في محاولة لاستعادة مكانته عالميّاً مرّة أخرى، أعلنت وزارة قطاع الأعمال المصريّة بـ30 حزيران/يونيو عن نظام جديد لتداول القطن في مصر يبدأ تنفيذه تجريبيّاً في محافظتيّ الفيّوم وبني سويف خلال الموسم الحاليّ 2019، وهو يهدف إلى التغلّب على سلبيّات نظام التداول السابق وتحقيق أعلى عائد للمزارعين.
أوضح وزير قطاع الأعمال العام هشام توفيق خلال اجتماع عقده الثلاثاء، في 6 آب/أغسطس، مع رؤساء شركات تجارة الأقطان من القطاع الخاص والتابعة لقطاع الأعمال العام، لعرض نظام التداول الجديد للقطن، أنّ النظام الجديد بدأ بتحديد 17 مركزاً لاستلام الأقطان في محافظتيّ الفيّوم وبني سويف، وذلك بموجب البطاقة الشخصيّة وبطاقة الحيازة الزراعيّة، وذلك لضمان عدم حدوث أيّ غشّ في الأكياس عن طريق وسطاء.
ووفقاً للنظام الحديث، سيتمّ توفير أكياس جديدة للمزارع مصنّعة من "الجوت"، في الأسبوع الأوّل من آب/أغسطس الجاريّ، في مراكز استلام الأقطان الجديدة التي تديرها إحدى الشركات التابعة للشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج، وهي أكبر مستهلك نهائيّ للأقطان في مصر.
وكان النظام القديم لتسلم الحكومة القطن من الفلاحين، عن طريق تحديد الحكومة لسعر الضمان وهو سعر ثابت لمحافظات الوجه القبلي وسعر اخر لمحافظات الوجه البحري، ففي عام 2018 أعلنت الحكومة عن تسعير القطن، بقيمة 2700 جنيه للقنطار لمحافظات الوجه البحرى، و2500 جنيه وجه قبلى، وهى القيمة التى اعترض عليها الفلاحون، ووصفوها بـ«غير العادلة» لأنها لن تعود عليهم بتكلفة الزراعة.
المنظومة الجديدة التي أقرّها وزير قطاع الأعمال كانت محلّ رفض كبير من قبل الفلاّحين، الذين أكّدوا أنّ هذا القرار من شأنه القضاء على زراعة القطن بالكامل. كما يزيد من معاناة الفلاّحين التي استمرّت على مدى السنوات الأخيرة.
وأكّد سيّد ربيع، وهو أحد تجّار القطن في محافظة بني سويف، أنّ نجاح النظام الجديد في إعادة القطن المصريّ إلى مكانته يعتمد في المقام الأوّل على تدخّل الدولة لحماية الفلاّح ووجود رقابة شديدة، مشيراً إلى أنّ هناك تخوّفات من إمكانيّة تلاعب الشركات الخاصّة بأسعار القطن وخفض سعر شرائه من الفلاّحين، الأمر الذي يؤدّي إلى العزوف عن زراعته، كما حدث خلال الـخمس سنوات الماضية، موضحاً أنّ منظومة تداول القطن الجديدة ستكون بمثابة بورصة سلعيّة، وسيرتبط السعر بتغيّر يوميّ، وفقاً لاتّجاهات السوق العالميّة التي يصعب تحديدها الآن.
وفي أيّار/مايو من العام الجاري، أصدر الجهاز المركزيّ للتعبئة العامّة والإحصاء، النشرة السنويّة للقطن للربع الثاني من الموسم الزراعيّ 2018/2019، وقال الجهاز: إنّ إجماليّ صادرات القطن بلغ 3,579 ألف قنطار متريّ خلال الفترة الممتدّة من كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2018 حتّى شباط/فبراير من عام 2019، مقابل 7,379 ألف قنطار متريّ في الفترة نفسها من الموسم السابق.
من جهته، أكّد نقيب الفلاّحين حسين عبد الرّحمن أبو صدام إلغاء العمل بآليّة سعر ضمان شراء القطن من الفلاّحين، لافتاً إلى أنّ شراء القطن من الفلاّحين في بداية الموسم المقبل عن طريق المزايدة على أساس السعر العالميّ لبورصة القطن سيدمّر زراعة القطن ويظلم المزارعين، موضحاً أنّ الحكومة تراجعت عن الاهتمام بالفلاّح. كما تراجعت عن الاهتمام بزراعة القطن، مؤكّداً انتكاسة زراعة القطن هذا العام وتقلّصها عن العام الماضي بنحو 100 ألف فدّان.
وأوضح في اتّصال هاتفيّ مع "المونيتور" أنّ الحكومة وضعت في عام 2018 سعر ضمان 2700 جنيه لقنطار قطن وجه بحريّ و2500 جنيه لقنطار قطن وجه قبليّ، الأمر الذي بدا كأنّه انتعاشة لزراعة القطن، حيث تمّت زراعة 336 ألف فدّان، قبل أن تنهار زراعته، مرّة أخرى، بسبب فشل تسويقه الموسم الماضي ، نظراً لمواجهة المحصول أزمة تسويقية بالوجه البحري بسب رفض الشركات والجمعيات الزراعية التعاقد على شراء المحصول من المزارعين، لزيادة سعر الفائدة والتكلفة، ولجوء الشركات إلى استيراد الأقطان الأجنبية منخفضة السعر.
وعن اسباب تخوف الفلاحين من النظام الجديد قال مفرح البلتاجي عضو اتحاد مصدري الأقطان :"ان تطبيق نظام المزايدة، سيواجه صعوبات في التطبيق، فسعر الأساس الذي يحدّد قبل بدء كل مزايدة سيتحرك صعودا وهبوطا وفقا للأسواق العالمية، وهذا لن يقبله المزارعون في مصر، لأنهم لم يصلوا بعد إلى مرحلة تقبّل تلك التقلّبات، خاصة حال تراجع الأسعار من أسبوع إلى آخر".
وأضاف "البلتاجي" في تصريحه لـ"المونيتور" :"النهوض بصناعة القطن يتطلب استمرار زراعته وتصديره مع إنشاء صندوق موازنة للقطن ليوازن أسعاره، إذ يتم تحديد سعر أساس ثابت مع بداية موسم البيع تضمنه الحكومة، وحال تراجع سعر القطن عالميا يتم تعويض المزارعين من الصندوق بمقدار قيمة الانخفاض".
بدوره، رأى عضو لجنة الزراعة والريّ في مجلس النوّاب محمّد سعد تمراز أنّ الفلاّح المصريّ هذا العام أصيب بكمّ كبير من الإحباط، وهذا القرار سوف يكون دافعاً قويّاً لعزوفه عن زراعة المحاصيل الزراعيّة التي ترغب الحكومة في تحقيق الاكتفاء منها.
أضاف: "إنّ الحكومة طالبت خلال العام الماضي الفلاّحين بزراعة 250 ألف فدّان قطن، ووعدتهم بتسلّم القطن بسعر ضمان 3000 جنيه. وعندما حان موعد جمع المحصول، أصبح الفلاّح في حيرة من أمره لأنّ الحكومة لم تف بما وعدت به، والفلاّحين لم يستطيعوا بيعه.
وأشار إلى أنّ بعض الفلاّحين لم يتمكّنوا من بيع محاصيل العام الماضي حتّى الآن، مشدّداً على أنّ هذا القرار عمليّة متّفق عليها مسبقاً لإحباط بيت المزارع المصريّ وخرابه، فما يحدث هو مقدّمة لخراب بيت آتٍ لا محالة.
وقال حسين عبد الرّحمن أبو صدام: إنّ مصر، التي كانت تزرع مليونيّ فدّان، في خمسينات القرن الماضي، عجزت عن تسويق إنتاج 236 ألف فدّان خلال عام 2019، ولم تف الحكومة بوعودها السابقة، التي قطعتها على نفسها، بشراء القطن من الفلاّحين بسعر الضمان، الذي أعلنته، مخالفة بذلك المادّة 29 من الدستور، التي تنصّ على التزام الحكومة شراء المحاصيل الأساسيّة من الفلاّحين بهامش ربح. ولقد استغلّ السماسرة والتجّار هذا التخلّي الحكوميّ عن القطن من أجل أن يشتروه من الفلاّحين بأبخس الأسعار، وهو ما أدّى إلى عزوف الفلاّحين بمعظمهم عن زراعة القطن هذا العام وما يهدّد أيضاً مستقبل زراعة القطن المصريّ.
أضاف أبو صدام: إنّ مصر كانت تتربّع على عرش إنتاج القطن الأبيض الطويل التيلة والفائق الطول، حتّى صدور القانون 210 لسنة 1994 بتحرير تجارة القطن، وهو ما أدّى إلى خسائر كبيرة لدى شركات الغزل والنسيج وإغراقها في المديونيّات، بسبب زيادة أسعار القطن، نتيجة تحرير سعره في هذا الوقت، وتخلّت الدولة عن القطن تدريجيّاً، فأصبحت مصر تصدّر القطن خامّ بأبخس الأسعار إلى دول العالم لتصنّعه وتعيد تصديره إلينا بأسعار تفوق الخيال.