ريف حلب الشماليّ، سوريا — شهدت بعض المدن والقرى الخاضعة إلى سيطرة الجيش السوريّ الحرّ في ريف حلب تظاهرات حاشدة مؤخرًا خرجت ضدّ المجالس المحلّيّة. ففي مدينتي الباب وصوران في 5 و12 نيسان اتّهم المتظاهرون المجالس المحلية فيها بالفساد والتقصير في تقديم الخدمات الأساسيّة، كالخبز والمياه وغيرها، وطالبوها بالرحيل ، وإتاحة الفرصة لاختيار مجالس محلّيّة جديدة من خلال الانتخابات الحرّة.
تكرّر خروج التظاهرات لعدم تجاوب المجالس المحلّيّة في الباب وصوران مع مطالب المتظاهرين الذين توعدوا باستمرار تظاهراتهم في كل يوم جمعة حتى تحقيق مطالبهم وبدا رؤساء المجالس وأعضاؤها في هذه المناطق متمسّكين بمناصبهم أمام المطالب الشعبيّة المطالبة بالتغيير، ويتمسّك بعض رؤساء هذه المجالس وأعضائها بمناصبهم منذ سنوات، ويقول المتظاهرون إنّ هؤلاء قد وصلوا إلى السلطة في المجالس عن طريق التعيين، عندما كانت مناطق ريف حلب غير مستقرّة، أمّا الآن فقد آن الأوان لإجراء تغييرات جذريّة في بنية هذه المجالس، واختيار تشكيلة جديدة، وفي شكل ديمقراطيّ، بعدما شهدت مناطق ريف حلب استقراراً نسبيّاً، وفق تأكيدات المتظاهرين.
يعتبر المجلس المحلي هو السلطة المدنية العليا في مدن وبلدات ريف حلب، وفي صوران مثلاً، ولذلك كل المديريات الخدمية والمخابز والمستوصفات وغيرها تتبع للمجلس وله الحق في إدارتها، وهو المسؤول عن التوظيف فيها.
قال المسؤولين في المجالس المحلية في الباب وإعزاز إن تركيا تدعم المجالس المحلّيّة في مناطق ريف حلب الخاضعة إلى سيطرة الجيش السوريّ الحرّ، والتي يرتبط عملها بالولايات التركيّة غازي عنتاب، وكيليس، وهاتاي، وتحصل المجالس على الرواتب من تركيا، وكذلك فان جزء كبير من مشاريع الخدمات العامّة التي توفرها المجالس مثل إصلاح الصرف الصحي وإيصال المياه وإصلاح الطرق وهذه المشاريع يتم تمويلها من قبل الحكومة التركية.
يوم الجمعة في 12 نيسان/أبريل 2019، حضر "المونيتور" التظاهرة الحاشدة في مدينة صوران في ريف حلب، والتي انطلقت بعد أداء الناس في المدينة صلاة الجمعة، وجال المتظاهرون الشوارع الرئيسيّة داخل المدينة وهم يرفعون أعلام الثورة السوريّة وأعلاماً تركيّة، ورفعوا لافتات كتبت عليها عبارات تدعوا المجلس المحلّيّ إلى الاستقالة، جاء في بعضها "يسقط المجلس المحلّيّ الفاسد والفاشل". وتجمّع المئات من المتظاهرين أمام مبنى المجلس، وهم يهتفون بأعلى صوتهم "الشعب يريد إسقاط المجلس".
وسبق أن شهدت مدينة صوران تظاهرة مماثلة في 5 نيسان/أبريل، طالبت فيها المجلس بالرحيل، ورفعت خلالها لافتات كتب في بعضها "المجلس المحلّيّ فاقد الشرعيّة، يسقط يسقط"، وهتفوا لإسقاط المجلس، لكنّ مطالبهم تمّ تجاهلها، لذا عادوا إلى الشارع مرّة أخرى في يوم الجمعة 12 نيسان/ أبريل وتظاهروا ليؤكّدوا مطالبهم.
التقى "المونيتور" عبد القادر محمّد، وهو ناشط إعلاميّ من مدينة صوران، وأحد المتظاهرين، حيث قال: "من حقّ الناس أن يطالبوا بالتغيير، ومن أهمّ المطالب التي طالب بها المتظاهرون، إقالة المجلس المحلّيّ الحاليّ، لأنّ رئيس المجلس وأعضاءه لا يزالون في مناصبهم منذ أكثر من عامين، ومن المفترض أن تنتهي ولايتهم قبل عام، لأنّ النظام الداخليّ للمجلس ينصّ على أنّ كلّ دورة هي عام واحد فقط، وذلك لإفساح المجال أمام طاقات جديدة لتصل عبر انتخابات محلّيّة شفّافة. كلّ هذه المطالب تجاهلها المجلس لذا لم يعد أمام الناس سوى النزول إلى الشارع والتظاهر لإجبار المجلس على تلبية مطالب المتظاهرين".
في سياق متّصل، أكّد المتظاهر بسّام حمشو لـ"المونيتور" أنّ المجلس المحلّيّ يتبع سياسة الإقصاء، ويوظّف المقرّبين من رئيسه وأعضائه في المديريات الخدمية التي تتبع للمجلس المحلي، كالمياه والنظافة وغيرها وهناك فساد إداريّ وماليّ داخل المجلس يجب أن يوضع له حدّ، وقال: "سوف نواصل تظاهراتنا في كلّ يوم جمعة حتّى نحقّق مطالبنا التي نراها مشروعة، وفي النهاية سوف يرضخ المجلس لإرادة الناس مرغماً".
وقال ابراهيم بكور، وهو متظاهر آخر من صوران، لـ"المونيتور": "تعاني مدينة صوران وريفها من تدنّي مستوى الخدمات الأساسيّة، كالمياه والنظافة والصحّة والمخابز، وعلى الرغم من المطالب المتكرّرة التي وجّهت إلى المجلس لكي يحسّن مستوى الخدمات، إلّا أنّه لم يتجاوب معها وبقيت كما هي دون المستوى". منذ بداية العام 2019 بدأ الناس يطالبون المجلس بتحسين الخدمات وذلك قبل النزول إلى الشارع كما قال.
وشارك في تظاهرات مدينة صوران وجهاء من المدينة والقرى التابعة إليها، وأكّد بعض الذين التقاهم "المونيتور" أنّهم تواصلوا مع المسؤولين في ولاية كيليس التركيّة في خصوص المطالبة بدعم أكبر للخدمات وطلبوا من المسؤولين الأتراك التدخّل لحلّ المجلس المحلّيّ واختيار مجلس جديد عن طريق الانتخابات المحلية، وهم لا يزالون ينتظرون مساعدة الجانب التركيّ لتلبية مطالبهم، وفق قولهم.
التقى "المونيتور" رئيس المجلس المحلّيّ لمدينة صوران محمد ابراهيم عيدو الذي قال يقدّر المجلس المحلّيّ حسن نوايا المتظاهرين من أبناء مدينة صوران، ومطالبهم في تحسين واقعهم المعيشيّ والخدميّ، ويحترم المجلس تظاهراتهم ومطالبهم.
وأضاف تامر: "المجلس يعمل بكامل طاقته وكلّ إمكاناته المتاحة بهدف تحسين القطاع الخدميّ في المدينة، ليس في إمكان المجلس الارتقاء بالواقع الخدميّ من دون إمكانات إضافيّة. نحاول قدر الإمكان تأمين الخدمات بحسب الأولويّة، الأهمّ فالأهمّ، وقد وعدنا المتظاهرين بتحسين واقع الخدمات العامّة خلال الفترة المقبلة" .
وعند سؤال تامر عن ردّ المجلس حول مطالب المتظاهرين بإقالة المجلس وإجراء انتخابات لاختيار مجلس جديد، لم يجب عن السؤال.
وشهدت مدينة الباب في شكل متكرّر خلال الشهرين الماضيين تظاهرات شارك فيها المئات في أيّام الجمعة، طالبت بمحاربة فساد المؤسّسات الخدميّة والأمنيّة والمجلس المحلّيّ في المدينة، وطالب المتظاهرون برحيل المجلس وانتخاب مجلس جديد يوفّر الخدمات اللازمة لمدينة الباب مِن كهرباء وماء وغيرها، متّهمين المجلس الحاليّ بالفساد والسرقة، وعبّروا عن ذلك بهتافات قالوا فيها "مجالسنا المحلّيّة شبّيحة وحرامية"، و"الشعب يريد إسقاط المفسدين"، وأكّد المتظاهرون في شعاراتهم أنّ السلطة للشعب.
قال العضو في تنسيقيّة [التنسيقيات هي تجمعات منتششرة في المدن والبلدات السورية منذ بداية الثورة وليست الباب وحدها وكانت منذ ذلك الوقت تنظيم المظاهرات ضد النظام السوري، وما تزال موجودة حتى الآن ويوجد فيها الكثير من الناشطين من أبناء المدينة] مدينة الباب محمّد جبارة لـ"المونيتور": "طالبنا في مظاهراتنا بأن تتمّ محاسبة الفاسدين في المؤسّسات الأمنيّة كالشرطة العسكريّة والقضاء وإجراء إصلاحات داخل هذه الأجهزة، وطالب المتظاهرون بأن تكون هناك انتخابات حرّة، واختيار مجلس محلّيّ جديد لمدينة الباب، الخدمات في المدينة في حالة مزرية، ورئيس المجلس المحلّيّ وأعضاء المجلس متمسّكون بمناصبهم في شكل لا يصدّق، ولا يسمحون بتداول السلطة ولا يتيحون الفرصة للطاقات الشابّة في أن تسهم في تطوير الخدمات وتتولّى المناصب مكانهم".
وكانت مدينة أعزاز الواقعة في ريف حلب الشمالي قد شهدت منذ 1 آب/أغسطس 2018 تظاهرات مشابهة، احتجاجاً على سوء الخدمات وكذلك تطالب باستقالة المجلس المحلي وعندما رفض المجلس المحلّيّ في أعزاز الاستجابة إلى مطالب المتظاهرين، قام الناس بتنفيذ اعتصام أمام مبنى المجلس، طالبوا فيه بإقالة المجلس المحلّيّ الذي يتّهمونه بالفساد، وفي ما بعد، انتهى الاعتصام في نهاية شهر آب/أغسطس، وتمّ الاتّفاق على حلّ المجلس وتشكيل مجلس جديد في أعزاز وفق توافقات محلية بين وجهاء المدينة.