القاهرة — للمرّة الأولى منذ عزل الرئيس الإخوانيّ محمّد مرسي في حزيران/يونيو 2013، تعلن جماعة الإخوان المسلمين في مصر، عدم مطالبتها بالسلطة حال سقوط نظام الرئيس المصريّ الحاليّ عبد الفتّاح السيسي، وأيضاً توقّف الجماعة عن أيّ نشاط سياسيّ والسماح لأعضائها بالانخراط في العمل السياسيّ عبر الأحزاب السياسيّة الأخرى.
كان بيان الجماعة الذي نشر على موقعها الرسميّ في 29 حزيران/يونيو الماضي، كاشفاً عن استرايجيّة جديدة للجماعة خلال الفترة المقبلة، تقوم على التنسيق مع القوى السياسيّة اليساريّة والليبراليّة داخل مصر، لتحرير سجناء الرأي وإسقاط نظام السيسي.
وقالت الجماعة في البيان الذي حصل "المونيتور" على نسخة منه عبر البريد الإلكترونيّ أيضاً: "نؤمن بأنّ مساحة العمل السياسيّ العامّ على القضايا الوطنيّة والحقوق العامّة للشعب المصريّ، والقيم الوطنيّة العامّة وقضايا الأمّة الكلّيّة، هي مساحة أرحب للجماعة من العمل الحزبيّ الضيّق والمنافسة على السلطة، وسنعمل في مرحلة ما بعد إنهاء الانقلاب العسكريّ كتيّار وطنيّ عامّ ذي خلفيّة إسلاميّة، داعمين للأمّة ونمارس الحياة السياسيّة في إطارها العامّ".
واعترفت الجماعة في البيان نفسه بما قالت إنّها "أخطاء وقعت فيها خلال فترة حكمها"، حيث قالت في البيان: "قمنا بمراجعات داخليّة متعدّدة، وقفنا خلالها على أخطاء قد قمنا بها في مرحلة الثورة ومرحلة الحكم، كما وقفنا على أخطاء وقع فيها الحلفاء والمنافسون من مكوّنات الثورة، وقد تسبّبت تلك الأخطاء والخلافات في تمكين الثورة المضادّة من زمام الأمور".
تواصل "المونيتور" مع محلّلين سياسيّين وقيادات إخوانيّة خارج مصر وقيادات سياسيّة يساريّة، لمناقشتهم في ما جاء في بيان الإخوان المسلمين من الاعتراف بالأخطاء للمرّة الأولى، ورأي القوى السياسيّة هذه من دعوة الجماعة إلى العمل والتنسيق داخل مصر.
في البداية، قال القياديّ الإخوانيّ الهارب في تركيا منذ عام 2014 مراد غراب إنّ الجماعة "تحاول إعادة بناء الثقة بينها وبين كلّ التيّارات السياسيّة داخل مصر، للعمل معاً لمواجهة نظام السيسي بعد سنوات من القمع".
وأضاف غراب لـ"المونيتور" إنّ قيادات التنظيم "ترى أنّ حلّ الجماعة ودمج عناصر الإخوان المسلمين مع التيّارات السياسيّة المختلفة، والعمل مع اليساريّين والليبراليّين، هما أهمّ خلال الفترة الحاليّة من التمسّك بالسلطة".
وأضاف: "نحن نقول لكلّ التيّارات السياسيّة إنّنا الآن منفتحون أكثر من أيّ وقت مضى، ولا نريد السلطة ولكن نريد الحرّيّة لمصر من النظام القمعيّ".
ورفض غراب في تصريحاته، الكشف عن الآليّة التي من خلالها تمّ اتّخاذ قرار كتابة البيان وإصداره، كما رفض الإفصاح عن القوى السياسيّة التي ستتواصل معها الجماعة خلال الفترة المقبلة، مكتفياً بالقول: "نحاول التنسيق مع الجميع، ونرحّب بالعمل مع الجميع".
من جانبه، قال محمود شعبان بيومي، باحث في جامعة اسطنبول أيدين، ومقيم في تركيا، لـ"المونيتور" إنّ البيان "يحتوي على العديد من التناقضات الكبيرة بين فكر الإخوان المسلمين ونهجهم وبين ما يدعون إليه".
وأضاف بيومي: "فكرة تأسيس الإخوان المسلمين في الأساس كانت بهدف التنافس على السلطة وتأسيس دولة تحكمها الشريعة الإسلاميّة، وهذا ما قدّمت به جماعة الإخوان المسلمين نفسها طوال 80 عاماً منذ التأسيس، ولكن أن تأتي في لحظة وتقول أنّها غير مهتمّة بالسلطة ولن تطالب بها، فهذا صلب التناقض".
وطالب بيومي بـ"الكشف عن الإجراءات والمناقشات التي أدّت إلى إصدار هذا البيان، حتّى نعرف كيف للإخوان المسلمين أن يغيّروا نهجهم بهذه الطريقة".
وأشار بيومي إلى المزيد من التناقضات، حيث قال: "إنّ الجماعة التي دعت على مدار 6 سنوات مضت منذ عزل الرئيس الأسبق محمّد مرسي في عام 2013، إلى التظاهرات والاحتجاجات، تنهي ذلك كلّه في بيان".
وأضاف بيومي أنّه يعتقد أنّ "البيان غير موجّه إلى القوى السياسيّة المدنيّة واليساريّة في مصر، خصوصاً وأنّ الجماعة تعلم أنّ هذه القوى لا تفضّل العمل مع الإخوان المسلمين".
وتابع: "ولكنّني أتصوّر أنّ البيان موجّه إلى بعض الدول الخليجيّة والأوروبّيّة التي ترفض الإخوان المسلمين، وكأنّه رسالة من الجماعة إلى هذه الدول بأنّها لن تزعج الخليج بالمطالبة بالسلطة، مقابل أن تعود إلى العمل الشرعيّ داخل مصر مرّة أخرى".
في سياق متّصل، تواصل "المونيتور" مع قياديّ سياسيّ يساريّ بارز، وعضو في أحد التحالفات السياسيّة البارزة، وتحدّث حول دعوة الإخوان المسلمين إلى التنسيق مع الجميع وموقف القيادات الحزبيّة منهم، لكنّه طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنيّة.
وقال القياديّ اليساريّ أنّ "لا أحد يريد التنسيق مع جماعة الإخوان المسلمين داخل مصر، وأن تجربتها السابقة في الحياة السياسيّة والحكم لا تغفر لها، خصوصاً وأنّها مارست حكماً مستبدّاً خلال عام حكمت فيه مصر".
وأضاف المصدر: "جاء في بيان الإخوان المسلمين أنّهم أدركوا الأخطاء التي وقعوا فيها، ولكن علينا أن نعرف ما هي الأخطاء التي تتحدّث عنها الجماعة، هل لأنّها أقصت كلّ الأحزاب من الحياة السياسيّة وتحالفت مع السلطة العسكريّة في مصر بعد ثورة كانون الثاني/يناير؟ أو أنّها رفضت الاستماع إلى مطالب الشارع في عام 2013 ورفضت إجراء انتخابات رئاسيّة مبكرة كانت من الممكن أن تنقذنا من حكم الجيش كما نحن الآن"؟
وحول مناقشة دعوة الإخوان المسلمين داخل تحالفه السياسيّ، قال المصدر: "الإخوان المسلمون خصم وعدوّ سياسيّ وأيديولوجيّ، مثله مثل الحكم العسكريّ، مطالبنا تتقاطع في ما يخصّ الدعوة إلى وقف القمع في مصر والإفراج عن المعتقلين السياسيّين وغيرها من المطالب، ولكن ذلك لا يعني أنّنا سنعمل معاً".