رام الله – الضفّة الغربيّة: أعلنت وزارة السياحة الإسرائيليّة عن توفير منح للمستثمرين، بقيمة 20% من مبلغ الاستثمار الإجماليّ في بناء فنادق جديدة في مستوطنات الضفّة الغربيّة، حسب ما نشر موقع الخدمات والمعلومات الحكوميّة الإسرائيليّة في 18 نيسان/أبريل.
وقالت القناة الإسرائيليّة السابعة في 30 نيسان/أبريل إنّ قرار وزارة السياحة جاء عقب اجتماعها مع جمعيّات السياحة الإسرائيليّة في الضفّة الغربيّة في بداية عام 2019، حيث أقرّت عدم كفاية أماكن استقبال السيّاح في الفنادق الإسرائيليّة في مستوطنات الضفّة الغربيّة، ممّا يجعل من الصعب على السيّاح في المنطقة السفر لأكثر من يوم واحد.
وسيشكّل الإعلان دفعة قويّة للمستوطنات، إذ نقلت صحيفة إسرائيل اليوم في 30 نيسان/أبريل عن وزير السياحة الإسرائيليّ ياريف ليفين قوله إنّ تقديم المنح لإنشاء الفنادق هو خطوة ستساعد على حلّ مشكلة الإقامة، وستقوّي مستوطناتنا في الضفّة الغربيّة، فيما نقلت عن رئيس مجلس مستوطنات غوش عتصيون الإقليميّ شلومو نيمان قوله إنّ "هذه خطوة على طريق فرض السيادة على يهودا والسامرة".
ويأتي هذا الإعلان في ظلّ ترقّب فلسطينيّ، لما ستحمله الأسابيع المقبلة من تطوّرات سياسيّة، سواء من قبل الولايات المتّحدة الأميركيّة التي من المقرّر أن تطرح خطّتها لعمليّة السلام في الشرق الأوسط (صفقة القرن) في الشهر المقبل بعد نهاية شهر رمضان، أم من قبل إسرائيل بعد تشكيل بنيامين نتنياهو ائتلافه الحكوميّ، والذي قد يعلن عن ضمّ مناطق من الضفّة الغربيّة لإسرائيل، تنفيذاً لوعده بذلك قبل الانتخابات الإسرائيليّة التي جرت في 9 نيسان/أبريل، وفاز فيها حزبه الليكود.
ولم يمرّ هذا الإعلان على السلطة الفلسطينيّة مرور الكرام، بل حذّرت على لسان وزارة الخارجيّة والمغتربين، في بيان صحافيّ في 30 نيسان/أبريل من دعم إسرائيل للسياحة الاستيطانيّة كمقدّمة لعمليّة الضمّ الاستعماريّ، قائلة: "إنّ تلك المخطّطات تندرج في إطار القضم التدريجيّ للأرض الفلسطينيّة المحتلّة، وفي شكل خاص المناطق المصنّفة "ج"، تحت حجج مختلفة، منها الأمنيّة والعسكريّة والاقتصاديّة والاستيطانيّة وأيضاً السياحيّة، وهو ما يفرض على المجتمع الدوليّ التحرّك العاجل لإنقاذ ما تبقّى من فرصة لتحقيق السلام على أساس حلّ الدولتين".
كما حذّرت وزارة الخارجيّة الدول والشركات والمستثمرين من التورّط في مثل هذه المخطّطات تحت شعار السياحة، قائلة إنّها ستقف في المرصاد لكلّ من يتورّط في هذه البرامج الاستيطانّية عبر التحضير لرفع قضايا في المحاكم الوطنيّة للدول، إضافة إلى المحاكم الدوليّة.
بدوره، قال رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان (رسميّة) وليد عسّاف لـ"المونيتور" إنّ إسرائيل تتعامل مع المشروع الاستيطانيّ في الضفّة الغربيّة على أسس سياسيّة واقتصاديّة ودينيّة، وتسعى إلى إخراج المستوطنات من أيّ حلّ سياسيّ مستقبليّ، من خلال فرض الأمر الواقع بإقامة بنى تحتيّة كاملة ومناطق صناعيّة ضخمة ومراكز خدمات، في محاولة لتوطين الاستيطان في الضفّة الغربيّة وجعله جزءاً من إسرائيل.
ولفت عسّاف إلى أنّ نيّة إسرائيل تقديم تسهيلات إلى المستثمرين لإقامة فنادق في المستوطنات، هدفه فتح آفاق سياحيّة واقتصاديّة للمستوطنات، للتعريف بها أمام السيّاح الذين قد يزورونها بأنّها أرض يهوديّة، كما أنّها جزء من سياسة تطوير البنية التحتيّة للمستوطنات، ممّا يعجّل في ضمّها إلى إسرائيل، وضمّ مناطق أخرى مثل مناطق "ج".
وأضاف عسّاف أنّ هذا المشروع السياحيّ سيتيح إمكان زيادة عدد المهاجرين اليهود إليها، ورفع فرص التشغيل فيها، وتشجيع الشركات ورجال الأعمال على الاستثمار فيها.
وبالتزامن مع طرح إسرائيل تسهيلات للاستثمار في بناء الفنادق في المستوطنات، فإنّها تعمل على مشاريع بنية تحتيّة لخدمة المستوطنات، إذ وافقت اللجنة الفرعيّة للتخطيط في الإدارة المدنيّة الإسرائيليّة في 1 أيّار/مايو على تصاريح البناء لشقّ طريقين التفافيّين، أحدهما قرب بلدة حوارة في جنوب نابلس في شمال الضفّة الغربيّة، والآخر طريق العروب في جنوب الضفّة الغربيّة.
وذكرت حركة السلام الآن الإسرائيليّة في 2 أيّار/مايو أنّ الطرق الالتفافيّة ستوفّر فرصة لتنمية المستوطنات عن طريق تقصير وقت التنقّل، ممّا يحفّز الإسرائيليّين على العيش في عمق الضفّة الغربيّة.
وفي الوقت الذي تعدّ هذه المشاريع تجاهلاً إسرائيليّاً للرفض الدوليّ للمستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة في عام 1967، تعمل إسرائيل على توفير الدعم القانونيّ للمستوطنات ومحاربة أيّ مساس بها، وهذا ما تمثّل في قيام محامين إسرائيليّين في تشرين الثاني/نوفمبر 2018 برفع دعاوى قضائيّة في الولايات المتّحدة الأميركيّة ضدّ شركة Airbnb لتأجير المنازل لقضاء الإجازات، بعدما أعلنت في الشهر ذاته إزالتها عشرات المنازل في المستوطنات من قوائمها، الأمر الذي جعل الشركة تعلن في 10 نيسان/أبريل أنّها لن تنفّذ قرارها السابق باستبعاد الأماكن المتاحة للتأجير في المستوطنات الإسرائيليّة في الضفّة الغربيّة.
ووصف الباحث في برنامج الأعمال وحقوق الإنسان في منظّمة العفو الدوليّة مارك دوميت قرار تراجع Airbnb بـ"خطوة مدانة وتتّسم بالجبن، وستكون بمثابة صفعة مفجعة أخرى لحقوق الفلسطينيّين الإنسانيّة".
من جانبه، قال أستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنيّة، والحاصل على شهادة الدكتوراه في الدراسات السكّانيّة واقتصاد العمل من الجامعة العبريّة في القدس عاص أطرش لـ"المونيتور" إنّ اعلان إسرائيل عن تسهيلات استثماريّة في المستوطنات يحمل دلالات عدّة، أوّلها أنّه يدلّ على تفكير استراتيجيّ بعيد المدى من الناحية السياسيّة بأنّ تلك المستوطنات هي جزء من إسرائيل ولا يمكن التخلّي عنها، وثانيها تشغيل المستوطنين داخل مستوطناتهم من دون الحاجة إلى تنقّلهم يوميّاً إلى مناطق العمل داخل إسرائيل، وتعزيز اقتصاد المستوطنات وتطويره، وثالثها أنّ ذلك يمثّل تقوية للبناء الاستيطانيّ السكّاني وتعزيزاً لجذب المستوطنين.
وأكّد أطرش أنّ الحكومة الإسرائيليّة المقبلة ستتشكّل من اليمين الإسرائيليّ، والذي أعلن أنّ هدفه هو ضمّ مناطق "ج" إلى إسرائيل، وبالتالي ما تقوم به إسرائيل من مشاريع يخدم ذلك الهدف، ويجعل هذه المستوطنات خارج أيّ اتّفاق سياسيّ مستقبليّ قد يحدث.
إنّ ما تقوم به إسرائيل من مشاريع بنية تحتيّة وتقديم تسهيلات لاستثمارات اقتصاديّة في مستوطنات الضفّة الغربيّة، يدلّل على مضيها في ضمّ تلك المستوطنات والمناطق التابعة إليها، ممّا يعني القضاء على أيّ أمل لحلّ الدولتين، وإمكان قيام الدولة الفلسطينيّة.