مدينة غزّة، قطاع غزّة — تستعدّ عضو الكنيست في حزب الليكود عنات بيركو لتقديم مشروع يفرض عقوبة السجن على من يرفع العلم الفلسطينيّ أو أيّ دول معادية لإسرائيل خلال تظاهرة أو تجمهر 3 أشخاص على الأقلّ، إذ يتضمّن المشروع تقديم لائحة اتّهام جنائيّة ضدّ كلّ من يرفع أعلام الدول المعادية لإسرائيل أو الدول غير الصديقة أو أيّ هيئة لا تسمح برفع العلم الإسرائيليّ في مجالها، بعقوبة السجن الفعليّ لمدّة عام. وسيقدّم المشروع إلى الكنيست في مطلع الدورة الشتويّة في تشرين الأوّل/أكتوبر، وسط تعهّدات بتسريع إجراءات سنّه، وفق ما ذكرت صحيفة "إسرائيل اليوم" في عددها الصادر بـ22 آب/أغسطس، إذ أكّدت الصحيفة أنّ عنات بيركو تلقّت وعوداً تفيد بأنّ لجنة الكنيست تنوي إعفاء مشروع القانون من الانتظار مدّة 45 يوماً من موعد تقديمه حتّى عرضه للمصادقة عليه بالقراءة التمهيديّة، كما هو متّبع.
ويأتي هذا المشروع في أعقاب المظاهرة، التي نظّمتها لجنة المتابعة العربيّة العليا في مدينة تلّ أبيب بإسرائيل في 11 آب/أغسطس، رفضاً لقانون القوميّة، الذي أقرّه الكنيست في 19 تمّوز/يوليو الماضي، ونصّ على أنّ إسرائيل هي الدولة القوميّة للشعب اليهوديّ، وهي صاحبة الحقّ الحصريّ في تقرير المصير فيها. وشارك في المظاهرة عشرات الآلاف، ورفعت فيها الأعلام الفلسطينيّة، الأمر الذي تسبّب بموجة انتقادات غاضبة داخل الأوساط الإسرائيليّة، ويذكر أنّ العرب داخل إسرائيل يشكّلون حوالى 20 في المئة من السكّان.
وينصّ المشروع على الآتي: "إنّ تجمهر 3 أشخاص على الأقلّ لارتكاب مخالفة أو تجمهر لهدف مشترك، ولو كان مشروعاً، ويتصرّفون بشكل يدفع بالآخرين إلى الاعتقاد بأنّ هناك مخاوف من شأنها أن تنتهك سلامة الجمهور، أو أنّ مجرّد التجمهر قد يثير أناساً آخرين لذلك، فإنّ ذلك يعتبر تجمهراً غير قانونيّ، يُعاقب المشارك به بالسجن لمدّة عام".
ودان أعضاء الكنيست العرب المشروع، ووصفوه بالعنصريّ وبمحاولة لإخفاء الهويّة الفلسطينيّة.
وفي هذا السياق، قال المدير العام للدائرة القانونيّة في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان عايد مرار لـ"المونيتور": إنّ رفع العلم الفلسطينيّ في إسرائيل يعدّ حقّاً مشروعاً للمواطنين العرب عقب توقيع اتفاقيّة أوسلو، والتي نجم عنها اعتراف متبادل بوجود إسرائيل والسلطة الفلسطينيّة.
ولفت إلى أنّ إسرائيل في حالة تنكّر للاتفاقيّة، وتعمل دائماً على الانسحاب من الالتزامات المترتّبة عليها، موضحاً أنّ مشروع القانون يناقض الإدعاءات الإسرائيليّة بأنّها دولة ديموقراطيّة، إذ ليس من المعقول أن يتمّ حظر ومعاقبة رفع علم أيّ دولة على أراضي دولة أخرى لمجرّد خلافات وآراء سياسيّة، إلاّ إذا كانت هناك حالة عداء رسميّة، وهذه الحالة لها وضعها القانونيّ الخاص، وهي مختلفة تماماً عن الوضع الفلسطينيّ.
وأشار إلى أنّ القانون في حال إقراره سيزيد من حدّة المشكلة، إذ لن يرضخ الفلسطينيّون في إسرائيل له، مؤكّداً أنّ إسرائيل لا تعير كرامة للمواطنين العرب، وقال: "إنّ العقوبة لا تتلاءم مع الفعل، الذي لا يعدّ أصلاً جريمة لكي تتمّ المعاقبة عليه".
وأكّد أنّ المقاومة السلميّة الفلسطينيّة هي فعل مجتمعيّ، وعلى الجميع أن يمارسوا دورهم في مقارعة و مواجهة إسرائيل سواء بمقاطعة المنتجات الإسرائيليّة أو الاصطدام المباشر، فضلاً عن الصمود ومجابهة السياسات الإسرائيليّة.
من جهته، أوضح مدير مركز القدس للمساعدة القانونيّة لحقوق الإنسان عصام العاروري في حديث لـ"المونيتور" أنّ مشروع القانون يعبّر عن حالة الغضب والفاشية المتنامية في المجتمع الإسرائيليّ، وينسجم مع موقف الكنيست الحاليّ، إذ سمحت سيطرة اليمين المتطرّف عليه بتغيير الوضع على الأرض من خلال سنّ قوانين عدّة ذات طابع تمييز عنصريّ ضدّ الفلسطينيّين، فضلاً عن توسعة أعمال الاستيطان في الضفّة الغربيّة، إذ أقرّ في دورته العشرين الحاليّة ما يزيد عن 187 قانوناً، رغم أنّ معدّل إقرار القوانين في الدورات السابقة كان لا يتجاوز الـ23 قانوناً في الدورة الواحدة.
ولفت إلى أنّ رفع العلم يعدّ شكلاً من أشكال التعبير السياسيّ وتأكيد الوجود الفلسطينيّ في إسرائيل، موضحاً أنّ المشروع يهدف إلى منع المظاهر الوطنيّة الفلسطينية، ويعدّ جزءاً من محاولات تصفية الثقافة الفلسطينيّة والوجود الفلسطينيّ، مشيراً إلى أنّ إقراره سيرفع من قيمة العلم ورمزيّته، بل وقد يسهم في سياسات أخرى من شأنها إعادة توحيد الشعب الفلسطينيّ نحو شعاراته ورموزه الوطنية، وقال: "إنّ الأفكار المجنونة والمتطرّفة تجتاح المجتمع الإسرائيليّ بوتيرة أكثر حدّة من أيّ وقت مضى".
وأكّد أنّ هذا المشروع يعدّ من سلسلة القوانين التي تتناقض مع مبادىء القوانين والأعراف الدوليّة، وقال: إذا استمرّ الوضع على هذه الوتيرة في سنّ القوانين، ولم تكن هناك خطوات جديّة لمواجهته، فإنّه سيسهم على المدى البعيد في عزل إسرائيل، واعتبارها دولة تمارس التمييز العنصريّ رسميّاً.
وأشار إلى أنّ على السلطة الفلسطينيّة مراجعة استراتيجيّتها في التعامل مع إسرائيل، وإلغاء الاتفاقيّات التي تنصّلت إسرائيل من تطبيقها، وسحب الاعتراف بها، وقال: "إنّ عدم السماح برفع العلم يعني عدم الاعتراف بشرعيّة وجود السلطة الفلسطينيّة".
من جهته، لفت المتخصّص بالشأن الإسرائيليّ مأمون أبو عامر في حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ هناك فقداناً للعقل والمنطق السياسيّ داخل البنية الإسرائيليّة من شأنه أن يضرّ بصورتها الدوليّة، مشيراً إلى أنّ الانحياز الأميركيّ لإسرائيل كان سبباً في سنّ قوانين ذات طابع عنصريّ من دون مبالاة بردّات الفعل العربيّة والدوليّة.
وأكّد أنّ من حقّ الأقليّات في كلّ دول العالم رفع شعاراتها والرموز التي تمثّلها، لافتاً إلى أنّ إقرار المشروع سيعزّز العنف، إذ عندما تشعر الأقليّات بأنّ وجودها مهدّد ستحارب وستتحرّك بشكل غير اعتياديّ وستخلق حالة من التحدّي من أجل إثبات هويّتها، خصوصاً أنّه سبقه إقرار قانون القوميّة. وبالتّالي، أصبح التعامل مع القوميّات الأخرى بمنطق الرفض، وهذا مؤشّر خطير سيهدّد أمن إسرائيل، وقال: "في الدول الديموقراطيّة، يتمّ احترام الأقليّات بغضّ النظر عن نسبتها، فالكلّ سواء أمام القانون".
و ينص البند 27 من الميثاق الدولي المتعلق بالحقوق السياسية والمدنية لعام 1966 على "داخل الدول التي توجد فيها أقليات إثنية، أو دينية، أو لغوية، لا يمكن حرمانهم الأفراد المنتمين لهذه الأقليات من حقهم في حياتهم الثقافية، ونشر وممارسة دينهم أو استعمال لغتهم مع أفراد مجموعتهم "
وتوقّع أن تزداد وتيرة الاحتجاج، وألاّ يبقى رفع العلم الفلسطينيّ فقط في المناسبات السياسيّة، بل سيصبح شكلاً من التعبير الإجتماعيّ وفرض الاعتراف بالوجود، لافتاً إلى أنّ عقوبة رفع العلم الفلسطينيّ وفق القانون العسكريّ الإسرائيليّ الذي كان مطبّقاً بالضفّة الغربيّة وقطاع غزّة في أعقاب حرب 1967 كانت لا يتجاوز الأشهر، معتبراً أنّ فرض عقوبة السجن لمدّة عام تؤكّد أنّ الحكم المدنيّ الإسرائيليّ أشدّ قسوة من الحكم العسكريّ.