في محاولة جريئة، على ما يبدو، لضرب رمز العدالة، أقدمت مجموعة مسلحة، الخميس، تضم عناصر انتحارية، على اقتحام مبنى وزارة العدل العراقية، وسط العاصمة بغداد، ما خلف نحو 90 قتيلا وجريحا.
وجاءت هذه العملية، وسط أزمة سياسية خانقة في العراق، على خلفية تواصل الاحتجاجات في المناطق السنية على سياسات رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي. وبلغت هذه الأزمة ذروتها، عندما امتنع الوزراء الكرد عن حضور جلسة اعتيادية للحكومة العراقية، الثلاثاء الماضي، احتجاجا على إقرار الموازنة المالية للعام 2013، من دون الحصول على موافقة التحالف الكردستاني.
وفي قرابة الساعة الحادية عشرة من صباح الخميس، فجر مسلحون سيارتين مفخختين، عند مدخلي الموظفين وكبار المسؤولين في وزارة العدل، واقتحموا المبنى الذي يبعد مئات الأمتار فقط عن المنطقة الخضراء شديدة التحصين في بغداد، والتي تضم مقار الحكومة وسفارتي أميركا وبريطانيا في العراق.
وقال أحد موظفي المكتب الاعلامي في الوزارة، إن المسلحين قتلوا جميع حراس المبنى، وسيطروا على الطبقة الأرضية والأولى منه، بعد أن فجر أحدهم نفسه، لدى عملية الاقتحام.
ويقول هذا الموظف، إن جميع منتسبي الوزارة، صعدوا إلى أعلى طبقة في المبنى، وأغلقوا أبوابها، كي يمنعوا وصول المهاجمين إليهم، قبل أن يستنجدوا بقوات الأمن.
وبحسب مصادر أمنية وصحية، فإن أكثر من 26 شخصا قتلوا، بينهم 3 انتحاريين، وأصيب نحو 56 آخرين في هذا الهجوم. لكن هذه المصادر توقعت ارتفاع حصيلة القتلى، بسبب وجود العديد من الإصابات الحرجة.
وقال مصدر أمني رفيع، طلب عدم نشر اسمه، إن "المهاجمين فشلوا في الوصول إلى الطبقة الثالثة من مبنى الوزارة، حيث تقع مكاتب المسؤولين في الوزارة عن ملفات المدانين المحكومين بالإعدام". وأضاف أن "الهجوم انتهى عند الطبقة الثانية من المبنى، حيث يقع مكتب وزير العدل حسن الشمري، الذي قضى اثنان من حراسه في الهجوم".
وقال أحد النواب الكرد في البرلمان العراقي إن وزير العدل ووكلاءه وجميع المدراء العامين في الوزارة، لم يكونوا موجودين في المبنى لحظة مهاجمته. ولدى سؤاله إن كان هؤلاء ربما تلقوا تحذيرات من إمكانية تعرض الوزارة لهجوم، قال "ربما".
وتتحدث الأجهزة الأمنية العراقية منذ مطلع مارس الجاري، عن تلقيها معلومات تفيد بتنفيذ هجمات، قبيل انتخابات المجالس المحلية، المقرر إجراؤها في أبريل المقبل.
وزاد هذا الهجوم، من تعقيد الإجراءات الأمنية المفروضة على العاصمة العراقية منذ صباح الخميس. ويستعد سنة العراق للتوجه إلى مسجد الإمام الأعظم في مدينة الأعظمية، أبرز معاقل السنة في بغداد، لأداء صلاة موحدة، لكن عددا من المسؤولين السنة في الحكومة العراقية يقولون إن قوات الأمن لديها أوامر بمنع المصلين من الوصول إلى وجهتهم.
وتشهد أيام الخميس من كل أسبوع في بغداد، إجراءات أمنية مشددة، تحدّ من حركة المرور بشكل كبير. وتتخذ هذه الإجراءات تحسبا لتجمع سكان بغداد من الأقلية السنية، في مسجد واحد، لأداء صلاة موحدة يوم الجمعة، تشكل فرصة لانتقاد الحكومة ورئيسها بشدة.
ويعتزم السكان السنة في بغداد، أن يصلوا عند نقاط التفتيش، اذا ما منعوا من الوصول إلى الأعظمية.
وأبرز مطالب السنة في العراق إطلاق سراح المعتقلات والمعتقلين لذين ينتمون إلى طئفتهم من سجون الحكومة. ويسود اعتقاد على نطاق واسع في الأوساط السنية العراقية بأن المعتقلات اللائي ينتمين إلى الطائفة السنية، يتعرضن لعمليات اغتصاب على أيدي محققي الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة.
ويقول النائب الكردي، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، إن "المهاجمين، اختاروا على ما يبدو، أن يضربوا رمز العدالة في العراق، لذلك هاجموا وزارة العدل". ويضيف "هناك اعتقاد سني راسخ بأن هذه الوزارة التي تدير السجون والمعتقلات في العراق، ويصدر قضاتها أحكاما بالاعدام والحبس ضد معتقلين سنة، هي جزء من أدوات الحكومة القمعية".