مدينة غزّة - بينما تسعى حركة حماس إلى زيادة التجارة بين قطاع غزّة ومصر عبر معبر رفح البرّيّ، لتحسين عوائد خزينتها الماليّة التي تعاني من أزمة صعبة ومتواصلة منذ تدمير مصر الأنفاق الأرضيّة بين غزّة وسيناء منذ عام 2013، قال مصدر رفيع المستوى في وزارة الاقتصاد الوطنيّ في غزّة، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"المونيتور": "هناك عزوف متزايد من قبل تجّار غزّة عن استيراد البضائع المصريّة عبر معبر رفح، الأمر الذي أدّى إلى خفض حجم الإيرادات التي تجنيها حماس من خلال الضرائب على هذه البضائع".
وبيّن المصدر أن قيمة الإيرادات التي تحصلها وزارة المالية بغزة التابعة لحماس نتيجة هذه الضرائب تبلغ نحو 6.5 مليون دولار شهرياً، ولكنه أشار إلى أن هذه الإيرادات عانت من هبوط متذبذب ومستمر بسبب عزوف التجار المستمر عن الاستيراد من مصر حتى وصلت قيمة الضرائب التي تحصلها حماس على هذه البضائع في يناير 2019 إلى 2.15 مليون دولار.
وأوضح أن الضرائب التي تفرضها حماس على هذه البضائع هي ضريبة القيمة المضافة التي تبلغ 16% من قيمة البضائع المستوردة، لافتاً إلى أن وزارته قامت في مطلع فبراير الجاري، بتخفيض قيمة هذه الضريبة لتصبح 10% فقط من قيمة البضائع المستوردة من مصر، لتشجيع تجّار غزّة على مواصلة الاستيراد من مصر.
وأرجع المصدر السبب وراء عزوف التجار عن الاستيراد من مصر، إلى فرض الجانب المصريّ تكاليف ماليّة خاصّة بنقل البضائع المصريّة وتأمين وصولها إلى غزّة عبر سيناء، التي تعاني من ظروف أمنيّة صعبة.
وكانت نقطة التحوّل في شكل العلاقات التجاريّة بين مصر وغزّة في حزيران/يونيو 2017، إثر تفاهمات جرت بين حركة حماس ومسؤولين مصريّين تهدف إلى تدشين خطّ تجاريّ بين غزّة ومصر، عبر بوّابة صلاح الدين المجاورة لبوّابة معبر رفح، وهي بوّابة غير رسميّة تقع تحت سيطرة حماس، وتعود ضرائب البضائع المصريّة التي تمرّ من خلالها لصالحها.
بوابة صلاح الدين المجاورة لمعبر رفح تم تأسيسها عام 1982 - قبل تأسيس السلطة الفلسطينية - وفق تفاهمات بين إسرائيل ومصر، كممر لعبور أبناء رفح الفلسطينية للاعتناء بأراضيهم الواقعة في مدينة رفح المصرية الواقعة على الحدود بين مصر وقطاع غزة، حيث كانت إسرائيل تمنحهم تصاريح يومية خاصة بهم، وبعد قدوم السلطة الفلسطينية إلى الأراضي الفلسطينية عام 1994، بقيت هذه البوابة مغلقة حتى أعادت حركة حماس تفعيلها منذ عام 2017 لأغراض التجارة مع مصر ولمرور البضائع المصرية لغزة.
وأوضح المصدر أنّ ما يتمّ استيراده من مصر يشمل عشرات السلع الغذائيّة ومواد الخام، مثل الدقيق وزيت الطهي ومواد البناء والغاز ووقود السيّارات.
يقول رئيس تحرير صحيفة الاقتصاديّة في غزّة محمّد أبو جياب لـ"المونيتور": "إنّ العلاقة التجاريّة بين غزّة ومصر ليست مفتوحة بحُرّيّة أمام تجّار غزّة، إذ لا يستطيع أيّ تاجر شراء البضائع من الشركات والمصانع المصريّة ونقلها إلى غزّة بحرّيّة، حيث تقتضي التفاهمات بمرور عمليّات الاستيراد كافّة من مصر إلى غزّة عبر وسيط مصريّ هو شركة أبناء سيناء للنقل، التي تتولّى مهمّة نقل البضائع من مصر إلى غزّة عبر سيناء، وتضع تكاليف باهظة على تجّار غزّة تحت مسمّى "إجراءات التأمين والنقل"".
شركة أبناء سيناء للنقل هي شركة نقليات خاصة، مكلفة من قبل السلطات المصرية لنقل البضائع الفلسطينية التي يطلبها تجار غزة من مصر إلى بوابة صلاح الدين على الحدود بين قطاع غزة ومصر، وتفرض تكاليف نقل وتأمين تخضع لحجم البضائع التي يستوردها التاجر، وطبيعة هذه البضائع.
يقول فارس الوادية، وهو تاجر غزّيّ يستورد زيوت الطهي من مصر، لـ"المونيتور": "الشهر الماضي (يناير)، قمت باستيراد شحنة من زيوت الطهي المصريّة بقيمة 30 ألف دولار، هذه الشحنة يمكن بيعها في السوق الغزّيّ بقيمة 40 ألف دولار، وهذا يمنحني ربحاً بقيمة 10 آلاف دولار، ولكنّ الوسيط المصريّ المتخصّص في نقل البضائع المصريّة إلى غزّة، يضع تكاليف إضافيّة تحت مسمّى "نقل وتأمين" بقيمة 5 آلاف دولار، ممّا قلّص الربح الإجماليّ عند بيع الشحنة في غزّة إلى 5 آلاف دولار فقط"، مشيراً إلى أن تحصيل حماس ضريبة القيمة المضافة على البضائع المستوردة، من شأنه أن يقلص المزيد من الربح المتوقع عند بيع هذه البضائع في الأسواق الغزية.
فيما قال كامل الشاعر، ويعمل تاجراً في استيراد الأرزّ وبيعه، لـ"المونيتور"، إنّه توقّف عن استيراد الأرزّ من مصر منذ نحو شهر ونصف بسبب ارتفاع تكاليف الاستيراد وانعدام تحقيق الربح، مشيراً إلى أنّ ذلك أدّى إلى توقّف عشرات التجّار عن الاستيراد من مصر.
وقال: "أصبحت أستورد الأرزّ من دول أخرى مثل إسرائيل عبر معبر كرم أبو سالم، وهذا يحقّق لي ربحاً أفضل من استيراد الأرزّ المصريّ".
ولفت النظر إلى أنّ تخفيض حماس قيمة الضرائب على البضائع المصريّة عبر معبر رفح لتصبح 10% بدلاً من 16% من قيمة البضائع المستوردة، "لم يساعد كثيراً في تشجيع التجارة مع مصر، بسبب بقاء ارتفاع تكاليف نقل البضائع المصريّة وتأمينها".
وتطالب حماس مصر، في شكل متكرّر، بفتح معبر رفح في شكل دائم، وبتحويله إلى معبر تجاريّ أيضاً.
واشتدّت الأزمة الماليّة على حماس، بعد قيامها بتسليم معبر كرم أبو سالم التجاريّ الذي تشرف عليه إسرائيل، إلى السلطة الفلسطينيّة في بداية تشرين الثاني/نوفمبر 2017، بموجب اتّفاق المصالحة، ولكن في 17 فبراير 2019، انسحب موظفو السلطة بشكل مفاجئ من المعبر، فيما أعادت حماس فرض سيطرتها عليه لتأمينه، بسبب قيام حماس بتفتيش موظفي السلطة في المعبر والتدخل في عملهم في تفتيش الشاحنات الواردة للقطاع من خلال المعبر.
ويقول أستاذ العلوم الاقتصاديّة في جامعة الأزهر في غزّة معين رجب لـ"المونيتور": "إن استعادة حماس سيطرتها على معبر كرم أبو سالم، من شأنه أن يخفف من أزمتها المالية، إذ ستجني حماس نحو 20 مليون دولار شهرياً من خلال ضريبة القيمة المضافة البالغة 16% على البضائع التي تدخل غزة عبر معبر كرم أبو سالم".
ولكن رجب أشار إلى أن حماس "لا تزال تفضل تعزيز التجارة مع مصر عبر بوابة صلاح الدين التابعة لمعبر رفح البري، عن تعزيز التجارة مع إسرائيل من خلال معبر كرم أبو سالم"، الأمر الذي يفسر قيام حماس بتخفيض الضريبة المفروضة على البضائع المصرية الواردة إلى غزة، من أجل تشجيع تجار غزة على شراء البضائع المصرية وعلى التوقف عن شراء البضائع الإسرائيلية.
وكان عضو المكتب السياسيّ في حركة حماس محمود الزهّار، قال في حوار مع قناة الجزيرة مباشر في 11 كانون الثاني/يناير 2019 إنّ مصر تخطّط لفتح معبر تجاريّ مع غزّة، مشيراً إلى أنّ ذلك سيعود بالفائدة على غزّة ومصر سويّاً. وأضاف: "نحن لسنا في حاجة إلى التجارة مع إسرائيل أو غيرها، ولا نريد أن يكون بيننا وبين إسرائيل أيّ معبر تجاريّ".