مدينة غزّة - قطاع غزّة: تواصل حركة "حماس" شنّ هجومها الإعلاميّ ضدّ الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس، وذلك في أعقاب تهديدات الأخير باتّخاذ إجراءات جديدة ضدّ "حماس" في قطاع غزّة، في حال أقدمت على توقيع اتّفاق تهدئة مع إسرائيل، بعيداً عن منظّمة التحرير، ورفضت تسليم قطاع غزّة للحكومة الفلسطينيّة، وهي تهديدات أوقفت مفاوضات التهدئة غير المباشرة بين "حماس" وإسرائيل.
وجاءت تصريحات القياديّ في حركة "حماس" محمود الزهّار في مقابلة مع موقع "الخليج أون لاين " في 30 أيلول/سبتمبر الماضي، والتي اتّهم فيها محمود عبّاس ودولاً عربيّة، لم يسمّها، بالضغط على إسرائيل لشنّ حرب جديدة ضدّ قطاع غزّة.
وأوضح محمود الزهّار أنّ عبّاس مقدم على قطع رواتب الموظّفين في القطاع وسحب الأموال من المصارف الفلسطينيّة في قطاع غزّة، مشيراً إلى أنّ عبّاس يسعى من ذلك المخطّط إلى إخراج السكّان ضدّ حركة "حماس"، وإن لم يخرجوا سيضغط (عبّاس) وبعض الدول العربيّة لدفع إسرائيل إلى شنّ حرب على قطاع غزّة.
الزهار لم يذكر أسماء تلك الدول، إلا أن علاقة متوترة تربط حركته مع كلاً من الامارات والسعودية في أعقاب انتكاسة ما سمي بـ"ثورات الربيع العربي"، حيث تنظر الدولتان لحماس على أنها ذراع لجماعة الإخوان المسلمين في الأراضي الفلسطينية وأنها حركة متطرفة وإرهابية تقيم علاقات مع إيران وقطر، وبلغ التوتر بين حماس وتلك الدولتين في الأعوام الثلاثة الأخيرة، عندما طردت واعتقلت الدولتين العديد من الشخصيات المحسوبة على حركة حماس.
تصريحات الزهّار تلك، جاءت في أعقاب الرسالة التي وجّهها عبّاس إلى حركة "حماس" من على منبر الأمم المتّحدة في 27 أيلول/سبتمبر الماضي، والتي قال فيها: "في الأيّام القادمة، سنشهد الجولة الأخيرة من محادثات المصالحة. وبعدها، سيكون لنا تصرّف آخر، (..) من الآن فصاعداً لن نتحمّل أيّ مسؤوليّة إذا استمرّت حماس في رفض الاتفاق"، وذلك في إشارة إلى اتفاق المصالحة الذي توسط به مصر في أكتوبر 2017، وقف تمويل قطاع غزّة بالكامل.
فيما كشفت صحيفة "الأخبار" اللبنانيّة في 2 تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري أنّ "حماس" جهّزت خطّتها للردّ على عبّاس في حال نفّذ تهديداته، وذلك من خلال اعتبار حركة فتح في قطاع غزة تنظيماً محظوراً ومصادرة جميع أملاكه ومنع أي نشاطات له، بالإضافة إلى طرد موظفي السلطة الفلسطينية عن المعابر مع إسرائيل وتحويل طريق إدخال البضائع لقطاع غزة عن طريق معبر رفح مع مصر.
وأعلنت "حماس" في سبتمبر الماضي رفضها، أيّ مواجهة عسكريّة مع إسرائيل في هذا الوقت لاعتبارات عدّة، أهمّها أنّ أوضاع السكّان في غزّة لا تحتمل مواجهة جديدة من جرّاء حال عدم التعافي الكامل من حرب غزّة الأخيرة عام 2014، وأكّد ذلك قائد "حماس" في قطاع غزّة يحيى السنوار مع صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيليّة في 4 تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري، حيث قال: "حرب جديدة ليست في مصلحة أحد، وبالتأكيد ليست في مصلحتنا (..)، ما أريده هو إنهاء الحصار عن شعبي".
وفسّر القياديّ في حركة "حماس" حماد الرقب كلام الزهّار في حديث مع "المونيتور" بالقول: "الرئيس عبّاس لا يمكنه فرض عقوبات على قطاع غزّة من دون موافقة إسرائيل، بهدف التضييق على السكّان والمقاومة الفلسطينيّة، وصولاً إلى إنهاكها وشنّ حرب بعد ذلك للقضاء عليها".
وشدّد على أنّ "حماس" والفصائل الفلسطينيّة لا يمكنهما أن تصمتا طويلاً على تلك الإجراءات، وقال: "انفجار غزّة سيكون في وجه إسرائيل، التي هي صاحبة السلطة الفعليّة على الشعب الفلسطينيّ وتفرض حصارها منذ 12 عاماً".
وأشار إلى أنّ الإجراءات التي فرضها عبّاس خلال عام 2017، من خلال تقليص رواتب الموظفين الحكوميين في غزة إلى 30%، ومن ثم إلى 50%، ورفض تمويل الكهرباء الواصلة لغزة من إسرائيل، ويهدّد بفرض المزيد منها، تمسّ الحياة الإنسانيّة لـمليونيّ مواطن في قطاع غزّة، وليس حركة "حماس" فقط.
وأظهر تقرير صادر عن البنك الدوليّ في 24 أيلول/سبتمبر الماضي، أنّ الحصار الإسرائيليّ وقرار السلطة الفلسطينيّة خفض تمويلها لقطاع غزّة وخفض المساعدات الأميركيّة ساهمت إلى ارتفاع نسبة البطالة إلى 53 في المائة و أكثر من 70 في المائة للشباب، وأنّ شخصاً من اثنين في قطاع غزّة يعاني من الفقر.
ونفى عضو المجلس المركزيّ الفلسطينيّ والناطق باسم حركة "فتح" عاطف أبو سيف تلك الاتهامات، وقال في حديث مع "المونيتور": "الأجدر بالزهّار أن يخرج إلى سكّان قطاع غزّة ويخبرهم كيف يمكن لقيادة حماس أن تدير حياتهم وتخرجهم من الوضعين الإنسانيّ والاقتصاديّ المتردّيين، بدل أن يكيل اتهامات باطلة ضدّ الرئيس عبّاس".
وأشار إلى أنّ "حديث الزهّار وغيره من قيادات حماس عن إجراءات جديدة ضدّ قطاع غزّة أخبار عارية من الصحّة"، مؤكّداً أنّ من يقرّر تلك الإجراءات هو المجلس المركزيّ المتوقّع انعقاده في الفترة الممتدّة بين 20 و25 تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري.
توقّع العديد من مسؤولي السلطة الفلسطينيّة أن يتمّ اتّخاذ قرارات قاسية ضدّ حركة "حماس" في قطاع غزّة خلال اجتماع المجلس المركزيّ المقرّر انعقاده قبل نهاية تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري، إذا لم يتمّ التوصّل إلى اتفاق ينهي الانقسام الداخليّ بوساطة مصريّة، فيما أنهت حركة "حماس" جولة الحوار الجديدة مع المخابرات المصريّة في 3 تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري، والتي وصفتها بأنّها إيجابيّة.
رفعت "حماس" في الآونة الأخيرة وتيرة الاحتكاكات التي تقوم بها على الحدود مع إسرائيل وزادت من إرسال البالونات الحارقة باتجاه جنوب إسرائيل، وشهد يومي 28 سبتمبر الماضي، و5 أكتوبر الجاري، سقوط 10 فلسطينيين وأصيب أكثر من 800 آخرين خلال المواجهات مع الجيش الإسرائيلي، وذللك في ظلّ تراجع فرص توقيع اتفاق تهدئة بينهما، ورفع الجيش الإسرائيليّ في 4 تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري من جهوزيّته على الحدود مع قطاع غزّة بحشد المزيد من القوات ونشر القبة الحديدية، فيما هدّد رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو خلال مؤتمر صحافيّ مع المستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل بالقدس في 4 تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري، حركة "حماس" بردّ قويّ في حال هاجمت إسرائيل، مطالباً في الوقت ذاته "الرئيس عبّاس بوقف خنق قطاع غزّة".
واعتبر أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة "النّجاح" البروفسّور عبد الستّار قاسم في حديث مع "المونيتور" أنّ حديث الزهّار ليس مفاجئاً، في ظلّ رغبة العديد من الأنظمة في التخلّص من حركة "حماس"، وفي مقدّمتها "إسرائيل ومصر والأردن والسعوديّة والإمارات"، مشيراً إلى أنّ إسرائيل متخوّفة من الخسائر التي يمكن أن تتكبّدها في أيّ مواجهة مقبلة، وهو الأمر الذي يجعلها تتردّد في خوض تلك المواجهة.
من جهته، اعتبر أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة "الأزهر" بغزّة مخيمر أبو سعدة في حديث مع "المونيتور" تصريحات الزهّار بأنّها تأتي في جانب التوقّعات السياسيّة للحركة، وليست أدلّة دامغة بين أيديها حول مخطّط لدفع إسرائيل إلى شنّ حرب على غزّة، محذّراً من أنّ أيّ مواجهة عسكريّة مقبلة ستكون نتائجها كارثيّة على سكّان قطاع غزّة، الذين يعانون من حالة انهاك في الجوانب الاقتصاديّة والصحيّة والإنسانيّة.
تأمل "حماس" وغيرها من الفصائل الفلسطينيّة في قطاع غزّة أن تنجح الجهود الدوليّة والإقليميّة في فكفكة أزمات غزّة، ومنع الوصول إلى حال الانفجار العسكريّ مع إسرائيل، بيد أنّ الخوف الذي يسيطر على تلك الفصائل نابع من استمرار عرقلة عبّاس لتلك الجهود.