رام الله – الضفّة الغربيّة: من المتوقّع أن تبدأ مصر بحراك سياسيّ في ملف المصالحة الفلسطينيّة، حيث من المنتظر أن توجّه في غضون الأيّام المقبلة (لم يحدّد موعد لها) دعوات إلى الفصائل، لزيارة القاهرة للبحث في الملف.
وقال مسؤول ملف المصالحة في حركة "فتح" عزّام الأحمد خلال تصريحات لتلفزيون "فلسطين" (رسميّ) بـ12 حزيران/يونيو أنّ مصر تجري اتصالات مع حركتيّ "فتح" و"حماس" ضمن جهودها لاستئناف ملف المصالحة، على أمل موافقة "حماس" على تنفيذ ما تمّ التوافق عليه سابقاً، وتحديداً اتفاق القاهرة 2017.
وتطالب السلطة الفلسطيينة حركة حماس بتسليم الحكومة الحالية قطاع غزة، بما يشمل الأمن والمعابر والجباية والقضاء وسلطة الأراضي، على ان تمارس الحكومة عملها بحرية ودون اي قيود، ويكون من ضمن عمليها تهيئة الاجواء لاجراء الانتخابات.
وتبدو الخيارات أمام مصر قليلة لإحداث اختراق في المصالحة، خصوصاً بعد فشل محاولاتها السابقة طيلة 12 عاماً من الانقسام، الأمر الذي انعكس على التقارير والتصريحات التي أشارت إلى تخلّيها عن المصالحة، حسب ما ذكر موقع "الخليج أونلاين" في 17 أيّار/مايو أنّ مصر "أبلغت الفصائل الفلسطينيّة خلال الاجتماع في 3 أيّار/مايو بأنّها لم تعد ترغب في الاستمرار برعاية المصالحة"، وهو ما أعلنه الأمين العام لحركة "الجهاد الإسلاميّ" زياد النخّالة خلال لقاء مع قناة "الميادين" في 27 أيّار/مايو من عام 2019، بعد زيارته لمصر، قائلاً: "إنّ مصر لن تعود لرعاية المصالحة الفلسطينيّة".
من جهته، قال عضو المكتب السياسيّ للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين كايد الغول في حديث لـ"المونيتور": "إنّ مصر أخبرتنا من خلال تواصل الجهات المسؤولة عن المصالحة معنا، أنّها ستوجّه دعوات إلى الفصائل للبحث في المصالحة خلال الأيّام المقبلة".
ويطرح تحرّك مصر أسئلة عديدة حول الخيارات التي يمكن أن تلجأ إليها لإحداث اختراق في ملف الانقسام، إذ قال كايد الغول: "بعد إنهاء حكومة التوافق، أعتقد أنّ مصر تركّز على تشكيل حكومة وحدة وطنيّة لفترة زمنية محدودة من اجل العمل على تهيئة الأجواء لإجراء انتخابات رئاسيّة وتشريعيّة في غضون 6 اشهر من تشكيلها، وبالتّالي حلّ ملف الانقسام"، ثمّ ينظر في بقيّة الملفّات كاصلاح منظّمة التحرير ومؤسساتها، وبحث سبل انضمام حركتي حماس والجهاد الاسلامي اليها، واجراء الانتخابات للمجلس الوطني التابع لها.
ويبدو أن الطريق إلى الجولة الجديدة من المصالحة تعترضها صعوبات قبل أن تبدأ، وتجعل من نجاحها أمراً صعباً، إذ قال الغول: "هناك صعوبات حقيقيّة تعترض طريق الجولة، بدأت بظهور تصريحات اعلامية متناقضة من بعض قادة حركة فتح تجاه مسألة تشكيل حكومة وحدة وطنيّة"، في إشارة إلى ما صرّح به عضو اللجنة المركزيّة لحركة "فتح" حسين الشيخ، الذي أشار في تصريحات لصحيفة "القدس العربيّ" بـ10 حزيران/يونيو إلى أنّه "لا يمكن الحديث عن تشكيل حكومة وحدة وطنيّة في هذا الوقت، في ظلّ استمرار حالة الانقسام"، وقال: "تشكيل حكومة وحدة وطنيّة قبل إنهاء الانقسام شيء عبثيّ".
من جهته، قال عضو المكتب السياسيّ للجبهة الديمقراطيّة طلال أبو ظريفة لـ"المونيتور": "إنّ الخيار الأنسب لإنجاح المصالحة هو إعادة بناء النظام السياسيّ بشكل كامل، من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنيّة".
ورغم أنّ مصر رعت العديد من الاتفاقيّات بين الفصائل الفلسطينيّة، كاتفاقيّة القاهرة في عاميّ 2011 و2017، واطّلاعها على الاتفاقيّات الأخرى كاتفاق الشاطئ في عام 2014، إلاّ أنّها لم تستطع إلزام الأطراف بتنفيذ ما اتّفق عليه، إذ قال طلال أبو ظريفة: "إنّ مصر لا تهادن الفصائل، بل قدّمت مبادرات كثيرة، لكنّ طرفيّ الانقسام هما من يتحمّلان مسؤوليّة إدامة الانقسام ومأسسته للبحث عن مكتسبات. ولذلك، من دون توافر إرادة صادقة لدى الطرفين، فإنّ كلّ الجهود ستذهب هدراً".
ومهما تملك مصر من خيارات، فإنّها على الأرجح ستصطدم بتمسّك حركتيّ "فتح" و"حماس" بشروطهما، إذ قال القياديّ في "حماس" أحمد يوسف لـ"المونيتور": "يبدو أنّ أطرافاً في فتح وحماس ليست معنيّة بالمصالحة، رغم ما نواجهه من تحدّيات سياسيّة صعبة تتمثّل بصفقة القرن، ومشاريع تستهدف القضيّة الفلسطينيّة".
أضاف: "مصر لن تطرح شيئاً جديداً (مبادرات) جديدة في الجولة المقبلة، بل المطلوب منها أن تشرف وتلزم الأطراف بتنفيذ ما اتّفق عليه من خلال مذكّرات تفصيليّة لكلّ الخطوات، بحيث تكون حاضرة في التطبيق، والفيصل في أيّ خلاف".
وتأتي هذه الجولة الجديدة من المصالحة، في ظلّ تحدّيات تواجه الفلسطينيّين، أبرزها تفاقم الأزمة الماليّة التي يعانون منها منذ آذار/مارس الماضي، بسبب رفض استلام السلطة الفلسطينيّة أموال المقاصّة من إسرائيل بعد اقتطاعها أموال الشهداء والأسرى، ورفض الدول العربيّة تقديم مساعدات أو قروض ماليّة إلى السلطة الفلسطينيّة، التي تتعرّض لها السلطة بسبب موقفها الرافض للمشاركة في مؤتمر البحرين الاقتصاديّ في 25 و26 حزيران/يونيو، والذي يعدّ الخطوة الأولى من صفقة القرن.
وقال أمين سرّ المجلس الثوريّ لحركة "فتح" ماجد الفتياني لـ"المونيتور": "ندعم أيّ جهد مصريّ يبذل على أساس الاتفاقيّات والتفاهمات التي وقّعت لتطبيقها على الأرض للخروج من الانقسام".
أضاف: "ندرك أنّ الوحدة هي الطريق لتمتين الجبهة الداخليّة ومواجهة المؤامرات والمشاريع الهادفة إلى تصفية قضيّتنا".
وعن موقف "فتح" من تشكيل حكومة وحدة وطنيّة، قال: "أيّ حكومة وحدة يطالب البعض بتشكيلها يجب أن تأتي بعد إجراء الانتخابات، للخروج من هذه الحالة السيّئة".
أضاف: "حتّى الآن، لم نسمع من مصر أيّ مقترحات جديدة، ونحن قلنا للمصريين إنّ ما هو موجود من اتفاقيّات كاف للوصول إلى حكومة وحدة وطنيّة".
وتبدو التوقّعات من نجاح الجولة المقبلة منخفضة، إذ قال الكاتب والمحلّل السياسيّ طلال عوكل لـ"المونيتور": "لا توجد مؤشّرات جديدة توحي بإمكانيّة إحداث اختراق في ملف الانقسام. ولذلك، من المبكر التفاؤل بتحقيق أيّ إنجاز، نظراً لتمسّك كلّ طرف بموقفه وشروطه".
أضاف: "نحن لسنا في حاجة إلى اتفاقيات جديدة، فاستمرار الانقسام متعلّق بحسابات كلّ طرف ومصالحه".
ورغم أنّ الترجيحات تصبّ في توجّه مصر لطرح خيار تشكيل حكومة وحدة وطنيّة تشارك فيها كلّ الفصائل الفلسطينيّة، تكون مهمّتها الإعداد للانتخابات، إلاّ أنّ ذلك الخيار ليس مضمون النجاح، نظراً لرفض حركة "فتح" له بسبب تمسكها بشرط تمكين الحكومة الحالية في قطاع غزة واحكام سيطرتها ما يسمح لها بالاعداد للانتخابات، وفي ضوء النتائج قد يتم تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، واستناداً إلى التجربة الفاشلة لحكومة التوافق الوطنيّ التي ترأسها رامي الحمد الله وتمّ تشكيلها في 23 نيسان/إبريل من عام 2014 عقب توقيع اتفاق الشاطئ بين مختلف الفصائل، الأمر الذي يجعل حظوظ الجولة المقبلة من المصالحة منخفضة.