رام الله، الضفّة الغربيّ — دخلت جامعة بيرزيت، في شمال مدينة رام الله في وسط الضفّة الغربيّة، في أزمة مفتوحة، بعدما أغلقت الكتل الطلّابيّة الجامعة في 16 كانون الأوّل/ديسمبر واعتصمت داخلها حتّى إشعار آخر، ردّاً على سياسة الجامعة حظر الأنشطة الطلّابيّة.
وسبقت إغلاق الجامعة صدامات بين الكتل الطلّابيّة وإدارة الجامعة، بدأت في 11 كانون الأوّل/ديسمبر، بإخلاء الإدارة الحرم الجامعيّ من الطلبة، ردّاً على مسيرة بالزيّ العسكريّ للقطب الطلّابيّ، الذراع الطلّابيّ للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، إحياء لذكرى انطلاقتها، الأمر الذي اعتبرته إدارة الجامعة عملاً مخالفاً للأنظمة والقوانين، وحاولت منعه، قبل أن يقوم بعض الطلبة بتحطيم مدخل الجامعة.
وعلى الرغم من احتواء ما جرى، إلّا أنّ الصدام تجدّد في 16 كانون الأوّل/ديسمبر، خلال احتفال الكتلة الإسلاميّة، الذراع الطلّابيّة لحركة حماس، في ذكرى انطلاقتها الـ32، حين قرّرت الجامعة إخلاء الطلبة منها، نظراً إلى عدم الالتزام بقرار مجلس الجامعة الخاصّ بتجميد النشاطات الطلّابيّة، أو ما تطلق عليه "عسكرة" نشاطات الطلبة، لتقرّر الكتل الطلّابيّة مساء اليوم نفسه إغلاق الجامعة والاعتصام في داخلها.
يعد موقف إدارة الجامعة ممّا أسمته "عسكرة" الأنشطة الطلّابيّة، التي يقوم بها الطلبة في مناسبات معيّنة مثل ذكرى تأسيس الفصائل الفلسطينيّة، السبب المباشر للأزمة الحاليّة، ويقصد بـ"العسكرة" قيام الطلبة بمظاهر مختلفة، كارتداء اللثام (الكوفيّة) الذي يعدّ رمزاً للمناضل الفلسطينيّ، أو تنظيم مسيرة بزيّ عسكريّ، أو استخدام مجسّمات بلاستيكيّة أو كرتونيّة لأدوات المقاومة وأسلحتها.
تعتقد جامعة بيرزيت أنّ هذه الأزمة ستطول لأنّها تختلف عن سابقاتها من الأزمات التي كانت تتمحور حول مطالب نقابيّة، حسب ما قاله نائب رئيس جامعة بيرزيت غسّان الخطيب لـ"المونيتور"، مضيفاً: "الكتل الطلّابيّة التي تمثّل فصائل سياسيّة تريد استخدام رموز عسكريّة في أنشطتها، لكنّ إدارة الجامعة تصرّ على منع ذلك، لسببين هما أنّ ذلك يخالف أنظمة الجامعة وقوانينها التي تمنع ذلك، وأنّ تلك المظاهر تعطي مبرّراً للهجوم والتحريض الإسرائيليّ على الجامعة وإعطاء انطباع بأنّ الجامعة ليست مكاناً للتعليم، وإنّما للتدريب والأسلحة".
وكان الناطق باسم الجيش الإسرائيليّ أفيخاي أدرعي نشر في 4 كانون الأوّل/ديسمبر، تسجيلاً يظهر فيه أنشطة طلبة الكتلة الإسلاميّة في الجامعة، كاشفاً أنّ الجيش الإسرائيليّ اعتقل نشطاء من الكتلة، اتّهم حركة حماس بتجنيدهم لتنفيذ عمليّات ضدّ إسرائيل، متّهماً جامعة بيرزيت بتنظيم فعاليّات تحريضيّة.
وقال الخطيب إنّ "قرار الجامعة منع عسكرة الأنشطة الطلّابيّة ليس جديداً، وكلّ عام يحدث خلاف حول الأمر والحوار في شأنه مستمرّ منذ سنوات"، لافتاً إلى أنّ الأزمة تفجّرت عندما حاولت إدارة الجامعة في 11 كانون الأوّل/ديسمبر منع الطلبة من إدخال بعض المحتويات إلى الجامعة عبر البوّابة الرئيسيّة، حيث قام الطلبة بخلع الباب، لتقع مشادّات بينهم وبين حرس الجامعة، ممّا دفع الإدارة إلى تعليق الدوام، مضيفاً أنّ الصدام تكرّر خلال محاولة الكتلة الإسلاميّة تنظيم فعاليّة بمناسبة انطلاقة حركة حماس في 16 كانون الأوّل/ديسمبر.
وتابع الخطيب: "ما يحدث داخل الجامعة أمر خطير ومسؤوليّة كبيرة تقع على عاتق الإدرة، التي قرّرت تعليق الدوام، لمنع الاحتكاك بين الطلّاب وحرس الجامعة".
وانتقد الخطيب استخدام الطلّاب مجسّمات عسكريّة في المهرجانات وعدم الاكتفاء باللثام أو اللباس العسكريّ، قائلاً: "في السنوات الماضية، استخدم الطلبة مجسّماً كرتونيّاً لدبّابة إسرائيليّة يقومون بتفجيرها، وأحياناً يستخدمون الأنابيب الكرتونيّة في إشارة رمزيّة إلى الصواريخ"، مضيفاً: "الجامعة تحرص على مضمونها الوطنيّ والثوريّ، لكن ليس بهذه الطريقة، وهي تريد وضع حدّ لهذه الظاهرة".
ونفى الخطيب أن يكون قرار الجامعة ناجم عن ضغوط من أيّ طرف، لافتاً إلى أنّ الاعتداءات الإسرائيليّة المتمثّلة في اقتحام الجامعة، واعتقال طلبتها، ليست بجديدة، وهي تتكرّر كلّ عام مرّة أو مرّتين.
وعلى الرغم من أنّ الأزمة في أيّامها الأولى، لكنّ أيّ بوادر لحلّها لا تلوح في الأفق، إذ قال الخطيب: "أعتقد أنّ الأزمة ستطول، لأنّ الطلّاب يعتبرون القضيّة فرض كلمة وموقف، وإدارة الجامعة ترى أنّ هذه المسألة ليست نقابيّة، وهي حسّاسة وتتعلّق باحترام أنظمة الجامعة وقوانينها، وتعرّض الجامعة إلى مخاطر كبيرة، لذلك لا توجد نيّة لديها بالتساهل، فالتهاون في النظام والقانون سيكون بداية نهاية الجامعة".
ورفع الطلبة من سقف مطالبهم، مع بدء اعتصامهم داخل الجامعة ووضعوا لائحة مطالب لفكّ الاعتصام، إذ قال ممثّل القطب الطلّابيّ في مجلس الطلبة وسام عويضات لـ"المونيتور" إنّ "الكتل الطلّابيّة اضطرّت إلى الذهاب إلى اعتصام مفتوح داخل الجامعة، بسبب موقف الإدارة من الأنشطة الطلّابيّة".
وأكّد عويضات أنّ أبرز المطالب الطلّابيّة هي تعهّد الجامعة بعدم رفع أقساط الدراسة، وتخصيص جزء من أرباح المركز التجاريّ الجديد في الجامعة لدعم صندوق الطالب المحتاج، وتحسين جودة الخدمات في العيادة الطبّيّة في الجامعة، لافتاً إلى أنّ إدارة الجامعة ترفض الحوار مع لجنة ممثّلي الكتل الطلّابيّة.
وحول موقف الطلّاب من قرار إدارة الجامعة في شأن عسكرة النشاطات الطلّابيّة، أكّد عويضات أنّ "هذا الموضوع لن يطرح على طاولة الحوار مع إدارة الجامعة، ولن يتمّ مناقشته أو النظر فيه بأيّ شكل من الأشكال"، في إشارة منه إلى أنّ الكتل الطلّابيّة ترفض موقف الجامعة.
وقال عويضات: "ما تقوم به الكتل الطلّابيّة أمور رمزيّة وليس مظاهر عسكريّة، نحن لا نقوم بعروض عسكريّة"، لافتاً إلى أنّ تلك المظاهر هي إرث العمل الطلّابيّ في الجامعة.
بدوره، قال سكرتير نقابة العاملين في الجامعة سامح أبو عوّاد لـ"المونيتور": " نحن نرفض وصف الجامعة للمهرجانات الطلّابيّة بـ"العسكرة"، لافتاً إلى أنّ " قرار الجامعة في شأن الأنشطة الطلّابيّة ناجم عن ضغوط تمارس عليها، فهناك تحريض إسرائيليّ على الجامعة، وتهديد غير مباشر من بعض المانحين (لم يذكرهم) بقطع المنح عن الجامعة إذا استمرّت هذه الأنشطة"، بعدما تعرّضت سابقاً إلى قطع التمويل من جهات مانحة، منها فرنسيّة ونرويجيّة.