مدينة غزّة - قطاع غزّة: دخلت خدمة الشكاوى الخاصّة بالأطفال في فلسطين العمل بـ1 كانون الثاني/يناير الجاري، بعد أن أطلقت النيابة العامّة، بالشراكة مع دائرة نيابة الاحداث في 23 كانون الأوّل/ديسمبر، الدليل الخاصّ بشكاوى الأطفال لحمايتهم من الانتهاكات التي يتعرّضون لها، وأعلنت بدء العمل فيه مطلع العام المقبل. ويهدف الدليل إلى رصد الانتهاكات كافّة التي يتعرّض لها الأطفال وتوثيقها والتحقيق بشأنها ومتابعتها وتوفير البيئة الآمنة لهم، بما يشمل أماكن احتجازهم ودور الرعاية أو أيّ مكان آخر قد يتعرّض فيه الطفل إلى انتهاك.
وتشكّل نسبة الأطفال في فلسطين 45.3 بالمئة من السكّان في الأراضي الفلسطينية بواقع 43.4 بالمئة من السكان في الضفّة الغربيّة و48.0 بالمئة من السكان في قطاع غزّة، وفق بيان أصدره الجهاز المركزيّ الإحصائيّ الفلسطيني بمناسبة يوم الطفل الفلسطيني في الخامس من نيسان/أبريل الماضي.
الاطفال لا يعلمون حقوقهم، وانهم يمكنهم تقديم شكاوي ضد من ينتهك حقهم، لذلك الدليل سيوعي الاطفال بشأن حقوقهم ويحثهم على تقديم شكاوي ضد كل من ينتهك حقهم، ولم تكن هذه الخدمة متاحة من قبل في فلسطين.
وكانت فلسطين قد سلّمت تقريرها الأوليّ إلى اتفاقيّة حقوق الطفل في أيلول/سبتمبر الماضي، وجاء هذا التقرير في ضوء التزامات فلسطين تجاه الاتفاقيّات الدوليّة الموقّعة عليها، إذ كانت قد انضمّت إلى هذه الاتفاقيّة في نيسان/إبريل من عام 2014.
ويتعرّض الأطفال في فلسطين، نظراً للأوضاع التي تعاني منها، لانتهاك الكثير من حقوقهم سواء أكان من قبل الجانب الفلسطينيّ أم الجانب الإسرائيليّ، إذ بلغ عدد شكاوى الأطفال المتعلّقة بانتهاك حقوقهم من قبل المؤسّسات الفلسطينيّة الواردة إلى الهيئة المستّقّلة لحقوق الإنسان ا 204 شكاوى خلال عام 2017، 153 شكوى في قطاع غزّة و51 في الضفّة الغربيّة، وكان أبرزها الانتهاكات المرتبطة بالحقّ في السلامة الجسديّة.
ويذكر أنّ الهيئة أنشئت بمرسوم رئاسيّ خلال عام 1993 وتحدّدت مهامها ومسؤوليّاتها في متابعة وضمان توافر متطلّبات صيانة حقوق الإنسان في مختلف القوانين والتشريعات والأنظمة الفلسطينيّة، وفي عمل كلّ الدوائر والأجهزة والمؤسّسات الفلسطينيّة الحكوميّة، إذ تقوم هذه الهيئة بمتابعة شكاوى المواطنين في خصوص انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الدولة بحقّهم، ومن ضمنها انتهاكات حقوق الطفل.
في السياق ذاته، أكّد رئيس نيابة الأحداث ثائر خليل في حديث لـ"المونيتور" أنّ هذه الخطوة تأتي في سياق انفتاح النيابة العامّة على مختلف المؤسّسات والشرائح وإدراكها النتائج المترتّبة على انضمام دولة فلسطين إلى الاتفاقيّات الدوليّة لحقوق الإنسان، بما فيها اتفاقيّة حقوق الطفل، مشيراً إلى أنّ الدليل سيسهم في إيجاد بيئة آمنة للأطفال في فلسطين، من خلال إتاحة المجال لهم لتقديم شكوى ضد كل من يتركب انتهاك بحقهم، وإلزام كلّ من يتعامل معهم بالأخلاقيّات المهنيّة الحسنة بما لا يشوبها أيّ مساس أو انتهاك لحقوقهم، وقال :" من شأن كل من تسول له نفسه بإرتكاب انتهاك ضد الطفل أن يرتدع إذ عرف أن خدمة شكاوي الأطفال مفعلة وتتيح للأطفال التقدم بشكوى مباشرة."
وقال: "لقد بدأنا العمل على الدليل منذ نفاذ قانون حماية الأحداث خلال عام 2016".
شرح ثائر خليل أنّ الدليل راعى الاتفاقيّات الدوليّة التي وقّعت عليها فلسطين، فضلاً عن عدم معارضته النصوص والتشريعات الفلسطينيّة، وأهمّها قانونا الطفل وحماية الأحداث، عازياً عدم مشاركة النيابة المؤسّسات الأهليّة في وضعه إلى أنّ إعداده تمّ وفق تلك القوانين التي لا تحتاج إلى عقد جلسات تشاوريّة.
وضم الدليل مبدأ التظلم والحماية والالتزامات، واحتياجات الطفل، و توضيح كيفية تقديم الشكوى ومتطلباتها ومن له الحق بتقديمها ومحظورات الشكوى، وقنوات استلامها، والمبادئ الأساسية للتعامل معها من قبل المختصين، ومراحل التعامل معها وتصنيفها، والشخص المختص بمراجعتها، كيفية تزويد الجهة مقدمة الشكوى بالرد، ووطرق تقديم المساعدة القانونية لمقدمي الشكاوى، فضلاً على إنشاء خط اتصال مجاني لتلقي الشكاوي.
وأكّد أنّ الأطفال كان لهم الدور الكبير في إعداد الدليل من خلال مشاركتهم بآرائهم والاستماع إليهم، إذ تمّ أخذ ملاحظاتهم عليه بشكل معمّق، من نواحي اللغة والتصاميم والرسومات، وطرق التواصل التي تتلاءم مع أعمارهم، وأهم احتياجاتهم، وذلك بشراكة مجلس أطفال فلسطين المشكّل من قبل الحركة العالميّة للدفاع عن الأطفال –فرع فلسطين، ويعتبر الفرع الفلسطيني جزءاً من الائتلاف الدولي للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال التي تأسست في جنيف عام 1979.
لافتاً إلى أنّها المرّة الأولى التي يتمّ إشراك الطفل في إصدار دليل متعلّق به، مشيراً إلى أنّ الدليل ضمّ رسالة موقّعة بخطّ يدّ الأطفال الذين ترأسوا اللجان في المجلس، وقال: "إنّ نطاق الدليل هو رصد الانتهاكات كافّة التي يتعرّض لها الأطفال من قبل جميع الموظّفين الذين يدخل في نطاق عملهم التعامل مع الأطفال وتوثيقها".
وأشار إلى أنّ الانتهاك يشمل كلّ أشكال العنف والإساءة البدنيّة والنفسيّة واللفظيّة والجسديّة والجنسيّة وأيّ معاملة من شأنها امتهان كرامة الطفل الإنسانيّة، لافتاً إلى أنّ الدليل عزز النصّ التشريعيّ بتخويل نيابة الاحداث القيام بدورها في متابعة من يثبت تورّطه بانتهاك حقوق الأطفال ومحاسبته.
ولفت إلى أنّ الدليل سيعمل على تعزيز الوعي لدى الأطفال على أهميّة تقديم شكاوى ضدّ كلّ من ينتهك حقوقهم، إذ سيتم إعداد حملة إعلانية للدليل، كما سيتم توزيعه في جميع المدارس، فضلاً على توفير نسخة إلكترونية، شارحاً أنّ الدليل تمّ تصميمه وكتابته بلغة سلسة تتوافق مع قدرات الأطفال العقليّة، فضلاً عن احتوائه على رسوم وتصاميم تمكّن الطفل من معرفة طريقة تقديم الشكوى بشكل مبسّط.
وأضاف: "يمكن للطفل تقديم شكوى من خلال البريد الإلكترونيّ أو صفحات التواصل الاجتماعيّ الخاصّة بالدليل أو الاتصال الهاتفيّ أو الحضور الشخصيّ إلى نيابة الأحداث".
وأكد خليل على سريّة المعلومات وخصوصيّتها إذ لا يحق سوى للنائب العام ورئيس نيابة الأحداث والشخص المكفل منه شخصياً بالإطلاع عليها. كما يحظّر نشر الواقعة المنشورة في الشكوى، إلى حين البتّ فيها من قبل الجهات المختصّة، وقال: "يتوجّب على أعضاء نيابة الأحداث، في حال التأكّد من حدوث الانتهاك، ضمان عدم تكراره من خلال محاسبة وأنزال العقوبة بالشخص المنتهك، والعمل بشكل جادّ على إجراء دراسة حول طبيعة الانتهاك وضع الإقتراحات والتوصيات اللازمة لعدم تكراره ".
وأوضح أنّ الردّ على الشكوى يكون في غضون 10 أيّام قابلة للتجديد، بشرط عدم تجاوزها الشهر.
ويذكر أنّ نيابة الأحداث تمّ تشكيلها خلال عام 2016، وتتمثّل مهامها في حماية الأطفال المعرّضين للخطر والتفتيش على دور الرعاية، فضلاً عن الخدمات التوعويّة والقانونيّة. وقد بحثت 2100 قضية خلال عام 2018 قُدمت من قبل أهالي أو أقرباء الأطفال أو موظفين، وفق ما صرّح خليل لـ"المونيتور".
من جهته، قال مدير برنامج المساءلة للحركة العالميّة للدفاع عن الأطفال في فلسطين عايد أبو قطيش في حديث لـ"المونيتور": رغم سنّ قانون حماية الأحداث، إلاّ أنّ ما زالت هناك فجوة بين ممارسته وتطبيقه، إذ هناك انتهاكات واضحة ضدّ الأطفال. وأكّد أنّ الأطفال بمعظمهم يتمّ اعتقالهم من قبل أجهزة الشرطة الفلسطينيّة والمخابرات، لا شرطة الأحداث المخوّلة فقط بهذه المهمّة.
وأشار إلى أنّ تعديل قانون الطفل الفلسطينيّ وسن قانون حماية الأحداث يشكّل نوعاً من التناغم مع اتفاقيّة حقوق الطفل العالميّة، لكنّ هناك جوانب اقتصاديّة وثقافيّة واجتماعيّة وأمنيّة وسياسيّة على فلسطين أيضاً مواءمتها مع الاتفاقيّة، إذ لم يتم بعد تعديل قانون الميراث و قانون الإعاقة والأسرة، مشيراً إلى أنّ الحركة تقوم بدور المناصرة لحقوق الطفل في فلسطين، مشيداً بالدليل وخاصة وأنه يسهل للطفل طرق تقديم الشكاوي، الأمر الذي من شأنه أن يحد من الإنتهاكات المرتبكة ضدهم.
من جهتها، أوصت مديرة برنامج حماية الطفولة في مؤسّسة "إنقاذ الطفل" إيمان البرغوثي بضرورة تعديل القوانين الفلسطينيّة المتعلّقة بالعقوبات والأسرة والميراث، بما يتواءم مع بنود اتفاقيّة حقوق الطفل العالميّة، لافتة إلى أنّه تمّ فقط تعديل قوانين الأحداث والتربية والتعليم.