لم تعد حرب اليمن الحرب المجهولة أو غير المعروفة، كما اصطلح على توصيفها لمدّة 4 سنوات، بل صار الاهتمام بها يتصدّر نشرات الأخبار والصحف الغربيّة، ممّا يعدّ تحوّلاً كبيراً، نظراً إلى التغطية الإعلاميّة الضعيفة التي كانت تحظى بها حرب اليمن، وهذا التحوّل ليس سببه فقط التفاقم الشديد للأزمة الإنسانيّة في اليمن، بل أيضاً التوتّر السياسيّ الكبير بين الدول الغربيّة والسعوديّة، إثر قضيّة مقتل جمال خاشقجي.
كانت الدعوات لوقف حرب اليمن قليلة ومتقطّعة، أبرزها مبادرة جون كيري التي طرحها في الأشهر الأخيرة من عمله كوزير خارجيّة لأميركا في 2016، وكانت تدعو لوقف الصواريخ البالستية من الحوثيين وتشكيل حكومة وحدة وطنية وتسليم أسلحة الميلشيات لطرف ثالث غير الطرفين المتقاتلين، فيما عدا ذلك، كان الاهتمام الإعلاميّ والسياسيّ بحرب اليمن فاتراً.
تغيّر هذا الوضع وصارت الدعوات لوقف الحرب اليمنيّة أكثر جدّيّة. فللمرّة الأولى، يبدأ الحديث عن جهود دبلوماسيّة بريطانيّة وأميركيّة لاستصدار قرار أمميّ يدعو إلى وقف الحرب، بعد أكثر من 3 سنوات على اعتماد القرار الأمميّ 2216 الصادر في نيسان/أبريل 2015 كمرجعيّة لحرب اليمن، وهو قرار يضفي شرعيّة لضربات التحالف التي بدأت في آذار/مارس 2015، بهدف إعادة الحكومة الشرعيّة إلى العمل من صنعاء.
يمكن بوضوح ملاحظة تغيّر الموقف السياسيّ الغربيّ تجاه السعوديّة وحربها في اليمن بعد حادثة مقتل جمال
خاشقجي اكتوبر الماضي، فدعوات وقف بيع الأسلحة لم تتمّ الاستجابة إليها من قبل أزمة خاشقجي إلّا من دولة السويد التي اوقفت صفقات السلاح مع السعودية في مارس 2016.
بعد مقتل خاشقجي بدأت دعوات وقف بيع الأسلحة تتصاعد ويستجاب لها حتى أوقفت ألمانيا بالفعل بيع أيّ أسلحة إلى السعوديّة في22 اكتوبر الماضي، بينما تعرّض الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون إلى موجة انتقادات غير مسبوقة بعد تصريحاته التي برّر فيها الاستمرار بصفقات بيع الأسلحة إلى السعوديّة.
بينما تعرّض الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب إلى انتقادات حادّة جدّاً، عندما دافع عن صفقة أسلحة مع السعوديّة تبلغ قيمتها 110 مليار دولا اثر دعوات اعلامية وسياسية غاضبة لمعاقبة السعودية بعد مقتل خاشقجي في 13 اكتوبر الماضي، ممّا دفعه إلى التوقّف عن ذكر هذه الصفقة مجدّداً. هذا الزخم كلّه خلّفته قضيّة مقتل خاشقجي التي انعكست بوضوح على حرب اليمن، حيث تتصاعد الدعوات الغربيّة إلى وقف مبيعات الأسلحة إلى السعوديّة، لتخلق ضغطاً متزايداً على الحكومات الغربيّة، بما فيها الولايات المتّحدة الأميركيّة المصدّر الأساسيّ للأسلحة إلى السعوديّة، ممّا قد يعيق قدرة الآلة العسكريّة السعوديّة عن الاستمرار بحربها في اليمن، لاعتمادها الكبير على المؤن والذخيرة الأميركيّة.
كما أوقفت أمريكا تزويدها للطائرات السعودية بالوقود في العاشر من نوفمبر الجاري، وليس كامل دعمها الاستخباراتي والعسكري في حرب السعودية باليمن.
تزامن هذا كلّه مع تصعيد واضح للهجة من الغرب ضدّ السعوديّة، فأقرب حلفائها الغربيّين الرئيس ترامب هاجم السعوديّة في حديث تلفزيوني أجري معه في 4 نوفمبر الحالي، وقال فيه إنّها تسيء استخدام الأسلحة الأميركيّة، مثلما حدث عندما ضربت باصّ مدرسة للأطفال في اليمن. كانت حادثة ضرب باصّ مدرسة أطفال قد وقعت في آب/أغسطس الماضي، وأدّت إلى صدى إعلاميّ واسع حينها، لكنّ هذا التصريح من الرئيس الأميركيّ الآن جاء متّسقاً مع تصاعد الغضب الغربيّ تجاه السعوديّة وتزايد الضغط عليها لوقف انتهاكاتها الحقوقيّة، أبرزها تلك المتعلّقة بحرب اليمن والتي صارت تثير الرأي العامّ الغربيّ بشدّة أخيراً.
دعا وزير الخارجيّة الأميركيّ مايك بومبيو ووزير الدفاع الأميركيّ جيمس ماتيس إلى وقف الحرب في اليمن في تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي.
المهلة الزمنيّة والضغط الغربيّ دفعا إلى تصعيد عسكريّ تشهده مدينة الحديدة الاستراتيجيّة في الساحل الغربيّ، ففيها الميناء الرئيسيّ.
هذا التصعيد جاء بعد هدوء اتّسمت به جبهة القتال في الحديدة منذ أشهر عدّة، بعد بدء القتال في شهر حزيران/يونيو الماضي، ممّا أثار مخاوف شديدة من تفاقم الكارثة الإنسانيّة في اليمن، جرّاء اندلاع الحرب في مدينة تعدادها السكّانيّ يفوق الـ600 ألف نسمة، وخشية تعطيل عمل ميناء يمدّ اليمن بـ70% من احتياجاته الغذائيّة الأساسيّة أو تدميره.
هذه المخاوف حول الوضع الإنساني تزايدت بشدة بعد تحول الحرب في الحديدة لحروب شوارع، سيطرت فيها القوات المدعومة من التحالف على كل مداخل المدينة بإستثناء المدخل الشمالي الذي يربطها بصنعاء. كما أوضح الصفحي بسيم الجناني وهو احد ابناء المدينة مؤكداً إن الحرب لا تزال في اطراف المدينة قريبة من وسطها وبعض الشظايا والقذائف بدأت تصل للأحياء السكنية وورغم توقف المعركة منذ يوم 12 من الشهر الجاري لكن لا يمكن الجزم إنه توقف نهائي حيث لاتزال قوات الطرفين مرابضة وتصلها الإمدادات.
قبل شهرين فقط في أيلول/سبتمبر الماضي، دعا المبعوث الأمميّ مارتن غريفيث إلى مفاوضات لا تناقش التسوية بل قضايا إنسانيّة ومعالجة مشكلة انقسام البنك المركزيّ، وفتح مطار صنعاء الدولي، وتبادل الأسرى. على الرغم من هذا السقف التفاوضيّ المنخفض، لم تنجح هذه المفاوضات حتّى بالانعقاد بعد فشل المبعوث الأمميّ في ترتيب إجراءات نقل الوفد الممثّل للحوثيّين من صنعاء لجنيف بطائرة خاصّة، وبالتالي لم يتمكّن الوفد الحوثيّ من الحضور.
أعلن وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت في 13 نوفمبر، إن السعودية وافقت على شرط الحوثيين بتوفير طائرة عمانية خاصة لنقل جراحهم، مما يعد مؤشر أولى من السعودية عن نيتها وقف حرب اليمن وتخفيف الضغط الدولي عليها، كما يعد مؤشر مهم لامكانية انعقاد المفاوضات نهاية الشهر.
وقد صرح سياسي يمني للمونيتور -دون الافصاح عن اسمه- إن المفاوضات المقبلة بالسويد سوف تركز على وقف اطلاق النار ومعالجة القضايا الإنسانية لبناء الثقة بين الطرفين وتأسيس أطر لعملية مفاوضات طويلة حول شكل الدولة المقبل والترتيبات الأمنية من انسحاب الميلشيات من المدن وتسليم السلاح الثقيل، مضيفاً إنه أكبر الصعوبات التي ستواجه المتفاوضين غير الترتيبات الأمنية هومصير الرئيس هادي وحكومته.
مفاوضات صعبة وطويلة قد تنتظر اليمنيين، لا يمكن التنبؤ بنجاحها أو الإفراط في التفاؤل بنتائجها، حيث يصعب معالجة انتشار الأسلحة والميليشيات، فوقف التدخّل العسكريّ الإقليميّ المباشر لا يعني وقف التدخّلات الإقليميّة المتزايدة في اليمن من خلال وكلائها المحلّيّين. اتسع الصراع الإقليمي في اليمن ليشمل مناطق كانت بعيدة عن الحرب، مثل محافظة المهرة الواقعة أقصى جنوب شرق اليمن في المنطقة المحاذية للحدود مع سلطنة عمان، حيث تشهد المحافظة اضطرابات واحتجاجات شعبيّة منذ عدة أشهر في صراع بالوكالة بين سلطنة عمان وقطر من جهة والسعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة من جهة أخرى، هذا إضافة إلى التدخّل الإيرانيّ بدعمه الحوثيّين المسيطرين على العاصمة.