مدينة غزّة , قطاع غزة — أعلنت"اللجنة الوطنيّة الإسلاميّة للتنمية والتكافل الاجتماعيّ – تكافل" خلال مؤتمر صحافيّ عقد في مدينة غزّة بـ29 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، البدء بتنفيذ أكبر مشروع لدعم قطاع الصحّة والحاجات الاستشفائيّة في قطاع غزّة، بتمويل ودعم من جمعيّة الهلال الأحمر الإماراتيّة.
وإنّ "اللجنة الوطنيّة الإسلاميّة للتنمية والتكافل الاجتماعيّ - تكافل"، هي لجنة ذات طابع إنسانيّ إغاثيّ تأسّست في قطاع غزّة خلال عام 2013 على يدّ التيّار الإصلاحيّ في حركة "فتح" بقطاع غزّة، الذي أسّسه محمّد دحلان، وهو القياديّ المفصول من الحركة منذ حزيران/يونيو من عام 2011 والمقيم في دولة الإمارات العربيّة المتّحدة.
وقال رئيس اللجنة الطبيّة في "تكافل" جواد الطيبي لـ"المونيتور": "إنّ هذا المشروع الإغاثيّ هو الأكبر والأوّل من نوعه في غزّة، وهو حالة إسعافيّة طارئة تأتي لإنقاذ الوضع الصحيّ في قطاع غزّة، في ظلّ تنصّل الحكومة والسلطة الفلسطينيّة من مسؤوليّاتهما تجاه غزّة (الخاضعة تحت حكم "حماس")، الأمر الذي تسبّب بخلق أزمة صحيّة كبيرة تتمثّل بنقص الأدوية والإمكانات والمستلزمات الطبيّة في المؤسّسات الطبيّة بغزّة".
وأوضح أنّ هذا المشروع يتكوّن من 10 مشاريع مختلفة، تتضمّن صرف الأدوية العلاجيّة والمستلزمات الطبيّة للمرضى، خصوصاً ذوي الأمراض المزمنة، بشكل مجانيّ، ودعم القطاع الصحيّ والمستشفيات العامّة في غزّة بالإمكانات والمعدّات الضروريّة، مشيراً إلى أنّ هذا المشروع سيشمل أيضاً توفير تغطية ماليّة لإجراء العمليّات الجراحيّة اللاّزمة للمرضى الفقراء، الذين لا يستطيعون تغطية نفقة إجرائها وتوفير العلاج لمرضى الفشل الكلويّ، وإجراء عمليّات جراحيّة للعيون مثل إزالة المياه البيضاء والقرنيّات المخروطيّة.
ولفت إلى أنّ المشروع سيوفّر كذلك الحاجات الضروريّة للمعوّقين وذوي الحاجات الخاصّة، مثل كراسي للمعوّقين حركيّاً وسمّاعات طبيّة للمعوّقين سمعيّاً، وأطراف صناعيّة وأحذية طبيّة وأجهزة لتقويم اعوجاج العظام، ومستلزمات مساعدة مثل الفرشات الطبيّة وحفّاضات لكبار السنّ.
وبيّن أنّ المشروع سيشمل جميع المرضى الفقراء ومعدومي الدخل وطلاّب الجامعات في قطاع غزّة، وسيتمّ تنفيذه من خلال المؤسّسات الطبيّة العامّة والخاصّة في القطاع.
وشكر جواد الطيبي لجمعيّة الهلال الأحمر الإماراتيّة ودولة الإمارات العربيّة بكلّ شيوخها دعمهما هذا المشروع الإغاثيّ من خلال لجنة "التكافل".
وعقب التقارب في العلاقات بين حركة "حماس" ومحمّد دحلان في نهاية عام 2014، الذي جاء نتيجة الجمود في ملف المصالحة، الذي وقّعته حركتا "حماس" و"فتح" (تيّار الرئيس محمود عبّاس) في نيسان/إبريل من عام 2014، باتت هذه اللجنة تضمّ 5 فصائل فلسطينيّة، هي: فتح (تيّار دحلان)، "حماس"، الجهاد الإسلاميّ"، الجبهة الشعبيّة والجبهة الديمقراطيّة. ويترأس اللجنة ماجد أبو شمالة، وهو قياديّ فلسطينيّ تمّ فصله من حركة "فتح"، إلى جانب 34 قياديّاً فتحويّاً آخر، في أيلول/سبتمبر من عام 2017، بقرار من عبّاس، بسبب الموالاة لدحلان.
وأطلقت اللجنة سابقاً مشاريع إغاثيّة وإنسانيّة عدّة لفئات فلسطينيّة مختلفة في قطاع غزّةبتمويل من الإمارات، أبرزها: إطلاق مشروع تقديم مساعدة ماليّة إلى كلّ عامل في القطاع بقيمة 200 شيقل (55 دولاراً) في آب/أغسطس من عام 2017، إطلاق مشروع دعم الحاجات الخاصّة للمرضى الفقراء في تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2017، وإطلاق مشروع تحرير شهادات الخرّيجين الجامعيّين الفقراء في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2017.
وبسبب العداوة بين عبّاس ودحلان، التي تعود أسبابها إلى خلافات تنظيميّة داخل حركة "فتح"، فإنّ كلّ مشاريع لجنة "التكافل" لا تمرّ من خلال السلطة الفلسطينيّة، بل تدخل مباشرة إلى غزّة من خلال مصر أو إسرائيل، اللتين تربطهما علاقة جيّدة بالإمارات، التي تموّل هذه المشاريع.
وترفض الحكومة الفلسطينيّة تمرير أيّ مساعدات إلى قطاع غزّة، إلاّ بالتنسيق مع السلطة الفلسطينيّة، لاعتبار أنّ ذلك سيدفع "حماس" إلى مزيد من التشبّث بالسلطة.
ولفت مسؤول رفيع في السلطة الفلسطينيّة خلال حديث لـ"المونيتور"، شريطة عدم ذكر اسمه، إلى "أنّ السلطة الفلسطينيّة غاضبة إزاء قيام الإمارات بتنفيذ هذا المشروع في قطاع غزّة من خلال لجنة التكافل التابعة لمحمّد دحلان، وليس من خلال السلطة"، مشيراً إلى أنّ الإمارات تموّل هذه اللجنة بـ15 مليون دولار شهريّاً، و قال: "إنّ السلطة الفلسطينيّة تدرس حاليّاً إصدار قرار بتجميد كلّ الأصول الماليّة للجنة التكافل في البنوك الفلسطينيّة وتجريم التعامل معها في المؤسّسات الرسميّة والحكوميّة، لاعتبار عملها يحمل دوافع سياسيّة، لا إنسانيّة بحتة".
وأوضح المسؤول في السلطة أنّ الهدف السياسيّ وراء هذه المشاريع هو "تمرير صفقة القرن الأميركيّة التي تعزّز من فصل قطاع غزّة عن الضفّة الغربيّة، وتقويض شرعيّة السلطة الفلسطينيّة وسيادتها وسلطتها على الفلسطينيّين".
وقال القياديّ في حركة "حماس" يحيى موسى لـ"المونيتور": "إنّ محمّد دحلان وتيّاره يمارسان عملاً إنسانيّاً، وليس سياسيّاً في قطاع غزّة، يهدف إلى التخفيف من الحصار الإسرائيليّ المفروض على غزّة والتخفيف أيضاً من العقوبات التي فرضها رئيس السلطة محمود عبّاس منذ نيسان/إبريل من عام 2017 على القطاع بهدف تقويض حكم حماس".
وأوضح أنّ حماس "ترحب بهذا الدور وتعتبره موقفاً وطنيّاً آخر يضاف إلى المواقف الوطنيّة التي تتبنّاها الفصائل الفلسطينيّة بمعظمها والرافضة لعقوبات السلطة على غزّة".
من جهته، لفت المحلّل السياسيّ والكاتب في صحيفة "الأيّام" الفلسطينيّة طلال عوكل خلال حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ الهدف من هذا المشروع وغيره من المشاريع الإغاثيّة السابقة التي أطلقتها لجنة التكافل بدعم إماراتيّ، "هو زيادة شعبيّة محمّد دحلان على حساب شعبيّة محمود عبّاس بسبب الخلافات بين السلطة الفلسطينيّة والإمارات التي نشأت عقب فصل محمّد دحلان من حركة فتح وقيام الإمارات باستضافته"، وقال: "كنتيجة لهذه الخلافات، أوقفت الإمارات دعمها المباشر للسلطة الفلسطينيّة، وباتت تقدّم دعمها إلى الفلسطينيّين من خلال الأونروا ولجنة التكافل التي أسّسها محمّد دحلان".
وفي ظلّ تواصل العمل الإغاثيّ للجنة "التكافل" في قطاع غزّة، الذي يخفّف من تدهور الأوضاع المعيشيّة والصحيّة والاقتصاديّة، هناك اعتقاد متنامٍ لدى الشارع الفلسطينيّ بأنّ دحلان سيعود بقوّة إلى المشهد السياسيّ الفلسطينيّ عقب رحيل عبّاس، وسيكون مرشّحاً رئيسيّاً في أيّ انتخابات رئاسيّة فلسطينيّة ستعقد مستقبلاً.