مدينة غزّة، قطاع غزّة: في تراجع خطير عن تفاهمات التهدئة الخاصّة بتقديم تسهيلات إلى سكّان غزّة، أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفخاي ادرعي في ١٢ يونيو/حزيران فرض طوق بحري كامل على قطاع غزة حتى إشعار آخر، ما يحول دون خروج الصيادين الفلسطينيين إلى البحر، وذلك بذريعة مواصلة إشعال الحرائق وإطلاق البالونات الحارقة من القطاع باتجاه إسرائيل، وكانت البالونات الحارقة قد أحدثت في ١٢ يونيو/حزيران ما يقارب سبع حرائق في حقول مستوطنات غلاف غزة، ويأتي هذا الحظر بعدما قرّرت السلطات الإسرائيليّة مساء الـ11 من حزيران/يونيو تقليص مساحة الصيد أمام سواحل قطاع غزّة إلى 6 ميل، بعد أن قررت في 5 حزيران/يونيو، تقليصها إلى 10 ميل بدلاً من 15 ميلاً، بحجّة استمرار إطلاق بالونات حارقة على مستوطنات غلاف غزّة، من قبل متظاهري مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار.
وشهد بحر قطاع غزّة خلال الشهرين الماضيين تذبذباً في فتح المساحة المتاحة للصيّادين وإغلاقها، إذ قرّرت إسرائيل توسعة مساحة الصيد في بحر قطاع غزّة إلى مسافة أقصاها 15 ميلاً في مطلع نيسان/أبريل الماضي، وذلك ضمن خطوات المرحلة الأولى من تفاهمات التهدئة التي تقودها مصر بين حماس وإسرائيل، وتمّ الاتّفاق عليها في نهاية آذار/مارس، وكان من المفترض أن تتبعها مرحلة ثانية تشمل تنفيذ مشاريع إعمار وبنى تحتيّة كبيرة في غزة بتمويل من جهات عربية وأوروبية.
ويأتي قرار إسرائيل بفرض طوق بحري كامل على قطاع غزة خطوة مفاجئة وصادمة لصيادي الأسماك في غزة الذين تأمّلوا استمرار قرار التوسعة أو زيادته إلى 20 ميلاً وفق اتّفاق أوسلو، خصوصا وأنّ القرار جاء في ظلّ موسم الصيد الذي بدأ في منتصف نيسان/أبريل، وسينتهي في أواخر حزيران/يونيو الجاري، ويعتمد عليه الصيّاديون في توفير قوتهم، فضلاً عن موسم آخر يبدأ في منتصف أيلول/سبتمبر، وينتهي في تشرين الثاني/نوفمبر.
وكانت إسرائيل غييرت مساحة الصيد عدة مرات من خلال ربطها باستمرار إطلاق البالونات الحارقة، إذ قامت بتغييرها بين تقليص وزيادة في مساحة تتراوح بين 6 و15 ميلاً، ما يقارب الـ10 مرّات، وأثّر تغيّر المساحة على الصيّادين في شكل سلبيّ وكبّدهم خسائر فادحة.
وصرّح القياديّ في حركة حماس سهيل الهندي لموقع "دنيا الوطن" المحلي في 8 حزيران/يونيو بأنّ هناك تلكّؤاً من قبل إسرائيل في تنفيذ تفاهمات التهدئة، مؤكّداً أنّ ما يحدث في ملفّ مساحة الصيد يتناقض مع ما تمّ التوافق عليه مع إسرائيل برعاية مصرية في آذار/مارس الماضي. وقال: "حماس على استعداد لأن تعيد النظر في ملفّ التفاهمات في حال استمرار عدم التزام إسرائيل بها".
يذكر أنّ عودة إطلاق البالونات تزامنت مع عدم التزام إسرائيل بخطوات المرحلة الأولى من تفاهمات التهدئة، إذ ما زالت تفرض قيوداً على إدخال المواد إلى القطاع، كما أنّها ما زالت تفرض خناقاً على تصدير البضائع من القطاع.
من جانبه، أكّد نقيب الصيّادين نزار عيّاش لـ"المونيتور" أنّمثل هذا التنصّل من التفاهمات ينتقص من وزن الراعي المصريّ.
وقال: "هذه لعبة سياسيّة إسرائيليّة تحاول من خلالها زيادة الضغط على الفلسطينيّين والتلاعب في أرزاقهم".
وأكّد أنّه يتمّ إبلاغهم بالمساحة في منتصف الليل من قبل وزارة الزراعة، لافتاً إلى أنّه، في بعض الأوقات، تمّ تغيير المساحة مع تواجد الصيّادين في عمق البحر، وتمّ إطلاق النار عليهم من قبل القوات البحرية الإسرائيلية وإجبارهم على ترك مراكبهم وشباكهم.
وقال: "هناك مراكب تمّ إغراقها، وشباك تمّ فقدانها، فضلاً عن تعمّد إطلاق النار على كشّافات المراكب ومولّدات الصيّادين الكهربائيّة، ممّا تسبّب في إحداث خسائر مادّيّة لديهم".
وأكّد أنّ عدم وصول الصيّادين إلى مناطق الصيد المسموح بها ينتقص من أرزاقهم، لافتاً إلى أنّ توسعة المساحة خلال شهر نيسان/أبريل مكّن عدداً من أصحاب المراكب الكبيرة اصطياد كمّيّات وفيرة من الأسماك الفاخرة التي لم يستطع الصيّادون اصطيادها منذ سنوات.
وشرح أنّ تذبذب المساحة جعل الصيّادين في حالة خوف من دخول المساحة المسموح بها خشية على حياتهم ومصادرة معدّاتهم، مشيراً إلى أنّ الوضع لا يحتمل، خصوصاً أنّ التغيير يأتي في شكل مفاجىء، مؤكّداً أنّ البحر غدا سياسة إسرائيليّة لعقاب جماعيّ.
وقال: "على الرغم من أنّ التفاهمات نصّت على إدخال معظم المواد اللازمة للصيد التي كانت إسرائيل تمنع دخولها منذ عام 2006 بحجّة الاستخدام المزدوج، إلّا أنّها لم تدخل منها سوى الأسلاك الفولاذيّة في 2 حزيران/يونيو، وبكمّيّة قليلة لا تسدّ احتياجات الصيّادين".
وقال: "على المؤسّسات الدوليّة والمحلّيّة مساعدة الصيّادين وتقديم مشاريع إغاثيّة وإنقاذيّة لهم".
وأكّد الصيّاد فارس العامودي لـ"المونيتور" أنّ "تغيير المساحة يؤثّر في شكل مباشر على رزقهم وكمّيّات الصيد التي يصطادونها، قائلاً: "إمّا أن يتمّ فتح البحر أم إغلاقه، وليس التلاعب بالمساحة الذي من شأنه الضغط على أعصابنا".
وبيّن أنّ المساحات التي يتمّ السماح بها بالكاد يتوافر فيها الصيد، فكيف إذا تمّ تقليصها، إذ أنّ الأسماك تتواجد في مساحات أعمق من 20 ميلاً، وما يتمكّنون من اصطياده سمك عابر للطريق فقط.
وقال: "نضطرّ إلى اصطياد سمك صغير لم يكتمل نموّه فقط لكي نوفّر قوت يومنا".
وبيّن أنّ الديون تراكمت عليهم بفعل السياسة الإسرائيليّة تجاههم، مطالباً السياسيّين الفلسطينيّين اشتراط وجود ضمانات دوليّة تلزم إسرائيل بعدم التلاعب بمساحات الصيد، إذ لا يمكن أن تتحسّن حياتهم إذ بقي الحال هكذا.
وقال الصيّاد شاعر العامودي لـ"المونيتور": "هذا دمار لنا، لا يمكننا التكيّف مع هذا الوضع".
وأكّد أنّهم حين يسمعون عن إعلان التوسعة، يجهّزون شباكهم وقواربهم وطعام الأسماك، ليتفاجأوا بتضييقها وهم في عمق البحر أو في اليوم التالي، ممّا يتسبّب لهم بخسائر مادّيّة، فضلاً عن إطلاق النار عليهم واعتقالهم، وقال: "لا علاقة لنا بالسياسة، نحن نركض وراء قوت يومنا".
وبيّن أنّ مسيرات العودة ليست السبب في الإغلاق كما تدّعي إسرائيل، مرجعاً إيّاه إلى أنّها تريد تشريدهم من البحر.
ولم يستعبد أن يكون التلاعب في المساحة ناتجاً عن نيّة إسرائيل عدم السماح للصيّادين بالاستفادة من موسم الصيد الحاليّ، وعدم تمكينهم من اصطياد كمّيّات وفيرة، تمكّنهم من تحسين أوضاعهم المعيشيّة والإنسانيّة، مؤكّداً أنّ مطالبهم تتمثّل في الضغط من قبل حماس على إسرائيل لإيقاف المهزلة التي تقوم بها، وكبح جماحها في اعتقال الصيّادين ومصادرة معدّاتهم، والسماح بإدخال مسلتزمات الصيد كافّة من دون قيود.