القاهرة — في 15 تشرين الثاني/نوفمبر، قرّرت لجنة السياسات في البنك المركزيّ المصريّ تثبيت أسعار الفائدة الأساسيّة عند 16.75 في المئة للإيداع، و17.75 في المئة للإقراض، للمرّة الخامسة على التوالي، تزامناً مع الارتفاع المتصاعد لمعدّل التضخّم العام، حيث بلغ في تشرين الأوّل/أكتوبر 17.7 في المئة، مقابل 16 في المئة بأيلول/سبتمبر.
وأثار تمسّك البنك المركزيّ بتثبيت سياسته النقديّة تساؤلات حول قدرته على تحقيق معدّل التضخّم المستهدف له، وهو 13 في المئة (قابل للزيادة أو النقص بنسبة 3 في المئة)، خلال الربع الرابع من عام 2018. واعترف البنك المركزيّ بارتفاع المخاطر المحيطة بتأخر النمو الاقتصادي نتيجة زيادة أكبر من التي توقّعها في أسعار بعض الخضروات الطازجة مثل البطاطس والطماطم.
وأشار البنك إلى أنّ "السياسة النقديّة التقييديّة التي ينتهجها، نجحت في احتواء ضغوط التضخّم الأساسيّ في الاقتصاد، حيث استمرّ المعدّل السنويّ للتضخّم الأساسيّ في الانخفاض ليسجّل 8.7 بالمئة في المتوسّط خلال الفترة الممتدّة بين تمّوز/يوليو وتشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2018"، وقال: "إنّ أسعار العائد الأساسيّة لديه في الوقت الحاليّ تظلّ متّسقة مع تحقيق معدّلات أحاديّة للتضخّم العام بمجرّد انتهاء الآثار الموقّتة الناجمة عن إجراءات ضبط الماليّة العامّة للدولة".
ولفت محلّل الاقتصاد الكليّ في بنك الاستثمار "هيرميس" محمّد أبو باشا إلى أنّ لجوء المركزيّ إلى تثبيت أسعار الفائدة من دون تحريك حتّى نهاية العام الحاليّ كان "متوقّعاً"، في حديث لـ"المونيتور": "لم تكن هناك حاجة إلى رفع الفائدة خلال العام الحاليّ، ولكن هناك ضرورة لاحتواء الضغوط التضخميّة ومراقبة الاتّجاه الانكماشيّ للسياسة النقديّة عالميّاً".
وتشهد الأسواق العالمية مؤخرًا ارتباكًا بسبب الحروب التجارية بين الولايات المتحدة والصين وتراجع أداء دول منطقة اليورو واليابان وبريطانيا وزيادة أسعار الفائدة التي تضغط على بعض الأسواق الناشئة، وظهر ذلك جليا بعدما خفّض صندوق النقد الدولي، تقديراته للنمو الاقتصادي العالمي للمرة الأولى منذ 2016، وذلك للعامين 2018 و2019 عند 3.7 في المئة، متراجعًا عن توقعاته في يوليو/تموز بأن تكون 3.9 في المئة العامين الماضين.
وأوضح أنّ ارتفاع وتيرة التضخّم في الأشهر الأخيرة، جاء بسبب ارتفاع أسعار بعض السلع مثل البطاطس والطماطم بنسبة بلغت أكثر من 90 في المئة، لكنّ لجنة السياسات في البنك المركزيّ –بحسب أبو باشا-، رأت أنّ ارتفاع أسعار تلك السلع هو ظاهرة موسميّة. وبالتّالي، يعود التضخّم إلى الانخفاض مجدّداً. أبو باشا، يقصد بالظاهرة الموسمية أنها أزمة مفاجئة لا تتكرر كل عام حيث أصيب نبات الطماطم بالفيروس دمر غالبية الزراعات، وكذلك أزمة نقص المعروض من محصول البطاطس مقابل طلب المستهلكين، بسبب انتهاء موسم زراعتها الصيفي وكذلك احتكار بعض التجار للمحصول المُخزن وهو ما أدى لارتفاع أسعارها الكبير.
وفي تشرين الأوّل/أكتوبر، خرجت أسواق بعض الخضروات عن سيطرة الحكومة، بعدما سجّلت أسعار البطاطس ارتفاعاً نسبته 146.7 في المئة خلال تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، مقارنة بأسعارها في الشهر نفسه من العام الماضي. كما زادت أسعار الطماطم بنسبة 43.9 في المئة عن العام الماضي أيضًا.
سبب آخر دفع بالبنك المركزيّ إلى اتّخاذ قراره بعدم خفض الفائدة، بحسب محمّد أبو باشا، هو الحفاظ على استثمارات الأجانب في أدوات الدين، بعدما فقدت مصر نحو 8.4 مليار دولار من استثمارات الأجانب خلال الفترة الممتدّة من بداية نيسان/إبريل إلى نهاية أيلول/سبتمبر الماضي، في أعقاب الأزمة التي تعرّضت لها الأسواق الناشئة مثل تركيّا والأرجنتين وارتفاع أسعار الفائدة إلى معدّلات غير مسبوقة.
وأدى رفع مجلس الاحتياط الاتحادي الأميركي (المصرف المركزي)، لأسعار الفائدة في 26 سبتمبر/أيلول الماضي، للمرة الثالثة هذا العام وهو ما جذب المستثمرين إلى السوق الأمريكي، وهروب رأس المال من الأسواق الناشئة ولاسيما الأرجنتين والبرازيل وتركيا. وفي 30 أغسطس/آب، رفع البنك المركزي الأرجنتيني أسعار الفائدة إلى 60 في المئة لإنقاذ عملتها، وبعدها في 14 سبتمبر/أيلول رفعت تركيا سعر الفائدة إلى 24 في المئة.
وإنّ الأسباب التي أعطاها أبو باشا، اتّفق معها عضو مجلس إدارة البنك العقاري المصري العربي أحمد بدرة، الذي قال لـ"المونيتور": إنّ البنك يريد أن تحافظ مصر على تنافسيتها كوجهة استثمار في محافظ الأوراق المالية في ظل تقلبات الأسواق الناشئة.
ويمثّل التضخّم المرتفع أحد أبرز التحدّيات التي تواجه الحكومة، خلال تنفيذ إجراءات برنامج الإصلاح الاقتصاديّ الذي بدأته منذ توقيع اتّفاق مع صندوق النقد الدوليّ للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار في 3 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2016، إذ وصل إلى أعلى مستوياته في 3 عقود خلال تمّوز/يوليو من العام الماضي عند 34.2 في المئة.
وأشارت أستاذة الاقتصاد في جامعة "عين شمس" يمن الحماقي إلى أنّ سياسة الحكومة الاقتصاديّة ألقت بظلالها على قرار البنك المركزيّ، وأجبرته على تثبيت سعر الفائدة، وقالت: "لم يكن أمامه سبيل آخر غير ذلك".
وأوضحت في حديث لـ"المونيتور" أنّ ارتفاع أسعار الخضروات التي قادت إلى تصاعد نسبة التضخّم جاء نتيجة سياسة الاحتكار والفساد التي تعاني منها الأسواق في مصر من قبل التجار ورجال الأعمال في القطاعات الزراعية، وسط غياب لسيطرة الحكومة.
وأشارت إلى أنّ الحكومة المصريّة تنفّذ برنامج الإصلاح الاقتصاديّ ببطء من دون سياسة وخطط جادّة بدليل ركود الأسواق وتضخّم الأسعار وعجز الإنتاج، وقالت: إنّ الحكومة تنفّذ إجراءات صندوق النقد التقشفيّة من دون إجراء إصلاحات ملموسة داخل قطاعات الصناعة والزراعة، وهو ما يقوّض عمليّة الإصلاح الاقتصاديّ التي تتبنّاها ويجعلها بلا فعاليّة على المواطنين.
وقبل أسبوعين من قرار تثبيت أسعار الفائدة في 31 أكتوبر/تشرين أول، وافقت بعثة صندوق النقد الدوليّ على منح مصر دفعة جديدة من القرض البالغ قيمته نحو 12 مليار دولار بعد اكتمال المراجعة الرابعة لبرنامج القرض. ودعا الصندوق إلى مواصلة تنفيذ الإصلاحات ومساعدة القطاع الخاص على الاستثمار وتحسين الشفافيّة في المؤسّسات المملوكة من قبل الدولة ومكافحة الفساد.
وتنتظر مصر، موافقة المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي للحصول على ملياري دولار في ديسمبر المقبل وهي الشريحة الخامسة من القرض؛ بعدما حصلت على 8 مليارات على 4 دفعات سابقة. لتبقى دفعة أخيرة من القرض، سوف يتم صرفها فى يونيو/حزيران أو يوليو/تموز 2019.
ورصدت المبادرة المصريّة للحقوق الشخصيّة، منظّمة مجتمع مدنيّ، في تقرير لها تعليقاً على المراجعة الثالثة للصندوق (تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2017- أيّار/مايو من عام 2018)، أنّ الحكومة المصريّة نفّذت وحقّقت 4 إجراءات فقط من أصل 14 إجراء اشترطها الصندوق لتحصل على الدفعة الثالثة من القرض ورغم ذلك، قالت سلمى حسين، مُعدة التقرير والباحثة بالمبادرة، لـ"المونيتور"، وافق الصندوق على صرف شرائح القرض لأن الحكومة المصرية نفذت الإجراءات الأساسية التي طلبها من بينها رفع سعر الفائدة ورفع الدعم عن الوقود.
وعن تأثيرات استمرار تثبيت أسعار الفائدة، قالت إن أسعار الفائدة بمعدلها الحالي لاتزال "مرتفعة" والحكومة بحاجة ماسة لخفضها، مشيرة إلى أن أسعار الفائدة المرتفعة تؤدي لزيادة عجز الموازنة العامة للدولة وارتفاع معدلات التضخم.
وحذّرت حسين من أنّ تداعيات استمرار أسعار الفائدة على هذا النحو تمثّل خطراً يحيق بالاقتصاد المصريّ، وهو انخفاض جديد محتمل في قيمة الجنيه خلال ما تبقّى من العام المالي 2018/2019 قد يرفع التضخّم إلى ما فوق الـ20 في المئة.
أمّا أبو باشا، فتوقّع أن يحافظ البنك المركزيّ المصريّ على النسبة المستهدفة قبل انتهاء هذا العام، وأن يواصل تثبيت الفائدة خلال اجتماعه المرتقب في كانون الأوّل/ديسمبر المقبل.