القاهرة - بدأت محافظة جنوب سيناء في بناء جدار على امتداد طريق المنتجعات السياحيّة بمدينة شرم الشيخ الواقعة على البحر الأحمر - جنوبيّ سيناء، بعرض 37 كيلومتراً، من منطقة خليج نبق إلى محميّة رأس محمّد حيث يمتد الجدار من الشرق إلى الغرب، تزامناً مع محاولتها الجاهدة في اجتذاب السيّاح منذ تحطّم طائرة ركّاب روسيّة في المنطقة بعد وقت قصير من إقلاعها خلال عام 2015 في هجوم قيل إنّه إرهابيّ وأسفر عن مقتل 224 شخصاً.
وحسب تصريحات محافظ جنوب سيناء خالد فودة لـ"المونيتور"فأن بدء البناء للبوابات الجديدة والجدار بدأ في الأول من شهر فبراير هذا العام ، بتكلفة تبلغ 20 مليون جنية .
وبدأت الفكرة منذ عام 2005 حيث كانت الحكومة المصريّة تخطّط لبناء السور أو الجدار الخرسانيّ فى عهد الرئيس المخلوع محمّد حسني مبارك لمنع تسلّل بدو سيناء إلى المدينة بهدف الحدّ من العمليّات الإرهابيّة، الأمر الذي اعترض عليه حزب "الوفد" آنذاك، مؤكّداً "أنّ هذا التصرّف "سوف يخلق جداراً نفسيّاً عازلاً بين الحكومة ومواطنيها فى جنوب سيناء، ولن يحقّق أمناً ولن يمنع إرهاباً. وكان المفروض أن يوجّه مبلغ العشرين مليون جنيه، الذي سيتكلّفه بناء هذا السور، لتوفير وظائف لأبناء سيناء أو بناء مستشفيات ومدارس لا أن يهدر المبلغ على خلق كارثة جديدة تؤدّي إلى عزلهم... فهذا السور لن يوقف الإرهاب، بل سيزيده".
الصور المسرّبة بداءأ من 18 فبراير تظهر بناء الحاجز الخرسانيّ بارتفاع يصل إلى 6 أمتار، الأمر الذي يثير تخوّفات السكّان بشأن تطويق محيط المدينة. ونقلاً عن صهر الرئيس عبد الفتّاح السيسي محافظ جنوب سيناء اللواء خالد فودة، الأمر أثار استهجان السكّان والسيّاح على حدّ سواء، كون الجدار يحجب الرؤية عن المارّة. وعبّر متابعون عن استيائهم من الصور المتداولة للجدار على مواقع التواصل الاجتماعيّ، معتبرين أنّ الجدار يمنع المارّة من رؤية الطبيعة، ويعزل السكّان البدو ممّن يعيشون ويعملون في نطاق المدينة عن الأماكن السياحيّة.
"ليس لدينا جدار" قال خالد فودة، موضحاً أنّ المقصود كان " كنا نقصد تجميل شرم الشيخ وتأمينها".
وقال في تصريح خاص لـ"المونيتور": "نحن نفعل هذا من أجل المستقبل، إذ سيساعد المشروع شرم الشيخ على تعويض عائدات السياحة ، حيث سيطمئن السائحين بوجودهم داخل المدينة المحاطة بأسوار عاليه تمنع أي هجمات ارهابية من الخارج". وأشار إلى أنّ المشروع يتألّف من مزيج من الحواجز الخرسانيّة العالية وممّا لا يقلّ عن 37 كيلومتراً من سياج الأسلاك الشائكة، مع إنشاء 4 بوّابات للولوج إلى المدينة.
وتقع مدينة شرم الشيخ على الساحل الجنوبي الشرقي لشبه جزيرة سيناء، وقد كانت المنطقة غير مأهولة بالسكان معظم الأوقات التاريخية، ولكنها اكتسبت أهميتها في الوقت الحاضر بسبب وضعها الاستراتيجي المسيطر على مدخل خليج العقبة الضيق، والذي يقع على بعد 23 كيلومتر تقريباً إلى الشمال الشرقي من خليج شرم الشيخ عند مضيق تيران، حتي أصبحت واحدة من أكبر المنتجعات السياحية، كما يعقد فيها العديد من الاجتماعات رفيعة المستوى لقادة الشرق الأوسط والعالم.
وتظهر الصور أنّ السور، الذي سيكون مراقَباً بالكاميرات، سيُبنى في غالبيّته بالإسمنت والحجارة، فيما سيُكتفى بوضع أسلاك شائكة في مناطق أخرى توجد فيها دوريّات مكثّفة للجيش، وهي تحديداً الملاصقة للمناطق الجبليّة، بما يضمن الحفاظ على المظهر الحضاريّ.
ومنذ اندلاع أحداث 30 حزيران/يونيو في عام 2013، وتصاعد حدّة الهجمات الإرهابيّة في سيناء، التي راح ضحيّتها المئات من ضبّاط الشرطة والجيش والمدنيّين، لم تكن هناك هجمة أو عمليّة إرهابيّة واحدة في جنوب سيناء، بل تركّزت كلّ تلك الهجمات في مناطق شمال سيناء والتى كان آخرها في 16 فبراير وراح ضحيتها 15 ضابطاً ومجنداً مصرياً ، إلاّ أنّ حظر الرحلات الجويّة المباشرة من المملكة المتّحدة إلى شرم الشيخ لا يزال سارياً منذ نوفمبر 2015 بعد الهجوم الجويّ على الطائرة الروسيّة. ومنذ ذلك الحين، عزّزت السلطات المصريّة الإجراءات الأمنيّة في شرم الشيخ حيث كثفت نقاط التفتيش على الطريق المؤدي من وإلى شرم الشيخ كما انتشرت نقاط أمنية على حدود المدينة وفى مداخلها ، معربة عن أملها في عودة الرحلات الجويّة من روسيا والمملكة المتّحدة.
وردّ رئيس مدينة شرم الشيخ اللواء محمود السوليه على الانتقادات المعترضة على بناء الجدار فى تصريحاته لموقع المصري اليوم في 18 فبراير، قائلاً: إنّ السور الذي ستتمّ إقامته على الطريق من ناحية منطقة الرويسات عبارة عن" سور شبكيّ سيكون بشكل جماليّ مهمّته صدّ النفايات المتطايرة في اتّجاه البحر ومنع عبور الأغنام والماعز في اتّجاه خليج نعمة، وصدّ الأوراق والبلاستيك المتطايرة في اتّجاه البحر والخليج". وتعدّ منطقة خليج نعمة أبرز المناطق السياحيّة الشهيرة في المدينة.
وأشار محمود السوليه إلى أنّ عبور الأغنام والماعز والجمال يتسبّب في حوادث "ومنظر غير حضاريّ، إذ تعبر الجمال والماعز حتّى حيّ النور وخليج نعمة"، مستشهداً بإقامة السعوديّة سوراً شبكيّاً من مكّة المكرّمة إلى المدينة المنوّرة "لمنع عبور الإبل والجمال التي تتسبّب في حوادث الطرق".
وقال أحد أصحاب الشاليهات في مدينة شرم الشيخ محمّد حكيم خلال حديث لـ"المونيتور":" لم أكن أعلم بالجدار، ولم يخبرنا أحد ببناء أسوار حول المدينة، حتّى تمّ نشر الصور على مواقع التواصل، فذهبت لأتفقّد الأمر، لأجد أنّه حقيقيّ لكنّه ما زال فى بدايته. أظنّ أنّه سيغطّي على جمال شرم الشيخ المعروفة بجبالها وصحرائها، ولن يحدث فارقاً على المستوى الأمنيّ، بل سيزعج الناس بصورة أكبر".
من جهته، قال أحد روّاد مدينة شرم الشيخ وصاحب محال في أحد منتجعاتها "رفض ذكر أسمها" السيّد الشريف في تصريح لـ"المونيتور":"إنّ هذا السور يشكّل كارثة بيئيّة وجماليّة وسياحيّة، ويحوّل مدينتنا الجميلة إلى سجن قبيح، فكلفة هذا الجدار التي تقدّر بالملايين في بلد يعاني من ديون ماليّة خطيرة يمكن أن نستفيد منها فى مشاريع أخرى".
أضاف: "هذا المشروع لن يوقف أيّ إرهاب. وفي رأيي، هو إهدار للمال.
وأكّد أنّ السيّاح الأجانب أنفسهم انتقدوا إقامة هذا الجدار، الذي يحمل طابعاً عنصريّاً من وجهة نظرهم"، وقال: "هذا الجدار يعطي انطباعين الأوّل للسيّاح، حيث سيقلق أيّ سائح يخرج من المدينة ويجعله يشعر بأنّه غير آمن، وهذا سيؤثّر على السياحة. أمّا الانطباع الثاني فيقول للبدو إنّهم ليسوا جزءاً من المجتمع، ويرسل رسالة مفادها أنّهم لا يستحقّون الحماية من الإرهاب أو أنّهم الإرهاب ذاته".