القاهرة - تعرض العشرات من السياسيين وكتاب وحقوقيين في 5 يونيو/حزيران 2018 لاعتداء من قبل مجهولين خلال حفل إفطار الحركة المدنية الديمقراطية، واقتحم المعتدون حفل الإفطار الذي أقيم في النادي السويسري بالقاهرة ، وقاموا بتحطيم الطاولات مرددين سبابا وهتافات معادية لهم، من بينها "يا خونة يا جواسيس" .
وكتب رئيس حزب الدستور خالد داوود -وهو أحد الحضور- عبر الفيسبوك في 5 يونيو/حزيران 2018 قائلا " لم تعد هناك خطوط حمراء، وأي تجمع لرموز معارضة ومستقلة ممنوع" في إشارة إلى أن النظام هو الذي دبر الاعتداء .
وقال مصطفى السيد أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة -وهو أيضا من بين الحضور- ،أن المعتدين رددوا هتافات داعمة للرئيس السيسي، وأضاف عبر صفحته على الفيسبوك في 5 يونيو/حزيران 2018 " حفل الإفطار كان في الأساس مناسبة إجتماعية، وربما كان البعض سينتهز الفرصة لإدارة أحاديث مختصرة حول كيفية الشروع في حوار وطني لتحقيق التنمية السياسية في مصر ولإشاعة الديمقراطية في نظامنا السياسي".
بينما علق هيثم الحريري عضو مجلس النواب على الواقعة في 5 يونيو/حزيران 2018، قائلا " إن مثل هذه الاعتداءات ترسل رسائل سلبية مع بداية فترة رئاسية جديدة وتتناقض مع التعهدات الرئاسية الأخيرة، متسائلا عبر الفيسبوك " لماذا تسير السياسية الأمنية في اتجاه معاكس لخطاب مؤسسة الرئاسة" .
وكان الرئيس المصريّ عبد الفتّاح السيسي قد تعهّد في 2 حزيران/يونيو 2018 خلال كلمته أمام البرلمان المصريّ، بتحقيق تنمية سياسيّة حقيقيّة. وأضاف السيسي وسط تهليل وتصفيق من الحاضرين، قائلاً: "أؤكّد لكم أنّ قبول الآخر وخلق مساحات مشتركة في ما بيننا، سيكون شاغلي الأكبر لتحقيق التوافق والسلام المجتمعيّ".
وخلال شهر أيّار/مايو 2018، اعتقلت السلطات الأمنيّة المصريّة نحو ستة من النشطاء المصريّين، خلال حملة مداهمات على منازلهم، بحسب بيان لـ"هيومن رايتس ووتش" صدر في 31 أيّار/مايو 2018.
وقالت مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش" سارة ليا ويتسون: "وصل الاضطهاد في مصر إلى درجة قيام قوّات السيسي باعتقال نشطاء معروفين خلال نومهم، لمجرّد كلامهم". وأضافت: "الرسالة واضحة، الانتقاد سيؤدّي بالمصريّين إلى السجن الفوريّ".
وكانت الشرطة المصريّة قد ألقت القبض على مدوّن الفيديو الساخر شادي أبو زيد في 8 أيّار/مايو 2018، والناشطة السياسيّة أمل فتحي في 11 أيّار/مايو 2018، والناشط السياسيّ شادي الغزالي حرب في 15 أيّار/مايو 2018.
وضمّت نيابة أمن الدولة العليا النشطاء الثلاثة إلى التحقيقات في القضيّة رقم 621 لسنة 2018، ووجّهت إليهم تهمتي الانضمام إلى جماعة محظورة، ونشر أخبار كاذبة.
كما ألقت الشرطة القبض على المحامي العمّاليّ هيثم محمّدين في 18 أيّار/مايو 2018، وأمرت نيابة أمن الدولة العليا بحبسه على ذمّة التحقيق 15 يوماً، ووجّهت إليه تهمتي مشاركة جماعة إرهابيّة في تحقيق أهدافها، والتحريض على التظاهر.
كما تمّ القبض على المدوّن وائل عبّاس في 24 أيّار/مايو 2018، الذي قرّرت نيابة أمن الدولة العليا اتّهامه بـ"مشاركة جماعة إرهابيّة في تحقيق أهدافها، مع العلم بأغراضها"، و"استخدام أحد مواقع الإنترنت بغرض الترويج لأفكار داعية إلى ارتكاب أعمال إرهابيّة"، و"الإذاعة عمدًا لأخبار ومعلومات كاذبة من شأنها تكدير الأمن والسلم العامّ وإلحاق الضرر بالمصلحة العامّة"، وقرّرت حبسه على ذمّة التحقيق.
ولم تتوقّف الحملة الأمنيّة المصريّة عند النشطاء والصحافيّين فقط، بل طالت مسؤولاً سابقاً في حملة السيسي الانتخابيّة في عام 2014، إذ أمرت نيابة أمن الدولة العليا في مصر بحبس الناشط السياسيّ حازم عبد العظيم في 28 أيّار/مايو 2018 لمدّة 15 يوماً، احتياطيّاً على ذمّة التحقيقات، بتهمة الدعوة إلى تعطيل الدستور ونشر أخبار كاذبة.
وقبل التعهّد الرئاسيّ بيومين، أعرب الاتّحاد الأوروبّيّ في بيان في 30 أيّار/مايو 2018، عن قلقه من الاعتقالات الأخيرة التي طالت نشطاء سياسيّين وحقوقيّين في مصر.
وقال البيان إنّ ازدياد وتيرة اعتقال النشطاء السياسيّين والمدوّنين والحقوقيّين في مصر خلال الأسابيع الأخيرة هو تطوّر مثير للقلق.
ورفضت الخارجيّة المصريّة بيان الاتّحاد الأوروبّيّ، وقالت في بيان لها في 30 أيّار/مايو 2018 إنّ تصريحات الاتّحاد اﻷوروبّيّ "غير موفّقة"، وتتضمّن "قراءة غير صحيحة للواقع المصريّ".
من جانبه، قال مدير الشبكة العربيّة لمعلومات حقوق الإنسان جمال عيد إنّ النظام المصريّ يشعر بالذعر من الأصوات الناقدة، ولذا يلجأ إلى نشر الخوف بين خصومه المطالبين بالديمقراطيّة، بمزيد من الاعتقالات التعسّفيّة.
وأضاف عيد خلال اتّصال هاتفيّ مع "المونيتور" أنّ "الحملة الأمنيّة الأخيرة على النشطاء هي استنزاف للحركة الديمقراطيّة في مصر، وعقاب لأصحاب الرأي". ولفت عيد وهو محامٍ حقوقيّ، إلى أنّ غالبيّة التهم الموجّهة إلى الموقوفين هي تهم فضفاضة ومطّاطيّة وليس عليها دليل.
وحذّر مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان من تزايد الاحتقان السياسيّ، مشيراً إلى أنّ حملات الاعتقالات المستمرّة ستؤدّي إلى مزيد من الغضب.
في السياق نفسه، اعتبر الكاتب الصحافيّ عبدالله السناوي أنّ الأولويّة في الشارع المصريّ هي الأزمة الاقتصاديّة التي تعيشها البلاد، إلّا أنّ موجة الاعتقالات الأخيرة تؤثّر بمزيد من السلب على الساحة السياسيّة والاقتصاديّة، في الوقت التي تحتاج مصر إلى انفتاح سياسيّ.
ونوّه السناوي خلال حديث هاتفيّ مع "المونيتور" بأنّ غلق المجال العامّ واستمرار القمع بالتزامن مع الأزمة الاقتصاديّة، سيولّدان اضطرابات، لا تحتملها مصر.
وأشار إلى أنّ تصرّفات السلطات الأمنيّة يتناقض مع ما يقوله الرئيس من تعهّدات في شأن حرّيّة الرأي والتعبير، معتبراً أنّ ثمّة عدم وضوح للخطّ السياسيّ للنظام الحاليّ، وأنّ هناك حالة من العشوائيّة تسيطر على القرارات الأمنيّة في البلاد.
من ناحيته، قال عضو المجلس القوميّ لحقوق الإنسان جورج إسحاق لـ"المونيتور" إنّ العفو الرئاسيّ الأخير لم يخرج من خلاله إلّا أربعة من السياسيّين، أمّا البقيّة وعددهم 328 فهم مدانون جنائيّاً.
وكان الرئيس المصريّ قد أصدر عفواً رئاسيّاً في 16 أيّار/مايو 2018 عن نحو 332 سجيناً.
وأضاف إسحاق: "كنّا نأمل أن يتمّ الإفراج عن أصحاب الرأي والذين لم يدانوا بارتكاب عنف، لكن فوجئنا بموجة توقيفات عشوائيّة في الآونة الأخيرة، ونعمل على إعداد خطاب موجّه إلى الرئيس السيسي للإفراج الفوريّ عن الشباب الذين لم يدانوا بارتكاب عنف".
ويرى إسحاق أنّ "القبضة الأمنيّة في مصر شديدة، وأنّ الاستمرار في القمع سيؤدّي بالشباب المصريّ إلى حالة من اليأس التامّ".
ويرى رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس النوّاب المصريّ علاء عابد أنّ اعتقال النشطاء السياسيّين يأتي على خلفيّة "أمور تمسّ الأمن القوميّ المصريّ"، مثل تصدير بيانات مغلوطة إلى الخارج، الحديث عن الاختفاء القسريّ من دون دليل، وانتقاد الدولة من دون دلائل، وهو ما اعتبره في حديثه مع المونيتور "أمراً يمسّ بالأمن العامّ، وعلينا إيقافه" .
من جهته، اعتبر رئيس لجنة العلاقات الخارجيّة في مجلس النوّاب المصريّ طارق رضوان أنّ العلاقات بين مصر والدول الأوروبّيّة من جانب والولايات المتّحدة الأميركيّة من جانب آخر، تحكمها مصالح مشتركة، ولا يمكن أن تتأثّر سلباً بسبب ملفّ الحرّيّات.
وكان البيت الأبيض الأميركيّ قد أصدر بياناً في 24 أيّار/مايو 2018، عبّر فيه عن قلق الإدارة الأميركيّة من قيام السلطات المصريّة باعتقال نشطاء لا ينتهجون العنف في مصر.
وفي 24 تمّوز/يوليو 2017، طالبت منظّمة العفو الدوليّة الاتّحاد الأوروبّيّ باتّخاذ مواقف واضحة من مصر إزاء ملفّ الحقوق والحرّيّات، وشدّدت على أنّ تعزيز العلاقات بين الاتّحاد الأوروبّيّ ومصر ينبغي ألّا يكون على حساب حقوق الإنسان.
ومنذ انتخاب السيسي للفترة الثانية، ألقت السلطات القبض على عشرات المنتقدين، معظمهم من العلمانيّين أو اليساريّين، وهي تحقّق معهم بتهم نشر أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعات محظورة أو إرهابيّة، لكن سياسيين من بينهم خالد داوود رئيس حزب الدستور قال عبر صفحته على الفيسبوك في 5 يونيو/حزيران2018، ما زلنا نتمسك بحقنا وأملنا في بناء مصر، والعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، ونحذر من عواقب السياسات الحالية.