مدينة غزّة، قطاع غزة — في خطوة نادرة، صادق المجلس الوزاريّ الإسرائيليّ المصغّر الـ"كابينت"، يوم الثلاثاء في 30 تمّوز/يوليو، على بناء 715 منزلاً للفلسطينيّين في المناطق المصنّفة "ج"، وذلك قبل يوم من وصول مستشار الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب، جاريد كوشنر إلى إسرائيل، في إطار استعدادات الإدارة الأميركيّة لنشر تفاصيل خطّة السلام المعروفة بـ"صفقة القرن" في غضون الأشهر المقبلة.
لكنّ خطّة البناء التي بادر إليها رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو والتي تعطي الضوء الأخضر لبناء 6 آلاف وحدة استيطانيّة في الضفة الغربية في الوقت ذاته، لاقت رفضاً فلسطينيّاً وغضباً في أوساط اليمين الإسرائيليّ.
وقالت وزارة الخارجيّة الفلسطينيّة في بيان يوم الثلاثاء 30 يوليو، إنّ "الحكومة الإسرائيليّة تثبت يوماً بعد يوم أنّها تتعامل مع المناطق الفلسطينيّة المحتلّة المصنّفة "ج" على أنّها مخزون استراتيجيّ للاستيطان"، محذّرة من محاولة إسرائيل تحويل كلّ المستوطنات والبؤر إلى كتلة استيطانيّة واحدة متّصلة جغرافيّاً، بما "يشبه دولة يهوديّة للمستوطنين على أرض الضفّة الغربيّة".
وأضافت أنّ تلك المخطّطات "تعكس إنكاراً إسرائيليّاً رسميّاً لوجود الاحتلال وإمعاناً في التعامل مع الضفّة الغربيّة كجزء من دولة الاحتلال"، ووصفتها بـ"محاولة تضليل العالم عبر تجميل عمليّات توسيع الاستيطان وتعميقه بموافقات شكليّة ووعود وهميّة بالسماح للفلسطينيّ بالبناء على أرض وطنه".
إلى ذلك، رفض عدد من رؤساء مجالس المستوطنات في إسرائيل مقترح نتنياهو، وطالبوا الحكومة الإسرائيليّة بالتعامل بقضيب من حديد مع البناء الفلسطينيّ في هذه المناطق (ج)، حسب ما أورده موقع قناة i24 News الإسرائيليّ في 30 يوليو. وطالبوا أيضاً بالسماح بمشاريع البناء الاستيطانيّة في الضفّة الغربيّة وغور الأردن من دون قيد أو شرط.
وبموجب اتّفاقيّة أوسلو الموقّعة في عام 1995 بين منظّمة التحرير الفلسطينيّة وإسرائيل، تخضع المناطق "ج" إلى السيطرة الأمنيّة والإداريّة الإسرائيليّة. وتشكّل هذه المناطق أكثر من 60% من أراضي الضفّة الغربيّة ويريد الفلسطينيّون إقامة دولتهم على هذه الأراضي، وفق مبدأ حلّ الدولتين.
من ناحيته، قال عضو اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة تيسير خالد، إنّ إسرائيل لا تملك الحقّ في السماح للفلسطينيّ بالبناء على أرضه ووطنه في إشارة إلى أنها غير مخولة إصدار تراخيص بناء، ووصف القرار بأنّه "جريمة حرب".
وقال لـ"المونيتور": "هذه أرض فلسطينيّة محتلّة، وهي خاضعة إلى الحكم العسكريّ الإسرائيليّ. ما يجري في المناطق المصنّفة "ج"، وفق الاتّفاقات الموقّعة مع إسرائيل غير قانونيّ، ومخالف لقرارات الشرعيّة الدوليّة، بما فيها قرار مجلس الأمن الدوليّ 2334 الصادر في كانون الأوّل/ديسمبر 2016"، والذي يطالب إسرائيل بوقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، بما فيها القدس الشرقيّة.
واعتبر خالد أنّ خطّة نتنياهو "مناورة سياسيّة"، موضحاً بالقول: "قبل أيّام، هدمت السلطات الإسرائيليّة بيوت الفلسطينيّين في واد الحمص في بلدة صور باهر (في جنوب القدس)، والتي تصنّف ضمن المناطق "أ"، وأمام هذه الجريمة، يريد أن يقدّم نفسه باعتباره متساهلاً في البناء للفلسطينيّين في المناطق "ج"، من أجل امتصاص ردود الفعل الدوليّة التي أدانت جريمة الهدم في واد الحمص".
وقال إنّ الخطّة تشي بنوايا مطروحة على الطاولة الإسرائيليّة بضمّ المناطق "ج"، ونتنياهو يسعى عبر قراره الأخير إلى قياس ردود الفعل استباقيّاً، وفق قوله.
وعن سبل المواجهة التي تطرحها منظّمة التحرير الفلسطينيّة، قال إنّها تملك أدوات ضاغطة لمواجهة هذه السياسة الإسرائيليّة العدوانيّة التوسّعيّة، وأهمّها وقف العمل بالاتّفاقيّات التي تمّ التوقيع عليها، بما في ذلك وقف التنسيق الأمنيّ وسحب الاعتراف بإسرائيل، والتقدّم بخطوات منسّقة مع كلّ الجهات المعنيّة لتنفيذ مقاطعة شاملة للبضائع الإسرائيليّة ومنع دخولها إلى السوق المحلّيّ.
وأضاف: "نستطيع أن نواجه وأن نقلب الطاولة في وجه حكومة إسرائيل، وندفع نحو فكّ ارتباط شامل مع الاحتلال"، إضافة إلى التحرّك على الصعيد الدوليّ بالتوجّه إلى الأمم المتّحدة تحت البند السابع "الاتّحاد من أجل السلام" بهدف محاصرة ومحاكمة إسرائيل وإدانة ممارساتها في الأراضي الفلسطينيّة، وفق قوله.
واعتبر طلال عوكل، المحلّل السياسيّ والكاتب في صحيفة الأيّام المحلّيّة، القرار الإسرائيليّ أسلوب تغطية لسياسة تشريع الاستيطان الإسرائيليّ وتكثيفه في آن واحد، وقال لـ"المونيتور" إنّ "قرار الـ"كابينت" الأخير لا يعني مطلقاً توسيع صلاحيّات السلطة الفلسطينيّة على الأراضي المصنّفة "ج"، ولا يعني أنّ إسرائيل توقّفت عن التفكير في ضمّ هذه المناطق".
وأضاف أنّ نتنياهو يرغب في إرسال رسائل طمأنة إلى الإدارة الأميركيّة والدول العربيّة التي شاركت في ورشة البحرين المنعقدة في حزيران/يونيو الماضي، مفادها "أنّ إسرائيل مرنة في التعاطي مع صفقة القرن، وكذلك تهدف (الرسالة) إلى تشجيع الدول العربيّة على حضور مؤتمر كامب ديفيد المزمع عقده في أيلول/سبتمبر المقبل".
ومن ناحية أخرى، قال أستاذ القانون الدوليّ بجامعة القدس بالضفة، حنّا عيسى، إنّ إسرائيل تعي أنّ هذه أراضي محتلّة وبالتالي يقع عليها تطبيق بنود اتّفاقيّتي لاهاي لسنة 1907 وجنيف الرابعة لسنة 1949، وبالتالي يجب أن تحتكم إلى قواعد القانون الدوليّ وإلى قرارات الشرعيّة الدوليّة في هذا الخصوص، لكنّ إسرائيل تخالف الاتّفاقيّات الموقّعة عليها وقواعد القانون الدوليّ وقرارات مجلس الأمن الدوليّ وتنهال على الفلسطينيّين بمصادرة أراضيهم بالبناء الاستيطانيّ وخصوصاً في المنطقة "ج".
وأوضح في اتّصال مع الـ"المونيتور" أنّ إسرائيل تسيطر في المنطقة "ج" على 282 ألف و174 دونماً في حين يملك الفلسطينيون 18 ألف و243 دونماً للفلسطينيّين، كذلك تستغلّ إسرائيل نحو 8,5% من مساحة تلك الأراضي التي تسيطر عليها في المنطقة ج لصالح الاستيطان فيما تسمح للفلسطينيين باستغلال أقلّ من 1% من مساحة هذه الأراضي.
وأشار إلى أنّه يقطن المنطقة "ج" أكثر من 400 ألف مستوطن يسكنون في ما يتجاوز الـ150 مستوطنة وأكثر من مئة بؤرة استيطانيّة، إضافة إلى 350 ألف فلسطينيّ يقطنون في 532 قرية. وخلص عيسى إلى أنّ "إسرائيل تفكّر في ضمّ مناطق "ج" إلى سلطتها، وتعتبر أنّها انتصرت في حرب حزيران/يونيو 1967، وأنّ هذه الأراضي من حقّها".