رام الله، الضفة الغربية — بعد طول انتظار، أعلن وزير العمل الفلسطينيّ نصري أبو جيش، في تصريحات إلى إذاعة "وطن أف أم" المحلّيّة في 12 أيّار/مايو أنّ الوزارة تبحث مع مجلس القضاء الأعلى إنشاء محاكم مختصّة في القضايا العمّاليّة، من خلال تأهيل قضاة متخصّصين في هذا النوع من القضايا.
ولفت أبو جيش إلى وجود آلاف القضايا التي لم تحلّ في المحاكم، مشيراً إلى أنّ وزارة العمل اتّفقت مع منظّمة العمل الدوليّة على تأهيل قضاة عمّاليّين وتدريبهم.
بدوره، قال أمين عامّ الاتّحاد العامّ لنقابات عمّال فلسطين شاهر سعد لـ"المونيتور" إنّ إنشاء محاكم عمّاليّة يعدّ مطلباً مركزيّاً، لمساعدة العمّال ورفع الظلم الواقع عليهم، خصوصاً النساء اللواتي يتمّ انتهاك حقوقهنّ، سواء في رواتبهنّ أم في نهاية الخدمة.
وأوضح سعد الذي اجتمع على رأس وفد من الاتّحاد العامّ لنقابات عمّال فلسطين مع رئيس الوزراء محمّد اشتيّة في 18 أيّار/مايو في رام الله: "المعلومات التي لدينا أنّ هناك قراراً لدى الحكومة بإنشاء هذه المحاكم، ومن المتوقّع الإعلان عن قرار إنشائها في غضون شهر"، مشيراً إلى أنّ مجلس الوزراء ناقش مسألة إنشاء المحاكم العمّاليّة.
ولفت سعد إلى أنّ منظّمة العمل الدوليّة أعلنت استعدادها للتعاون معهم في هذه المحاكم، من خلال تدريب القضاة وتأهيلهم للنظر في القضايا العمّاليّة.
ويعدّ مطلب إنشاء محاكم مختصّة في القضايا العمّاليّة مطلباً قديماً جديداً من وزارة العمل والنقابات والاتّحادات العمّاليّة إلى مجلس القضاء الأعلى، لكنّ تلك المطالب لم تر النور، إذ قالت مسؤولة دائرة التوعية والإرشاد في الإدارة العامّة للتفتيش وحماية العمل في وزارة العمل أنغام سيف لـ"المونيتور" إنّ الوزارة تطالب بهذه المحاكم منذ عام 2005، لزيادة فعاليّة تطبيق قانون العمل الفلسطينيّ.
وحسب سيف، يتوجّب على مجلس القضاء الأعلى أن يقدّم شكل المحاكم العمّاليّة وطريقة عملها، وتخصيص القضاة الذين سيتمّ فرزهم لهذه المحاكم، لافتة إلى أنّ تأخير إنجاز هذه المحاكم منذ سنوات يعود إلى مجلس القضاء الأعلى الذي ينظر في طلبنا منذ سنوات.
وشدّدت سيف على أنّ إنشاء محاكم عمّاليّة يتطلّب توفير إجراءات خاصّة، أبرزها تأكيد استعجال النظر في القضايا وعدم تأخيرها، وإيجاد قانون بيّنات يعطي خصوصيّة للقضايا العمّاليّة.
وتنظر المحاكم المحلّيّة في مختلف القضايا العمّاليّة، كعدم حصول العمّال على أتعابهم في نهاية الخدمة، وفق القوانين المعمول بها في المحاكم والتي تخضع إلى الإجراءات نفسها في القضايا المدنيّة، كما أنّ فترة التقاضي والنظر بها قد تطول لسنوات، ممّا يضطرّ العمّال إلى إجراء تسويات مع أصحاب العمل، معظمها مجحفة في حقّهم، بدلاً من التوجّه إلى المحاكم بسبب طول فترة النظر في القضايا والتي تمتدّ إلى سنوات.
وقالت سيف إنّ وزارة العدل تتواصل مع مجلس القضاء الأعلى منذ عام 2005 وقدّمت إليه طلبات في شأن إيجاد محاكم عمّاليّة، لكنّ عدم الاستجابة إلى هذه الطلبات من قبل المجلس كان له علاقة بموازنة المجالس الماليّة وعدد القضاة العاملين في سلك القضاء، إضافة إلى أنّ قانون العمل الفلسطينيّ لم ينصّ في شكل صريح على إنشاء المحاكم.
وتخطّط وزارة العمل في الفترة المقبلة لإجراء تعديلات في قانون العمل، إذ قالت سيف إنّ التعديل على القانون هدفه تعزيز مستوى تطبيق القانون ورفعه في شكل عمليّ، لافتة إلى أنّه من بين التعديلات، وجود نصّ واضح بإنشاء محاكم عمّاليّة مختصّة، وتعديل الحدّ الأدنى للأجور للعمّال الذي يبلغ 1450 شيكلاً (400 دولار).
أمّا عن عدم تطبيق بعض بنود قانون العمل في صورة كاملة، فقالت سيف: "هناك مشكلة في الامتثال إلى القوانين من قبل أصحاب العمل الذين دائماً لديهم حجج بوجود مشاكل ماليّة لعدم تطبيق القانون، لكنّ السبب الأهمّ هو عدم وجود ثقافة الامتثال إلى القوانين".
وأكّدت سيف أنّ إنشاء محاكم عمّاليّة قد "يعزّز زيادة تطبيق القانون، لأنّه سيشجّع العامل على اللجوء إلى القضاء حين تكون لديه إشكاليّة مع صاحب العمل، بدلاً من تسوية أوضاعه خارج القضاء".
أمّا عن أوجه التعاون مع منظّمة العمل الدوليّة في إنشاء المحاكم العمّاليّة، فقالت سيف: "منظّمة العمل الدوليّة هي شريكتنا الاستراتيجيّة، وسيكون دورها دعمنا في الجوانب اللوجستيّة والتدريبيّة، والتواصل مع الجهات الفلسطينيّة للضغط من أجل توفير ما يلزم من احتياجات لإنشاء المحاكم".
وتتكدّس آلاف القضايا العمّاليّة في المحاكم الفلسطينيّة، إذ قالت الإدارة العامّة لتكنولوجيا المعلومات في مجلس الحكم المحلّيّ لـ"المونيتور" إنّ مجمل عدد القضايا العمّاليّة في المحاكم يناهز الـ21 ألف قضيّة عمّاليّة، لافتة إلى أنّ عدد القضايا التي وردت إلى المحاكم في عام 2018 بلغت 2388 قضيّة، وتمّ البتّ في 1987 قضيّة، بينما بلغ عدد القضايا الواردة إلى المحاكم منذ بداية عام 2019 حتّى 19 أيّار/مايو 950 قضيّة، وتمّ البتّ في 896 قضيّة.
بدوره، قال الأمين العامّ المساعد لمجلس القضاء الأعلى القاضي أسعد الشنار لـ"المونيتور" إنّ إنشاء محاكم عمّاليّة هو مطلب من القضاء في فلسطين، لكنّ الإشكاليّة التي تحول دون تحقيقه هو عدم توافر الكادر البشريّ من قضاة وموظّفين، لافتاً إلى أنّ الكثير من القطاعات تحتاج إلى قضاة مختصّين، كالقطاع المصرفيّ، والجانب الاقتصاديّ والعمّاليّ.
وأكّد الشنار أنّ عدد القضاة في الضفّة الغربيّة يبلغ 210 قضاة يعملون في كلّ درجات المحاكم وأنواعها في فلسطين، كمحكمة جرائم الفساد، ومحاكم النقض، ومحاكم الاستئناف، إضافة إلى محاكم البداية والصلح والعليا.
وقال الشنار إنّ الإشكاليّة متراكمة منذ القدم، بسبب قلّة الاعتمادات الماليّة لمجلس القضاء الأعلى، نظراً إلى الوضع الماليّ للسلطة الفلسطينيّة، فهناك قضاة لم يحصلوا على ترقيات منذ 10 سنوات بسبب ذلك.
وعلى الرغم من أنّ القانون من المفترض أن يكون مستقلّاً ماليّاً، إلّا أنّ هذا التعريف على الورق فقط وليس حقيقيّاً، بحسب النشار، لافتاً إلى أنّ موازنة المجلس تأتي من قبل الحكومة عن طريق وزارة الماليّة.
إنّ إنشاء المحاكم المتخصّصة ومنها المحاكم العمّاليّة، باتت ضرورة ملحّة في الأراضي الفلسطينيّة، نظراً إلى تكدّس القضايا في أروقة المحاكم، نتيجة قلّة عدد القضاة وضعف الموازنة الماليّة المخصّصة لها، ممّا يرتّب على ذلك إطالة أمد النظر في القضايا لسنوات.