القاهرة - يبدو أن تفاعل مواطني شمال سيناء مع المراكز الثقافية الإسلامية التابعة لوزارة الأوقاف، حًث وزارة الأوقاف للتوسع في إنشاء مراكز ثقافية إسلامية أخرى في المحافظة بجانب ثلاث مراكز ثقافية أخرى، على حد تعبير الشيخ جابر طايع ، رئيس القطاع الديني في وزارة الأوقاف في حواره مع المونيتور. وتأتي هذه الخطوة في الوقت الذي تكثّف الدولة جهودها لتنمية سيناء، وتتطلّب التنمية في المقام الأوّل مواجهة الفكر والتطرّف.
قال الشيخ جابر طايع خلال حوار مع "المونيتور" إنّ "هذه المرّة الأولى التي يتمّ فيها افتتاح مراكز ثقافيّة إسلاميّة في شمال سيناء،
ولفت إلى أنّ هناك إقبالاً شديداً من أهالي شمال سيناء، مفسّراً: "كان متوقّعاً تسجيل 30 شخصاً، ولكنّنا تفاجأنا بوجود أكثر من 300، لذلك تفكّر الوزارة في فتح مراكز أخرى لاستيعاب العدد".
ويرجع ذلك إلى طبيعة شمال سيناء الخاصّة، باعتبارها بؤرة للأفكار المتطرّفة والإرهاب، حيث ترغب وزارة الأوقاف في تدريس مناهج أزهريّة تهدف إلى نشر الفكر الإسلاميّ الوسطيّ.
وقد أشار الدكتورمحمّد مختار جمعة في تصريحات صحافيّة في 23 تشرين الأوّل/أكتوبر إلى أنّ "مراكز الأوقاف للثقافة الإسلاميّة في محافظة شمال سيناء شهدت إقبالاً كثيفاً منذ اليوم الأوّل لبدء الدراسة، بما يؤكّد عودة الحياة إلى طبيعتها واستقرار الأمن في المحافظة ونبذ المحافظة للتطرّف والعنف والإرهاب، لافتاً إلى أنّهم يتلقّون العلم الشرعيّ الوسطيّ على أيدي علماء وأئمّة من الأوقاف، متميّزين علميّاً وفكريّاً".
إن افتتاح هذه المراكز الثلاث إضافة إلى مراكز أخرى في المستقبل يظهر جهود الحكومة المكثفة لمكافحة التطرف في سيناء. وإن المراكز مجانية والقبول أسهل مقارنة بالمراكز في المحافظات الأخرى.
وعن شروط الالتحاق بالمراكز، قال طايع إنّه "يشترط الحصول على مؤهّلات عليا، ولكن تمّ الاستثناء من هذا الشرط في شمال سيناء، وتمّ قيد دارسين من الحاصلين على مؤهّلات متوسّطة وفوق المتوسّطة، مع حضور بنسبة لا تقلّ عن 60%". وأردف: "كما تمّ الإعفاء من الرسوم الدراسيّة في شمال سيناء على خلاف المراكز الأخرى".
وأشار إلى شروط التحاق الدارسين في المراكز، قائلاً: "يشترط أن يكونوا من خرّيجي جامعة الأزهر، الذين سبق اختيارهم من بين متقدّمين كثر، بعد اختبارات عدّة للتأكّد من استعدادهم التامّ للدراسة".
وأشار إلى أهمّيّة هذه المراكز، قائلاً إنّها "بديل لجامعة الأزهر، لعدم وجود جامعة للأزهر في شمال سيناء، ممّا يمثّل فرصة كبيرة للمواطنين لتعلّم أصول الشريعة والفقه ودراسة مناهج الأزهر". وبعد تخرّجهم من المراكز بعد مدّة عامين، يحصل الطالب على شهادة، إمّا يعمل بها خطيباً في مسجد إذا كانت لديه ملكة الخطابة وإلقاء الدروس، أم يساهم في تثقيف أسرته والبيئة التي يعمل فيها، على حدّ تعبيره.
بعد عامين من الدراسة، يحصل طلاب المركز على شهادة تسمح لهم بالعمل كواعظ أو واعظة في المسجد.
وأشار إلى دور هذه المراكز في مواجهة التطرّف، قائلاً: "وذلك من خلال المناهج التي تدرّس والاحتكاك المباشر بعلماء الأزهر الوسطيّين والمناقشات الفكريّة التي تساعد على تفنيد الأفكار الإرهابيّة، بديلاً عن أحاديث المتطرّفين التي لا تقبل التعدّديّة". ولا يقتصر التقديم على الرجال فقط، ولكنّ النساء أيضاً يمكن أن يعملن كواعظات بعد تخرّجهنّ من المركز.
ويرجع تاريخ مراكز الثقافة الإسلاميّة إلى عام 1989، عندما صدر قراررقم 218 بإنشاء معهد لإعداد الدعاة يتبع إلى وزارة الأوقاف ويكون مقرّه القاهرة، ويسمح بإنشاء فروع أخرى له في محافظات عدّة، بهدف "إعداد دعاة محصّنين بمعلومات صحيحة عن الإسلام وإيصال حكم الدين في مختلف القضايا ومشاكل العصر للتأكّد من الحصيلة الدينيّة التي تلقّاها الإمام".
ويوجد اليوم 28 مركزاً ثقافيّاً إسلاميّاً على مستوى الجمهوريّة وتطوّرت هذه المراكز ليتمّ في 8 تشرين الثاني/نوفمبرالإعلان عن افتتاح مركز دينيّ بلغات أجنبيّة في مدينة الغردقة في محافظة البحر الأحمر.
وتشير ليلي محمّد، وهي طالبة في الفرقة الثانية في المركز الثقافيّ الإسلاميّ في محافظة الجيرة، في حديثها إلى "المونيتور" عن سعادتها بتواجدها في المركز، مفسّرة أنّ "المعلّمين ممتازون"، وأضافت: "كما أنّني أدرس للمرّة الأولى العلوم الشرعيّة". وترغب محمّد في العمل كواعظة إسلاميّة بعد تخرّجها، حيث يسمح المركز للسيّدات أن يعملن كواعظات.
بينما أشارت فاطمة الزهراء، وهي خرّيجة المركز الثقافيّ الإسلاميّ في القاهرة، في حوارها مع "المونيتور" إلى أنّ سبب دخولها المركز هو شغفها في علم أصول الدين. ولكنّها ترى أنّ عامين في الدراسة لا يكفيان لأن تكون واعظة، حيث يتطلّب ذلك دراسة أعمق. لذلك لا تفضّل العمل كواعظة، بل الاكتفاء بالمعلومات التي حصلت عليها للتأثير على أهلها وأصدقائها.
وقد اتّخذت وزارة الأوقاف أخيراً مسارات عدّة لمواجهة التطرّف في مصر سواء في شكل مباشر أم غير مباشر، على غرار إطلاق حملات للتعريف برسول الله "رسول الإنسانيّة"، والتي تشمل خطباً ودروساً في المساجد والفضائيّات والأندية والمنتديات العامّة والتجمّعات، وكتباً وحملات ميدانيّة ورسائل مكتوبة، وإنشاء أكاديميّة عالميّة لتعليم الأئمّة وتدريبهم. كما تطلق مساراً دعويّاً آخر، وهو تشكيل مجموعات عمل "واعظة وراهبة في حبّ مصر" لترسيخ المواطنيّة وتصحيح المفاهيم الخاطئة، فضلاً عن إطلاقها حملة "وطن بلا إدمان" لمقاومة المخدّرات، لوجود رابط بين المخدّرات وزراعته والإرهاب وتجنيد الشباب، على حدّ تعبيروزير الأوقاف الدكتور جمعة.
وقد أشاد الباحث في الجامعة الأوروبّيّة في فلورنسا الدكتور جورج فهمي، في حواره مع "المونيتور" بجهود الأوقاف في مواجهة التطرّف. ولكنّه يرى أنّ مواجهة التطرّف تتطلّب عدم انتظار إقبال المواطنين على هذه المراكز، ولكن من خلال التواصل المباشر والمستمرّ مع المواطنين، و"من خلال شبكات محلّيّة، بالاشتراك مع الأئمّة والدعاة والمؤسّسات التعليميّة والقيادات القبليّة، لذلك من المهمّ تدريب دعاة من المنطقة نفسها ليكونوا على وعي بطبيعة المنطقة والتركيبة القبليّة".