بعد الإعلان المفاجئ للتحالف بين كتلتيّ "سائرون" التابعة لمقتدى الصدر و"الفتح" القريبة من إيران في 12 حزيران/يونيو، تحاول الأطراف المتحالفة التخفيف من ردود الفعل المعارضة لها في داخل العراق وخارجه.
وفي موقف رسميّ لطمأنة الولايات المتّحدة إلى أنّ التحالف الجديد سوف لا يتبنّى سياسة معادية لها في العراق، نفى القياديّ في تحالف "الفتح" كريم النوري بـ13 حزيران/يونيو وجود معارضة أميركيّة ضدّه، وقال: "إنّ التحالف الجديد يتناغم مع رؤية إيران وأميركا"، الأمر الذي يعني أنّ الحكومة الجديدة الناتجة من هذا التحالف ستستمرّ في السياسة الوسطيّة للحكومات العراقيّة بعد عام 2003 وبالاحتفاظ بتوازن القوى بين إيران والولايات المتّحدة والعمل على إرضاء الطرفين على أرض العراق وإبعاد التخاصم بينهما فيه.
وفي الوقت نفسه، يحاول التحالف الجديد طمأنة المرجعيّة في النّجف إلى أنّه سيسير وفق توجيهاتها السابقة قبيل الإنتخابات الأخيرة.
وأكّد كريم النوري في حديث أنّ التحالف الجديد "سيرضي المرجعيّة الدينيّة" أيضاً. وكان المرجع الدينيّ الأعلى السيّد علي السيستاني قد أبدى معارضته الصريحة لمشاركة فصائل الحشد الشعبيّ المنضوية تحت كتلة "الفتح" حاليّاً في الإنتخابات.
ودعا النوري الكتل الأخرى إلى الالتحاق بهذا التحالف من أجل التسريع في تشكيل الحكومة الجديدة، لافتاً إلى أنّ "هذا التحالف الجديد ليس لديه أيّ خطوط حمراء على أيّ كتلة أو طرف سياسيّ"، متوقّعاً "التحاق كتل سياسيّة أخرى بالتحالف خلال الأيّام القليلة المقبلة".
وفي مؤتمر صحافيّ مشترك مع زعيم "الفتح" هادي العامري بعد الإتفاق على تشكيل التحالف، قال مقتدى الصدر: "إنّ تحالف الفتح مع سائرون يحافظ على التحالف الثلاثيّ بين سائرون والحكمة والوطنية".
وكان الصدر قد وقّع اتفاقاً للتحالف مع قائمتيّ "الوطنيّة" بزعامة نائب رئيس الجمهوريّة إياد علاوي، والتي يشارك فيها عدد كبير من النوّاب السنّة، و"الحكمة" الشيعيّة بزعامة عمّار الحكيم .
وبهذا الإعلان، يقترب التحالف المتشكّل من الحصول على الأغلبيّة الكافية لتشكيل الحكومة، حيث تمتلك "سائرون" 54 مقعداً، "الفتح" 47 مقعداً، "الوطنيّة" 21 مقعداً، و"الحكمة" 19 مقعداً، الأمر الذي يشكّل بالمجموع 141 مقعداً. وتحتاج الأغلبيّة لتشكيل الحكومة إلى 165 مقعداً من بين المقاعد الـ329 الكليّة للبرلمان العراقيّ، الأمر الذي يعني أنّ التحالف الجديد لا يحتاج إلى أكثر من 24 مقعداً للحصول على الأغلبيّة والمضي في تشكيل الحكومة.
ورحّب الحزبان الكرديّان الرئيسيّان الديمقراطيّ الكردستانيّ والاتّحاد الوطنّي الكردستانيّ في بيان مشترك بالتحالف الأخير بين "سائرون" و"الفتح"، واعتبرا التحالف "خطوة إيجابيّة" وبداية لخارطة طريق سياسيّة للخروج من الظرف السياسيّ المتأزم. وأشارا إلى أنَّهما سيشكّلان وفداً مشتركاً لبدء المباحثات مع التّحالف الجديد.
وإن حصل التحالف مع الحزبين الكرديّين الحاصلين على 25 و19 مقعداً بالترتيب، سيمتلك التحالف الجديد 185 مقعداً، وهو أكثر من كافٍ لتشكيل الحكومة المقبلة.
كما أنّ هناك محاولات لانضمام كتلة "دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الحاصلة على 25 مقعداً إلى التحالف الجديد بين "سائرون" و"الفتح". ولقد التقى قيس الخزعلي، وهو زعيم كتلة "عصائب أهل الحقّ" ضمن قائمة "الفتح"، نوري المالكي في 13 حزيران/يونيو للبحث في "مستجدّات الوضعين السياسيّ والأمنيّ في البلاد ومستقبل العمليّة السياسيّة، في ظلّ تطوّرات المرحلة الراهنة"، وذلك بحسب بيان مشترك صدر عنهما أكّد "ضرورة العمل سويّاً من أجل تشكيل التحالف الوطنيّ الشامل والانتقال إلى الفضاء الوطنيّ بهدف بناء مؤسّسات الدولة وإشراك الجميع في إعداد البرنامج الحكوميّ المقبل".
وهذا كلّه يعني، إبعاد رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي وتحالفه من الحكومة المقبلة، حيث لا تكون ثمّة حاجة إليه في التحالف الجديد. وإن قام حيدر العبادي بالانضمام إلى التحالف، سوف لا يكون له دور رئيسيّ، الأمر الذي يعني أنّ ليست له حظوظ حقيقيّة للاستمرار في منصب رئاسة الوزراء.
وتأتي هذه التطوّرات السريعة بعد تفجيرات عدّة استهدفت بغداد، أهمّها تفجير مخزن أسلحة في مدينة الصدر ذات الأغلبيّة الموالية للصدر وتفجير مركز تخزين صناديق الإنتخابات في منطقة الرصافة ببغداد. كما أنّ الخلافات المتصاعدة حول نتائج الإنتخابات الأخيرة صعّدت من وتيرة التشنّج، الأمر الذي أدّى بجهات سياسيّة عدّة، ومنها الصدر نفسه، إلى التعبير عن الحذر من نشوب حرب أهليّة في العراق.
وتدلّ المؤشّرات كلّها على أنّ التحالف الأخير قد حصل إثر ضغوط على الطرفين الرئيسيّين، وهما "سائرون" و"الفتح"، إذ لم تتمّ تحضيرات سابقة له، ووقع حصوله في ظلّ التشنّجات الأخيرة، وبشكل مستعجل.
وأكّد كريم النوري أنّ تحالف كتلته "الفتح" مع "سائرون" هو "تحالف الكبار والأقوياء، وهو تحالف لكتلتين تمتلكان قوّة لا أحد يستطيع خلافهما تأزيم الأوضاع. كما أنّه رسالة طمأنة إلى الشعب العراقيّ قبل المضي بتشكيل الكتلة الأكبر برلمانيّاً المعنيّة بتشكيل الحكومة"، وقال: "إنّها رسالة للجميع لرفع الاحتقان والتوتّر وإبعاد شبح الحرب الأهليّة مع استبعاد خيار إعادة الإنتخابات ورفع دخّان الحريق الذي خيّم على نفوس العراقيّين".
ويعتبر التحالف الجديد انتصاراً للسياسة الإيرانيّة في العراق، حيث ستتمكّن إيران من حفظ نفوذها من خلال كتلة "الفتح" الموالية لها والمتحالفة مع كتلة الصدر الذي يشارك إيران في المعاداة للولايات المتّحدة. كما أنّ التحالف الجديد قد أثار استياء السعوديّة وغضبها، إذ قال عنه الكاتب السعوديّ البارز جمال خاشقجي: "تحالف الصدر والعامري محبط لمن طار بخبر عودة العراق لحضنه العربي وكذا، هذا حال من يستعجل النتائج ويعيش في وهم انتصارات العالم الافتراضيّ".
ويبقى الخيار الأصعب في هذا البيان للحزب الشيوعيّ والتيار المدنيّ المتحالف مع الصدر في كتلة "سائرون"، حيث تركّزت وعودهما الإنتخابيّة على الخروج من المحاصصات الطائفيّة والتحالفات الإقليميّة والتطلّع نحو حكومة بوجوه جديدة تكافح الفساد والفشل في إدارة الدولة العراقيّة منذ عام 2003، ولكن لا يبدو أنّ التحالف الجديد سيلبّي هذا الطموح.