كثر الحديث في الآونة الاخيرة عن جبهة النصرة التي تقاتل جنبا الى جنب مع الجيش السوري الحر ، والمخاوف من ازدياد نفوذها الذي يتماشى مع المكاسب التي تحققها المعارضة على الارض ودنو " ساعة الصفر" للنظام السوري بحسب آراء محللين سياسيين وعسكريين ، تشكلت جبهة النصرة ، وإسمها الكامل " جبهة النصرة لأهل الشام " وهي حركة سلفية تدعو الى امارة اسلامية اواخر سنة 2011 ، مع احتدام المعارك والعنف بين النظام السوري والمعارضة ، ودعت الجبهة في بيانها الاول الذي اصدرته في 24 كانون الثاني 2012 السوريين " للجهاد " وحمل السلاح في وجه النظام السوري.
تبنت الجبهة عددا من الهجمات النوعية كان ابرزها عمليات تفجير بمبنى قيادة الاركان في العاصمة دمشق في اوائل تشرين الاول 2012 ، وتفجير مبنى المخابرات الجوية في حرستا بالاضافة الى تفجير بمبنى نادي الضباط بحلب. ويزداد التخوف الدولي من هذه الجبهة التي تنتمي للطائفة السنية التي
تعتبر المكون الاكبر للتركيبة الديمغرافية لسكان سورية ، بإعتبار انها تضم عناصر اسلامية متشددة ، لها اجندات شخصية تسعى لتطبيقها بدخول سورية بمرحلتها الانتقالية بعد التخلص من نظام بشار الاسد .
غالبية عناصر الجبهة عند تأسيسها كانوا من السوريين الذين قاتلوا سابقا في "ساحات الجهاد" مثل العراق وافغانستان والشيشان وغيرها ، ممن لهم باع طويل في محاربة الجيوش . وهي مطعمة كذلك بمقاتلين عرب واتراك واوزبك وشيشانيين وطاجيك وقلة من الاوروبيين . وللإنضمام للجبهة يجب على المتقدم ان يستوفي عددا من الشروط مثل الالتزام بالفروض الدينية والحصول على تزكية من شخص موثوق وإثبات الجدية والانضباط .
في ايلول الماضي قامت الحكومة الامريكية بتصنيف جبهة النصرة على انها جماعة ارهابيين وهو الامر الذي لقي رفضا من ممثلي المعارضة السورية وقادة الجيش الحر واطياف واسعة من الثوار . كما فرضت عقوبات مالية على احد قادتها المفترضين ويدعى ميسر على موسى عبد الله الجبوري ، وهو عراقي ، وكان عضوا في تنظيم القاعدة في العراق في منطقة الموصل ..
فرضت الجبهة نفسها رأس حربة في القتال ضد نظام بشار الاسد محققة نقاطاً على حساب الجيش السوري الحر المنقسم ضمن مجموعات لا تعد والذي يفتقر الى التنظيم والتجهيز والتمويل الذي تحظى به الجبهة . من دون ان يعرف مصدر هذا الدعم ، وقد وصل الامر الى ان العديد من عناصر الجيش الحر إلتحقوا
بصفوف جبهة النصرة ، خصوصا ان هؤلاء مضى عليهم اربعة اشهر من دون رواتب ، رغم ان راتب الجندي لا يتعدى 150 دولارا شهريا ، وينتشر مقاتلو "النصرة" على ابرز الجبهات في سورية ، زارعين اعلامهم السوداء التي تحمل عبارة "لا إله الا الله " . وهم موجودون ايضا في العديد من القواعد الخلفية مثل اطمة البلدة الحدودية مع تركيا .
عن اهداف الجبهة يقول احد مؤسيسيها ابو محمد الجولاني في بيان محدود التداول إن هدف جبهة النصرة يرمي الى اعادة " سلطان الله الى ارضه".
واستهجن البيان دعوة البعض للإستعانة بقوى غربية للخلاص من نظام حزب البعث الحاكم . واصفا إياها بأنها دعوة شاذة وضالة وجريمة كبرى ومصيبة
عظمى لا يغفرها الله . كما هاجم البيان ايران قائلا إنه: " لا يخفى على كل عاقل السعي الايراني الحثيث مع هذا النظام ( البعث) منذ سنين قد خلت لزرع الصفوية ( أي المذهب الشيعي وفق التاريخ الفارسي) في هذه الارض المباركة لإستعادة الإمبراطورية الفارسية ، فالشام لإيران هي الرئتان التي يتنفس بهما مشروعها البائد " .
وعلى الرغم من قلة المعلومات عن جبهة النصرة ، كون رجالها " يرفضون التحدث الى الصحافيين والى المواطنيين السوريين " ، فإن المعلومات قالت ان عدد مقاتلي الجبهة وصل في حلب وحدها في مرحلة ما الى ستة الاف عنصر.
اما عن فلسفة جبهة النصرة ورؤيتها لما يجري في سورية فيشير احد اعضائها ابي فاطمة الحلبي : " رايتنا الذود عن الاسلام والمسلمين وضرورة نصرة المستضعفين ونحن اقرب الى الشعب السوري " ويوضح " لسنا كما تصورنا بعض الجهات الاعلامية التي سخرت طاقاتها لتشويه صورتنا بأننا ضد النقاش والحوار وإننا غير منفتحين على الاخر" ، مؤكدا " إننا نقبل الاخر ونتحاور معه ونتغاضى عن بعض الاخطاء بغية التوافق والوصول الى المصلحة العامة " .
ويعد الحلبي " غير المسلمين ان يكون تعاملنا معهم بما يرضي الله سبحانه وتعالى وفق تعاليم الشريعة الاسلامية وخصوصا الذين لم يرفعوا السلاح في وجه المسلمين ولم يعملوا على تقوية النظام " ، مشددا على رفضه غير النظام الاسلامي نظاما للحكم في سورية.
في اي حال ، تنقسم اراء الخبراء بين فئة يؤكدون مدى خطورة جبهة النصرة وتغلغلها العميق بين الثوار ، وبين فئة اخرى تقلل من اهمية جبهة النصرة مستندة الى المثال الليبي حيث ذابت الى حد ما كافة المجموعات التي قاتلت في الثورة ، في الوقت الذي يشير فيه البعض الى ان تعظيم حجم جبهة النصرة.
ما هو الا " فبركة اعلامية " من قبل النظام السوري الذي يريد تقديم المشهد السوري للعالم على انه الحرب ضد الارهاب .ولا شك إن وقائع ما جرى في السلمية من تفجير مشؤوم وملتبس وضع الثورة السورية على محك استهداف الاقليات .فتبني " جبهة النصرة " جريمة السلمية ، بعد عدد من الارتكابات ، ينبغي ان يرسم خطا فاصلا بين تفكير الامس وتفكير اليوم، وبين سلوك الامس وسلوك اليوم . فالجماعة التي تقاتل النظام بكفاءة ، على ما قال المدافعون عنها يوم اعتبرها الامريكيون منظمة ارهابية ، إنما تساهم بالتشويش على الثورة بكفاءة اكبر ، مطيلة عمر النظام الذي تقاتله ، وممعنة في تفتيت مجمتع مفتت اصلا.