة خمسة أيام على أثر تلك الحادثة ، وأعيد فتحه بعد الإفراج عنهم.
وخلال العام الماضي، أغلِق معبر رفح أيضاً لمدّة عشرين يوماً بعد الاعتداء الإرهابي على موقع عسكري للجيش المصري ومقتل 16 جندياً في شهر رمضان، وذلك بعد اتّهام عناصر سلفيّة في غزّة بالمشاركة في الهجوم المسلّح، وهو أمر نفته كلّ الفصائل الفلسطينيّة.
وتتّهم الأجهزة الأمنيّة المصريّة وبعض القوى المعارضة حماس بالعبث بأمن سيناء والمساهمة في حالة عدم الاستقرار الأمني هناك، التي نشأت عقب الثورة المصريّة والإطاحة بنظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك. وتحاول حماس جاهدة إبعاد هذه الفكرة عن وسائل الإعلام المصريّة وتتّهمها دوماً بالتحريض عليها من دون دلائل.
إلى ذلك، دعا رئيس حكومة حماس في غزّة إسماعيل هنيّة مصر لإعادة النظر باتفاقيّة كامب ديفيد وبناء "استراتيجية شاملة للتعامل مع سيناء" بالإضافة إلى وضع سياسية جديدة في التعامل مع معبر رفح البرّي.
وفي خطبة يوم الجمعة الماضي في 24 أيار/مايو الجاري في غزّة، دعا هنيّة مصر إلى "إعادة النظر، إن لم يكن إلغاء، اتفاقيّة كامب ديفيد وخصوصاً في ما خصّ الملاحق الأمنيّة وطرح أجندات مستعجلة على بساط البحث في داخل مركز صنع القرار المصري".
من جهته، طالب ماهر أبو صبحة في حديث إلى "المونيتور" الجانب المصري بفتح معبر رفح بشكل كامل ودائم وعلى مدار الساعة، وعدم وضع قيود على حركة المسافرين من خلال تحديد من يُسمح لهم بالعبور وفقاً لأعمارهم.
ويمرّ المسافر الفلسطيني الراغب في العبور إلى مصر بمراحل عدّة حتى يتمكّن فعلياً من السفر. وتبدأ هذه المراحل بالتسجيل لدى وزارة الداخليّة في غزّة حيث يُدرَج اسم المسافر على قوائم المسافرين ويتمّ تحديد رقم الباص الذي سيستقلّه. من ثمّ، يتوجّه في اليوم المحدّد لسفره إلى القاعة الخارجيّة لمعبر رفح في الصباح الباكر، حيث يتمّ توزيع المسافرين على الباصات. بعدها يدخل إلى قاعة المسافرين ليتمّ ختم جواز سفره بعد تسديد الرسوم، ثم يعود إلى الباص مرّة أخرى وينتظر حتى يُسمح للحافلة بالوصول إلى أمام البوابة المصريّة من المعبر ذاته. وينتقل بعد ذلك إلى الجانب المصري من المعبر ليدخل قاعة الوصول بعد خضوعه للتفتيش، حيث ينتظر أن يتمّ السماح له بالمرور إلى الأراضي المصريّة.
وروى أبو السعيد (39 عاماً) خلال تواجده داخل القاعة الفلسطينيّة من المعبر، أنه وصل إلى القاعة الخارجيّة في تمام الساعة السادسة صباحاً ولم يُسمَح له بالدخول إلا بعد انتظار دام أربع ساعات. وهو ما زال ينتظر على الجانب الفلسطيني موعد انتقاله إلى الجانب المصري، عند الساعة الرابعة من بعد الظهر.
وفي اتصال مع "المونيتور" قال "أسافر اليوم مع زوجتي ووالدتها من أجل إجراء عمليّة جراحيّة لزوجتي في مستشفى ناصر، وذلك بعد الحصول على تحويلة مرضيّة من وزارة الصحة الفلسطينيّة. وقد بدأت بالتجهيز للسفر منذ ما يقارب الشهر".
وتضع السلطات المصريّة قيوداً على حركة المسافرين الفلسطينيّين عبر المعبر لا سيّما الشباب منهم الذي تتراوح أعمارهم ما بين 18 و 40 عاماً. وكي تسمح لهم بالعبور عبر أراضيها، تشترط عليهم الحصول على تنسيق أمني مسبق من الأجهزة الأمنيّة المصريّة أو إبراز مبرّر مثل العلاج أو السفر إلى الخارج مع توفّر تأشيرة دخول إلى الدولة التي تُعتبَر الوجهة النهائيّة النهائيّة.
وقد سجّلت الإدارة العامة للمعابر والحدود مغادرة نحو 210 آلاف مسافر فلسطيني عبر معبر رفح البرّي خلال العام 2012 الماضي، في مقابل ما يزيد عن 130 ألف مسافر في العام 2011 وزهاء 86 ألف مسافر في العام 2010.
ولم تسمح سلطات المعبر بمرور نحو 26 ألف مسافر في العام 2012، في مقابل ثمانية ألاف مسافر في العام 2011. أما في العام 2010 فأرجعت السلطات المصريّة نحو 12 ألف مسافر، بعضهم من المصنّفين أمنياً على أنهم ممنوعون من دخول الأراضي المصريّة والبعض الآخر ممن لم يملكوا الوثائق الكافية التي تسمح بعبورهم خصوصاً من فئة الشباب.
وتنتشر على طول الحدود المصريّة - الفلسطينيّة آلاف الأنفاق التي يتمّ عبرها تهريب المواد الغذائيّة والمواشي والسيّارات والوقود ومواد البناء، بالإضافة إلى الأفراد ممن تمنع السلطات المصريّة عبورهم من خلال معبر رفح البرّي.
وفي خطبته، قال هنيّة تعقيباً على حادثة خطف الجنود المصريّين في سيناء "تمّت متابعة التطورات انطلاقاً من مسؤوليّة الجوار والأخوة ومن تفهّم الحكومة للاحتياجات الأمنيّة المصريّة".
وأشاد بمصر ما بعد الثورة قائلاً "مصر بعد الثورة، لها إيجابيّات كبيرة. وقد سجّل العديد من المحطات المتّصلة بقضيّة فلسطين وغزّة، ومنها إنجاز صفقة تبادل الأسرى وما جرى من تطوّرات لفتح معبر رفح. وكان لها موقف من الحرب الأخيرة التي شنّت على الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة، بالإضافة إلى تسهيل حركة الإعمار والبناء في غزّة".
ويشنّ الجيش المصري بين الحين والآخر حملات ضدّ الأنفاق المنتشرة على طول الحدود ويدمّر بعضها، ما يؤثّر على تدفّق البضائع على قطاع غزّة. فينعكس ذلك ارتفاعاً بأسعار مواد البناء والوقود المهرّبة إلى القطاع.
وكلّما وقعت حادثة أمنيّة في صحراء سيناء التي تتنشر فيها العناصر السلفيّة الجهاديّة، تظهر في الإعلام المصري اتّهامات مباشرة لحركة حماس بتورّطها فيها، ما دفع هنيّة إلى الدعوة لوضع استراتيجيّة شاملة في العلاقة مع مصر في هذا الشأن.