وسّعت القوّات الأمنيّة العراقيّة بمختلف صنوفها من عمليّاتها بهدف تعقّب عناصر "داعش" في الصحراء الغربيّة المترامية الأطراف، ولكن لم تصل هذه القوّات بعد إلى استراتيجيّة متكاملة لمواجهة "داعش" في هذه المناطق الواسعة، والتي تشكّل حدود العراق مع 3 دول وتقع بجوار مدن عدّة مهمّة، منها سنيّة ومنها شيعيّة.
وأكّد قائمقام مدينة الرطبة غربيّ الأنبار عماد الدليمي، في 13 آذار/مارس، مقتل أحد أبناء مدينته على يدّ "داعش"، بعد اختطافه أثناء جمع الكمأ قبل أكثر من أسبوعين في الصحراء.
وكان "داعش" ألقى الرعب في قلوب مواطني المحافظات المحاذية للصحراء الغربيّة، من الذين يبحثون عن رزقهم في الصحراء، بعدما قام بخطف وإعدام العديد من جامعي الكمأ الذي يتواجد بوفرة في هذا الموسم داخل هذه المناطق ويباع في الأسواق المحليّة.
وأفادت التقارير الاستخباريّة إلى تسلّل عناصر "داعش" إلى الصحراء الغربيّة المحاذية لمحافظات عراقيّة عدّة، من ضمنها الأنبار وكربلاء والنجف، بعد ما زاد الخناق على التنظيم في آخر معاقله بشرق سوريا.
وأكّد هذه المعلومات، الخبير العراقيّ في شؤون الجماعات المسلّحة هشام الهاشمي، إذ قال في اتصال مع "المونيتور": "كان هناك تسلّل لهذه الجماعات في الفترة المحصورة بين أيلول/سبتمبر من عام 2018 وآذار/مارس من عام 2019. وبحسب الجهات الاستخباريّة، تسلّل بحدود ألف عنصر إلى العراق على شكل وجبات صغيرة. وكان بعضها يحمل مبالغ ماليّة تصل إلى 25 ألف دولار، أيّ بمجموع ما يقارب مئتيّ مليون دولار".
لا يعتقد هشام الهاشمي أنّ هذا التسلّل هو سبب ازدياد عمليّات "داعش" في العراق خلال الفترة الأخيرة، إذ قال: "تحتاج تلك العناصر إلى وقت من أجل إعادة التأهيل والتدريب، وأيضاً ترتيب وثائقها الثبوتيّة لكي تستطيع أن تتحرّك بحرّيّة".
وتعي الجهات الأمنيّة العراقيّة خطورة هذه التحرّكات. ولهذا، زادت من عمليّاتها في المناطق الصحراويّة الواسعة في غرب العراق. وفي هذا الإطار، تجري قطعات عسكريّة عراقيّة مشتركة وأفواج الحشد العشائريّ المحليّ عمليّات تطهير في صحراء غرب الأنبار.
وعن هذه العمليّات، قال آمر فوج أعالي الفرات العقيد موسي سعيد الكربولي في 11 آذار/مارس: "قام كيان "داعش" الإرهابيّ بمحاولة تنظيم نفسه في المناطق الصحراويّة قرب وادي حوران ومناطق أخرى، مستخدماً الطيّات الأرضيّة والخنادق الموجودة في الصحراء ومستغلاًّ رعاة الأغنام في التمويه، لكنّ قوّاتنا هي قوّات محليّة مدرّبة وعلى معرفة جيّدة بالمناطق الصحراويّة. ونحن نقوم الآن بعمليّات استباقيّة لمنعه من العودة ثانية".
وفي 4 آذار/مارس الجاري، أعلنت الجهات الأمنيّة أجزاء واسعة من الصحراء الغربيّة "مناطق عسكريّة". وطالبت عبر منشورات ألقتها مروحيّات عراقيّة "كافّة رعاة الأغنام المتواجدين في الصحراء بمغادرة المنطقة فوراً باتّجاه الرطبة- النخيب- الكيلو 160 (اسم منطقة شرق الأنبار)، وتعتبر المنطقة منطقة عمليّات عسكريّة يمنع تواجد المدنيّين فيها".
وقال مسؤول عسكريّ عراقيّ، فضّل عدم الكشف عن هويّته، لـصحيفة "العربيّ الجديد": "إنّ مناطق واسعة من صحراء الأنبار باتت منطقة عسكريّة، وتمّ تبليغ الرعاة والبدو الرحّل والصيّادين وباحثي الكمأ بالخروج منها، وعدم الدخول إلى أوديتها، لأنّهم سيكونون هدفاً عسكريّاً للطيران أو قوّات الجيش".
ولا تقتصر هذه العمليّات على المناطق المحاذية للمحافظات السنيّة كالأنبار، إذ أعلنت "فرقة العبّاس القتاليّة" في 25 شباط/فبراير إكمال الواجبات البريّة في عمليّة "ثأر المغدورين" وتطهير أكثر من ألف كيلومتر مربّع من الصحراء الغربيّة المحاذية لمحافظة كربلاء الشيعيّة.
وجاءت العمليّة هذه، ردّاً على اختطاف جامعي الكمأ وقتلهم، من ضمنهم مواطنون من محافظة الكربلاء. وإنّ "فرقة العبّاس القتالية" هي تشكيل من القوّات المتطوّعة المقرّبة جدّاً من المرجع الدينيّ الأعلى السيّد علي السيستاني، والتي تشكّلت بعد فتوى المرجع الذي طلب من العراقييّن حمل السلاح لمحاربة "داعش" في عام 2014.
وخلافاً لتقارير استخباريّة أخرى وفي إشارة إلى عدم تمكّن "داعش" من زعزعة الوضع الأمنيّ، قالت الفرقة في بيان صحافيّ: ليس لدى "داعش" تواجد يعتد به في عمق الصحراء.
وتمّت عمليّة "ثأر المغدورين"، التي تمّ إسنادها من قبل طيران الجيش، بسرعة فائقة، حيث بدت كعمليّة تمشيط، أكثر ممّا هي عمليّة تطهير والسيطرة على المناطق الصحراء الواسعة.
وعن هذه العمليّة، قال قائد "فرقة العبّاس القتاليّة" ميثم الزيدي في تصريح لـ"المونيتور": "العمليّة كانت فيها أهداف مهمّة، منها الوصول إلى منطقة طالما كان يعبّر عنها بالخطر المحدق للمناطق المقدّسة (في كربلاء والنّجف) وتصوير أنّها محظورة على القوّات العسكريّة. وكذلك، كشفت عمليّة التمشيط الطرق، التي كان يسلكها العدوّ".
من جهته، رأى هشام الهاشمي أنّ هذا النوع من العمليّات هو مجرّد ردّة فعل تجاه تحرّكات "داعش" ولا يستطيع إزالة الخطر في الصحراء والمحافظات المحاذية لها، وقال لـ"المونيتور": "إنّ هذه العمليّات غير مبنيّة على معلومات استخباراتيّة استباقيّة، فهي عمليّات تطهير روتينيّة في الغالب، تخرج بنتائج صغيرة، رغم الجهود الكبيرة والإنفاق الكبير".
واعتبر الهاشمي أنّ الحلّ الجذريّ لهذه المعضلة الأمنيّة، يكمن في الاستعانة بمعلومات استخباريّة، فضلاً عن طائرات مراقبة وطائرات من دون طيّار وعمليّات إنزال بقوّات خاصّة.
وأكّد ميثم الزيدي حصول تطوّر في التعاطي مع حضور "داعش" في الصحراء، وقال: "لقد انتقلنا من الموافقات الروتينيّة التي تطول، إلى الموافقات الآنيّة العاجلة التي تعطي مرونة عالية ومباغتة العدو".
أضاف: "أعددنا خطّة الإنزالات السريعة على الأهداف المعادية وفي مختلف الأوقات".
وتبدو القوّات الأمنيّة العراقيّة أكثر تحرّكاً في مجال مواجهة حضور "داعش" في الصحراء الغربيّة، لكن تبقى هذه الجهود متقطّعة وغير متكاملة، الأمر الذي يعطي الفرصة لـ"داعش" لزعزعة الأمن في هذه المناطق بين فترة وأخرى.