القاهرة - نفّذت الأجهزة التنفيذيّة في الإسكندريّة في 19 آب/أغسطس الجاري، قراراً بهدم مسجد الولي الصوفيّ برهان الدين أبو الإخلاص الزرقاني الذي يشمل ضريحاً ومستشفى وجمعيّة خيريّة، إضافة إلى المسجد، وصاحب الضريح هو برهان الدين أبو الإخلاص الزرقاني مؤسّس الطريقة الإخلاصيّة الصوفيّة العليا، والذي توفّي في عام 1979. ويرجع قرار الهدم، إلى إعاقته تنفيذ مشروع محور المحموديّة، وهو أحد المشاريع القوميّة التي تجري في الإسكندريّة، ويتضمّن إنشاء محور مروريّ وتنمويّ متكامل بتكلفة 5.5 مليارات جنيه (نحو 330 مليون دولار)، لحلّ الأزمات المروريّة. ومنذ حوالى 8 أشهر، أخذت الأمور في الشدّ والجذب بين أنصار الزرقاني الذين أصرّوا على عدم نقل المسجد أو هدمه واعتصموا في المسجد، وبين الجهات المعنيّة التي تريد الهدم تنفيذاً للمشروع.
تدخّل الرئيس المصريّ عبد الفتّاح السيسي كطرف في الأزمة، ووجّه في 17 آب/أغسطس الجاري بإنهاء المعوقات التي تواجه استكمال مشروع محور المحموديّة، وبينها المسجد الذي يتقاطع مع خطّ سير المشروع.
وقال السيسي في كلمة متلفزة عقب افتتاحه أحد المشاريع في 17 آب/أغسطس الجاري إنّ "المسجد والضريح يعيقان الحركة في المحور، وهذا لا يرضي النبيّ محمّد، وقلنا رشّحوا لنا مكاناً جديداً ونعمل مسجداً طبق الأصل وأحسن".
رحّب الصوفيّون الذين يعرفون بتأييدهم المطلق للنظام المصريّ، وتبلغ أعدادهم مئات الآلاف، بقرار السيسي هدم الضريح ونقله إلى مكان آخر، من خلال تأكيد وكيل مشيخة الطرق الصوفيّة في الإسكندريّة محمّد صفوت فودة ذلك، وهو موقف على النقيض من موقفهم الرافض للمساس بأضرحتهم.
الجدير بالذكر أنّ دار الإفتاء المصريّة لها العديد من الفتاوى التي تحرّم هدم الأضرحة.
عن هذا الشأن، تحدّث رئيس لجنة الفتوى السابق في الأزهر الدكتور عبد الحميد الأطرش لـ"المونيتور"، وقال إنّ "الإسلام يحترم الإنسان ميّتاً كاحترامه حيّاً، وقال النبيّ محمّد "كسر عظم الميّت ككسر عظمه حيّاً"، أي أنّه لا يجوز إيذاء الميّت، لذلك نهى النبيّ محمّد عن الجلوس على القبر، لأنّ للمقابر حرمة كحرمة المساجد، فإذا ما تبيّن أنّ هذا الضريح توجد فيه جثّة، يجب احترام هذا المكان وعدم الاعتداء عليه لأيّ سبب من الأسباب، إلّا إذا أصبح وجود الضريح يسبّب ضرراً، فتلفّ الرفات في قماش أبيض وتدفن في مكان آخر، وفي حالة ضريح برهان الدين أبو الإخلاص الزرقاني، فإنّ إعاقته لمشروع تنمويّ كبير كمحور المحموديّة تعدّ ضرراً كبيراً يستلزم نقلة خاصّة، وإنّ الدولة وعدت ببناء 14 مسجداً في شكل عصريّ على جانبي الطريق، بدلاً من المساجد التي تمّ هدمها.
قال أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر أحمد كريمة لـ"المونيتور": "الشرع الإسلاميّ يقدّم المصلحة العامّة على المصلحة الخاصّة، والنبيّ محمّد عندما بدأ ببناء المسجد النبويّ في المدينة المنوّرة، وجد مقابر ترجع إلى عصور قديمة، فأمر بجمعها والتعامل معها باحترام بصرف النظر عن معتقد هؤلاء الموتى أو دينهم ودفنها في مكان آخر. وبناء عليه، تمّ تأسيس حقّ الارتفاق الذي يقدّم المصلحة العامّة على المصلحة الخاصّة في الشريعة الإسلاميّة، لذا فإنّ قرار الرئيس السيسي بهدم الضريح يتّفق مع الشريعة الإسلاميّة، خصوصاً أنّها ليست السابقة الأولى، حيث نقلت مئات المقابر لشقّ شارع صلاح سالم، أحد أكبر شوارع القاهرة.
وأنكر كريمة على المعتصمين القيام بالاعتصام داخل المسجد، واصفاً إيّاه بسلوك غوغائيّ من غير ذوي صفة، وإن كانوا أصحاب قضيّة وحقّ، لذهبوا إلى القضاء المصريّ ليفصل في الأمر.
وقال مصدر مسؤول في جمعيّة أهل الذكر الإخلاصيّة التي تشرف على الضريح والمستوصف، فضّل عدم اسمه، لـ"المونيتور": "ذهبنا لعرض قضيّتنا على ديوان رئاسة الجمهوريّة ورئاسة قيادة المنطقة الشماليّة العسكريّة، فرفضتا التعامل معنا لأنّنا لسنا ذا صفة قانونيّة، ولم نجد سبيلاً إلّا التعامل مع إدارة الأمن الوطنيّ في الإسكندريّة، فقامت الإدارة برفع توصية إلى الإدارة في القاهرة للإبقاء على الضريح مقابل هدم المسجد والمستوصف، إلّا أنّنا فوجئنا بهدم الضريح".
قال وكيل مشيخة الطرق الصوفيّة السابق في الإسكندريّة الشيخ جابر القاسم لـ"المونيتور": "تمّ نقل ضريح وجثماني الإمام الزرقاني وشقيقته أمّ محمد في شكل موقّت إلى ميدان المساجد في جوار مسجد المرسي أبو العبّاس في منطقة بحري، وسط إجراءات أمنيّة مشددة، علماً أنّ المسجد لا ينتسب إلى مشيخة الطرق الصوفيّة".
د. سعيد صادق أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية قال ل"المونيتور": "دعم الصوفية لنظام الرئيس السيسي ودعم أجهزة الدولة التنفيذية للصوفية اجتماعيا ودينيا وسياسيا ليس مفاجئ، فالصوفية أكبر تجمع إسلامي في مصر يتجاوز 15 مليون مواطن، وترى الصوفية أن تغيير الأمور للأفضل يكون باللجوء لله، وهو ما يخالف تيارات الإسلام السياسي الأخرى التي تسعي للتغيير من خلال الوصول إلى الحكم أو اللجوء إلي العنف".
وأوضح "أجهزة الدولة التنفيذية ممثلة في وزارة الأوقاف والداخلية تقدم كل الدعم والحماية للمساجد والأضرحة الصوفية".
وأضاف "الصوفية تلجأ للطرف الأقوى الذي يوفر لها الحماية فهم يدعمون السيسي وسبق أن وفروا الدعم للرئيس السابق حسني مبارك لأنها ليس لديها ميليشيات وغير مستعدة للعنف في مواجهه عدوها اللدود التيار السلفي الذي عادة ما يكون مستعد لاستخدام العنف لتحقيق معتقداته لذا فهي تريد أن تكون قريبة من النظام المصري الحالي ولن تتصادم معه من اجل ضريح سيتم نقله فتفضل أن تكون في كنف النظام المصري وتشاهد وتتابع عن كثب التحالف التكتيكي بين نظام الرئيس السيسي والسلفيين الذي يستخدمهم في مواجهه تنظيم الإخوان المسلمين وفي نفس الوقت يحجم أي نشاط لهم ضد الصوفية وأضرحتها".
ولفت النظر إلي أن الصوفية لم تفكر بإنشاء حزب سياسي إلا بعد ثورة 25 يناير 2011 لأنه كان سيمثل مظلة حماية لمعتقداتهم ضد السلفيين الذين أعلنوا عن إنشاء حزب ثم ما لبست أن تراجعت الصوفية عن هذا الأمر لأنهم وجدوا أنفسهم غير مهيئين له وأيضا مخالف لما يأمرون به أتباعهم من عدم الدخول في معترك الحياة السياسية كمقصد دنيوي وعندما وجدت الصوفية مظله حماية لمعتقداتها في الرئيس السيسي وفرت له الدعم والحشد الانتخابي بهدف حماية الأضرحة ومعتقداتهم في مواجهه السلفية، وتم مكافأة الصوفية بتولي الدكتور عبد الهادي القصبي شيخ مشايخ الطرق الصوفية رئاسة ائتلاف دعم مصر ذو القوة المهيمنة والاغلبية داخل البرلمان المصري.